برعاية البيت الأبيض: «العدل» التاريخي يقتضي… «معاليه أدوميم أولاً»!

 

الأيام هي أيام بداية الكنيست الـ 16. الليكود حقق انتصاراً ساحقاً مع 38 مقعداً، وارتبطت كتلة إسرائيل بعليا به، ورئيس الوزراء ارئيل شارون انتصر مع كتلة من 40 نائباً.
عشية الانتخابات تنشر قضية الجزيرة اليونانية، في البيت الأبيض يجلس جورج بوش الابن، وعلى جدول الأعمال «خريطة الطريق»، والضغط للإعلان عن خطة سياسية يشتد. وزراء ونواب يدخلون ويخرجون من مكتب رئيس الوزراء، ولكن لا أحد يعرف ما في قلبه. وها هو في 26 أيار 2003، بعد أربعة أشهر من الانتخابات فقط، في جلسة كتلة الليكود في الكنيست، يوجه شارون ضربة بقبضته على الطاولة ويقول: «إنه الاحتلال!»، ويشرح: «فكرة أنه يمكن البقاء تحت الاحتلال ـ ويمكن ألا نحب الكلمة، ولكنه الاحتلال ـ 3.5 مليون فلسطيني.»…
صدمة تحل على المشاركين في الجلسة. هل يحتمل أن يستخدم شارون كلمة «احتلال»؟ أبو المستوطنات، زعيم الليكود؟ الطاولة اهتزت، وكذا الأرض.
اللحظة التي سمعت فيها كلمة «احتلال» داخل كتلة الليكود كانت متطرفة وشاذة جداً. وحتى المستشار القانوني للحكومة في حينه أوصى شارون بأن يستخدم تعبير «أراض موضع خلاف»، وليس «احتلال». ولكن شارون لم يتشوش. ما كان ظاهراً زلة لسان لمرة واحدة، طرح مرة أخرى أمام لجنة الخارجية والأمن في الغداة وأصبح منذئذ الاصطلاح المتبع على لسان شارون، ولاحقاً وجد تعبيره في أفعاله أيضاً.
منذ اتفاقات أوسلو سيطر خطاب «السلام» في إسرائيل وكاد يجعل كل موقف يتعارض ومبادئه غير شرعي. شعارات الانتخابات من اليمين ومن اليسار دارت حول وعود السلام. ولكن في حينه أيضاً كانت كلمة «احتلال» من النصيب الحصري لليسار، إن لم يكن اليسار المتطرف. ولكن استخدام شارون لكلمة «احتلال» أحدث تغييراً في الخطاب الأمني ـ الوطني في إسرائيل. وإذا كانت سقطت شرارة في حقل الليكود، فماذا سيفعل أناس اليسار؟ من اللحظة التي استبدل فيها «حقنا التاريخي» بكلمة «احتلال»، كان الطريق قصيراً لاقتراح «نتساريم أولاً». فقد اخترق السد، واتخذ القرار لاقتلاع مستوطنات قطاع غزة وشمال السامرة في خطة فك الارتباط.
أكثر من 15 سنة مرت مذئذ، ومرة أخرى نقف أمام مفترق طرق سياسي وأمام انعطافة لتغيير ذي مغزى. فاليمين لا يتحدث مرة أخرى عن «الاحتلال» بل يخيل كذلك بأن اليسار أسقط هذا التعبير من قاموسه السياسي. كما أن استخدام التعبير الفارغ من المضمون «السلام» أصبح قديماً، ولم يكلف أحد نفسه عناء إخراجه من الجمود في حملة الانتخابات الأخيرة. لقد تغير الخطاب الجماهيري من الأقصى إلى الأقصى، وكاد ينقلب رأساً على عقب.
في صالح رئيس الوزراء نتنياهو تسجل إنجازات اقتصادية وسياسية وأمنية، ولكن لا تقل أهمية عنها هي عملية إنعاش اللغة السياسية في إسرائيل وإحياء خطاب الحق. نعم، الحق التاريخي لشعب إسرائيل على بلاد إسرائيل. هذا الخطاب سائد اليوم ليس فقط في إسرائيل، بل مقبول في البيت الأبيض أيضاً.
وها هو الليكود يحصل على 35 مقعداً في الانتخابات، ليس تحت شعار « شارون فقط يجلب السلام»، بل لتعزيز حكومة اليمين ومنح الشرعية لسياسة أمنية سياسية صقرية. لهذا السبب سيكون مثابة عدل تاريخي الإعلان، مثلاً، عن «معاليه أدوميم أولاً». وإذا سمعنا رئيس الوزراء يضرب على الطاولة بقبضته ويعلنها في الجلسة: «لا احتلال، بل سيادة بقوة الحق» ـ هذا سيكون أيضاً مثابة عدل شعري.

ليمور سمميان درش
محاضرة في كلية السياسة العامة والإدارة في الجامعة العبرية
إسرائيل اليوم 1/5/2019

قد يعجبك ايضا