أسعد أيام حياتي

دلع المفتي

 

وجدته على طاولة مكتبي، لا أذكر إن كنت اشتريته أو ربما وصلني هدية، أو ربما القدر شاء لي أن أقرأه لسبب ما. كتاب صغير يشبه كتب الأطفال بورق مقوى وصور زاهية، شدني العنوان «تعلم الرقص تحت المطر» قوة الامتنان.
جلست أتصفح الكتاب على عجل إلى أن توقفت عند صفحة تقول فيها الكاتبة نانسي جيه: «إنني أشعر بالامتنان لحديقة منزلي التي تحتاج إلى تهذيب، والنوافذ التي تحتاج إلى تنظيف، والبالوعات التي تحتاج إلى إصلاح، لأن ذلك يعني أن لدي منزلاً… إنني ممتنة لكل أكوام الغسيل والكواء، لأن هذا يعني أن أحبائي يعيشون بالقرب مني».
رحت أفكر كم هي بسيطة تلك الأشياء، التي تجعل حياتنا أجمل وأدفأ من دون أن نشعر بها، وكم هو جميل أن تستشعر بالامتنان لأمور قد يراها البعض مؤذية أو مزعجة، لكنها في الحقيقة هي وصلات غير مرئية لأسس السعادة. ولأننا قد نبدو أحيانا جاحدين لا نقدر ما نملك، ولا نمتن لما لدينا، قلت دعوني أحصي ما أنا ممتنة له، لكن القائمة خرجت طويلة تحتاج صفحة الجريدة كاملة، لذا سأختصرها فيما قد يبدو نقمة، لكنه في الحقيقة نعمة أنا ممتنة لها:
ممتنة لأخطائي، لأن ذلك يعني أني بشر أصيب وأخطئ، أقع وأقوم.. وأتعلم.
ممتنة لأوجاعي لأنني عندما أكون في قمة الألم، أعرف أن الشفاء سيأتي ليس خطوة خطوة، بل قفزة قفزة، وأن «بكرة أحلى».
ممتنة لكل الشجارات مع أخواتي وأهلي وأصدقائي وزوجي، لأن ذلك يعني ان ما زال هناك حب وغيرة وتواصل واختلاف وجهات نظر ومن دونها ليس هناك علاقة. «احذروا، الحياة من دون زعل ليست حياة».
ممتنة لزعلي من ابنتي عندما أؤنبها وأوجهها، لأن ذلك يعني أنها ستصالحني وسأكسب كلمتين حلوين وضمة وقبلة ببلاش.
ممتنة لكل رسائل الواتس أب المزعجة، التي تصلني بمعنى وبلا معنى، لأن ذلك يعني أن عندي أصدقاء، وأن اسمي موجود على قائمة ما.
ممتنة لتويتر «الذي علقت حسابي به منذ أيام»، فبالرغم من كل التنمر والحقد والكره والشتائم، التي كانت تصلني، وجدت فيه الكثير من الجمال والصداقة والحب والإنسانية.
ممتنة لكل القدور والصحون والملاعق والشوك، وللمطبخ المقلوب رأساً على عقب، لأن ذلك يعني أنني أملك ما أطعمه لأولادي، وأنهم يحبون ما أطبخ.
ممتنة لغرف المستشفيات وللأطباء والممرضات والفنيين وعاملات النظافة والمعالجات الفيزيائيات، لأنه بالرغم من كل ما واجهت كانت ابتسامتهم تضيء روحي وتخفف عني.
ممتنة للسرطان لأنه وجه سهامه نحوي، وليس نحو أحد من أولادي لأنه «بي» سأتحمله وسأقاومه وأهزمه، لكن بكل قوتي وجهدي، لا يمكنني أن أتخيل أحدا من أولادي بتلك الحالة.
تقول أمي إني عندما كنت صغيرة، وعندما كان يأخذنا أبي في أي نزهة إلى حديقة أو مطعم، أو حتى مشوار بسيط في السيارة، كنت دائما أقول له شكراً بابا هذا أسعد يوم في حياتي. اليوم ولله الحمد اكتشفت أني أملك الكثير الكثير من «أسعد يوم في حياتي» لأكون ممتنة لله أولاً وللبشر والحجر والشمس والقمر والسماء والأرض وللشوك والورد، ولكل ما أواجهه يومياً ليصبح كل يوم من أيامي «أسعد يوم في حياتي».

دلع المفتي

[email protected]
@dalaaalmoufti

قد يعجبك ايضا