من يحكم السعودية؟ سلمان وولده أم القطحاني وصحبه؟!
سليم عزوز
مداخلة على قناة “الحرة” عمرها ثلاث سنوات كشفت حقيقة “أحمد العسيري”، أحد أدوات ولي العهد السعودي في مهمة قتل “جمال خاشقجي”، وكيف أنه كان المتحدث بإسم قوات التحالف، التي تقوم بمهمة قتل اليمنيين وتشريدهم، فواحد من “أولاد الحلال” عثر على هذه المداخلة وقام بترويجها عبر منصات التواصل الاجتماعي، والمؤكد أن للمذكور مداخلات أخرى، وفيديوهات كثيرة، فلم تكن وظيفته سرية، ولكنه الزهايمر، قاتله الله!
العثور على الفيديو كان بعد أن جاءت النيابة العامة السعودية تكحلها فأصابتها بالعمى، وعقدت مؤتمراً صحافياً لتعلن تفاصيل جريمة مقتل خاشقجي، وكان كل هدفها تبرئة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الشهير بـ “حمادة”، فإذا بها تصوره على أنه لا يحكم، ولكنه “خيال مآتة”، وهو ما لا نوافق عليه البتة!
في بيان سابق أعلن القوم في المملكة أن فريق العمل كان قد تلقى “الأوامر” من ولي العهد، باعادة المعارضين في الخارج، وكل ما حدث بعد ذلك كان اجتهاداً في تنفيذ الأوامر التي صدرت لسعود القطحاني المستشار في الديوان الملكي، الذي استعان بنائب المخابرات السعودية “العسيري”، لتنفيذ الأوامر، وكانت الرواية السعودية تدور حول أنه قتل بالخطأ، ونتيجة أن أحدهم أراد أن يوقف صياح “الفقيد”، فوضع يده على فمه، في “لمسة حنان”، فطب الضحية ساكتاً، قبل أن تعترف بأن القتل تم مع سبق الاصرار والترصد.
عندما اعترف السعوديون بعد انكار أن الجريمة مخطط لها، لم ينتبهوا إلى أن الرواية الجديدة، تدين “العسيري” و”القطحاني”، إلى جانب الفريق الذي سافر لاسطنبول، فقد كان كل ما يشغلهم هو انقاذ “ولي العهد حمادة”، لكنهم في المؤتمر الصحافي الأخير، أبعدوا تماما “سموه” عن الموضوع، ليصبح “الأمر” بإعادة المعارضين من الخارج أصدره “سعود القطحاني” المستشار في الديوان الملكي، وثاني إثنين يقومان بدور “أسدي قصر النيل”، اللذين يستقبلانك في بداية الجسر، الذي يحمل الإسم نفسه في القاهرة “كوبري قصر النيل”، ثم يودعانك في نهايته. والثاني هو “طال عمره” تركي آل الشيخ، المندوب السامي في القاهرة، والذي يتصرف في مصر تصرف المالك في ما يملك!
في الرواية السابقة، فإن النظام السعودي بدا كما لو كان يعتمد نظرية “كبش الفداء”، وأن لديه استعدادا لأن يضحي بكبشين أملحين، حماية لولي العهد، لكن “رواية الخميس” الخاصة بالنيابة العامة، تعمل على أن يفلت الكبشان من العقاب أيضاً، فأوامر “القطحاني” لم تتضمن القتل، وعندما شكل “العسيري” ثلاث مجموعات للمهمة تنفيذاً لهذه “الأوامر” لم يكن القتل مطروحاً على جدول الأعمال، فمجموعة للتفاوض، والثانية للدعم اللوجستي، والثالثة لحمل الهدف إلى المملكة بالقوة، والقوة هنا لا تعني القتل. ثم تتم العودة إلى قصة الشجار، الذي نشب بين مجموعة التفاوض و”جمال خاشقجي”، وقد تم خفض أعداد المتهمين من ثمانية عشر، إلى أحد عشر متهماً، ثم استقرت “رواية الخميس” على شخص واحد، وفي النهاية هو لم يقتله عامداً متعمداً، فقد قام بوخزه بحقنة مخدرة، لتسهل السيطرة عليه، لنقله للمملكة في “أمان”، غير أن “الجرعة” كانت أكثر من المطلوب فمات، وهنا نكون أمام قتل بالخطأ يستلزم تخفيف العقوبة إلى ثلاث سنوات، وقد تم تخفيض عدد المتهمين إلى خمسة فقط، من بينهم من قام بعملية الوخز، التي أدت للوفاة، وآخرون تصرفوا مع الجثة، وإن لم يرتكبوا جريمة القتل، ثم أخذت الرواية بنظرية الواحد، فواحد هو من أوقف عمل الكاميرات في القنصلية، وواحد هو من وخزه الوخزة القاتلة، وواحد هو من قام بتجزئة الجثة، وواحد هو من تعامل مع “المتعهد”، بعد أن عادوا مرة أخرى إلى “اسطوانة المتعهد المحلي”، التي أثارت عاصفة من السخرية والاستهزاء بالقوم، وكان النائب العام السعودي قد تراجع عنها، وقال بعدم وجود “متعهد محلي”، لأن هذا من شأنه أن يضعه في “خانة اليك”، في لقائه مع المدعي العام التركي!
“المتعهد المحلي”
في المؤتمر الصحافي، بدا كل من مراسل “العربية” و”سكاي نيوز”، يسألان المتحدث باسم النيابة العامة بشكل احترافي، ونعرف أن الصحافيين في المؤتمر ليسوا أحراراً بالكامل، والمدهش، أن يتم الاتفاق معهما على أسئلة لا تملك النيابة العامة إجابة عليها، وإذا سلمنا بأنهم أحرار في طرح الأسئلة، فسوف يدهشنا أن ثغرات كثيرة في البيان الملقى على الصحافيين، ونقلته “الجزيرة” كاملاً بالمناسبة، لم يتطرق الصحافيون اليها في أسئلتهم، ومن بينها هذا “المتعهد المحلي”، ولماذا لم يتم سؤال المتهم الوحيد الذي تعامل معه في التخلص من الجثة، عن وسيلة الاتصال به، فلا يعقل أن يكون التقاه في الشارع صدفة، وهو يبحث عن جثث القتلى للمساعدة في التخلص منها مقابل أجر، أو “خدمة إنسانية” للقتلة؟!
ويبدو أن هذه الرواية أعدت على عجل لمواجهة الإعلان التركي بتدويل القضية، فلم ينتبه القوم في المملكة إلى أنه سبق لهم الإعلان عن أن تركيا ترفض تسليم المتهمين الأتراك لها، فأين هم الآن في هذه الرواية، التي لا يوجد فيها سوى هذا “المتعهد المحلي”، وبالمناسبة لا نعرف ما تعنيه وظيفة “المتعهد”؟ وهل هو نفسه “الحانوتي” في مصر الذي يتولى حفر القبور ودفن الموتى؟!
وإذ انتهى المؤتمر الصحافي للنيابة العامة، فقد عقد وزير الخارجية السعودي “عادل الجبير” مؤتمراً صحافياً فلم يسد الثغرات في “الرواية”، وإنما انطلق يهمز ويلزم في “الجزيرة”، ثم انتقل من الهمز واللمز إلى التصريح. فقال إن المعلومات التي أمدهم بها الأتراك هي ذاتها التي تبثها “الجزيرة”، إلى أن قال إن بلاده تتعرض لحملة موجهة من قبل الإعلام القطري، والإعلام التركي!
لقد فقد “عادل الجبير” لياقته المهنية في قضية مقتل “خاشقجي”، حيث لقي الدبلوماسي المخضرم حتفه، وأوجد فراغاً شغله “قرينه”، بعد أن انتحل إسمه ووظيفته كوزير لخارجية العربية السعودية!
لا بأس هناك حملة موجهة ومنظمة من قبل “الجزيرة” و”الإعلام التركي”، وهي حملة صرصر عاتية، فهل يعقل أن السعودية، وهي من سبقت الجميع في مجال الإعلام الموجه، وتملك ترسانة إعلامية ضخمة، وإعلاميين بعدد نجوم السماء في مشارق الأرض ومغاربها، ومع ذلك تعجز في صد العدوان الإعلامي “القطري” و”التركي”؟ وماذا عن ملايين الدولارات التي تدفع لعمرو أديب مثلاً؟! ولماذا لا تتحرك “العربية” و”سكاي نيوز”، وما تيسر من الهدى لقول الحقيقة، وصد العدوان؟!
حماية ولي العهد
لو فكر “الجبير” وقدر، لوقف على أن خسارتهم للمعركة ليست بسبب “الإعلام التركي” و”الإعلام القطري”، والأول هو إعلام محلي بطبيعته، فكم أعداد من يجيدون اللغة التركية من غير الأتراك في العالم؟ وماذا عن الإعلام الدولي، ومن “الواشنطن بوست” و”نيويورك تايمز” إلى “سي أن أن”!
الأزمة الحقيقة، ليست في الإعلام: “القطري” و”التركي”، ولكن في نظام حكم جاء من العصور الغابرة، ليقتل معارضيه، ويقوم بتجزئة الجثث، والمشكلة الأعمق هي أن السعودية تريد أن تحمي شخصاً واحداً، لم يعد سراً أن أول حرف من اسمه “محمد بن سلمان”، ثم تنتقل الرواية السعودية إلى حماية جميع الجناة، فالبراءة شملت “أسدي قصر النيل”: “العسيري” و”القحطاني” أيضاً، فجريمة القتل تمت بالخطأ، والعقوبة ستكون مخففة، والسجن من ثلاث إلى خمس سنوات للبعض، وقد تنتهي بدفع الدية، المقررة عند عموم الأئمة في حالة القتل الخطأ!
يقول “الجبير” ما يقول ووجهه يرشح بالبراءة، فاته أن الرواية السعودية مع تفككها وترهلها، تصب في صالح سمعة “الجزيرة” و”الإعلام التركي”، فعندما كان السعوديون يقولون إن “جمال خاشقجي” أنجز مهمته وغادر السفارة من الباب الخلفي بعد ثلث ساعة من دخوله، قالت “الجزيرة” نسبة لمصادرها إنه دخل ولم يخرج، وذكرت ما ذكره “الإعلام التركي”، في وقت لاحق بأنه قتل باليقين، وهو ما تأكد فعلاً، حسب الرواية السعودية أيضاً، وقد قالت نقلاً عن مصادر إن القتل تم مع سبق الإصرار والترصد، فاعترفت النيابة السعودية بذلك، قبل أن تعدل في أقوالها بـ”رواية الخميس”!
لو كانت تركيا تقوم بحملة موجهة ضد السعودية فعلاً، لكان لأهل الحكم فيها كلام مع الإدارة الجديدة لقناتها باللغة العربية “تي آر تي”، والتي جاءت لها هذه القضية على طبق من ذهب لتبدأ انطلاقتها الجديدة بها، فتجاهلتها، وكانت قد حددت موعداً للانطلاق، وتم التغيير في الموعد المقرر ربما إلى حين أن تضع الحرب أوزارها، فبدت مع هذه القضية خارج الخدمة، في حين لو اقتصر العمل فيها على ترجمة ما ينشر في الصحف التركية نقلاً عن جهات التحقيق وبثه، لما احتاجت لمادة أخرى!
لا بأس، “الجزيرة”، وهي تقود حملة موجهة وممنهجة ضد السعودية، فهل السعودية تقلصت إلى حد أن تصبح مجرد “حمادة”؟!
فحتى الرئيس التركي نفسه يعيد ويزيد في أن “خادم الحرمين الشريفين” ليس طرفاً في هذه القضية، ومع تحامل “الجزيرة” ما هي الرواية السعودية التي تجاهلتها؟ وهي التي نقلت مؤتمر “الجبير” ومؤتمر النيابة العامة، وذات يوم بدا أن السعودية اختطفت وكالة “رويترز”، وتم مدها بعشرات الأخبار نقلاً عن مصادر سعودية، فأذاعتها “الجزيرة” جميعها، تماما، كما فعلت عندما نقلت “رويترز” تصريحات لمصادر تركية، وقد بثت استقبال القنصل السعودي لمندوب رويترز داخل القنصلية، في لقاء بدا “لقطة” من فيلم هندي مفضوح!
فما ذنب “الإعلام التركي”، و”الاعلام القطري”، عندما تتكلم النيابة العامة السعودية وتستهدف تبرئة ولي العهد، فتجعل منه ووالده لا يحكمان، وأن الحكم السعودي مختطف لصالح “سعود القطحاني”، و”طال عمره” كل في دائرة اختصاصه، فلم يعلم الملك وولده بالأوامر التي صدرت وبالمهمة التي استدعت تأجير طائرات، واستخراج جوازات سفر دبلوماسية لفريق العمل من غير الدبلوماسيين، والسيطرة على القنصلية بمن فيها القنصل نفسه!
فمن يحكم المملكة الآن سلمان وولده؟ أم القحطاني وصحبه “تركي آل الشيخ”؟!
الرواية السعودية تقول إن “محمد بن سلمان” هو “عماد” في فيلم “الزوج آخر من يعلم!
ونحن لا نوافق على ذلك.
صحافي من مصر