التطبيع بين الانبطاح والمقاومة !!!
المهندس هاشم نايل المجالي
تتكاثر المقالات والدراسات والاحتجاجات التي تكلمت عن التطبيع وسبل مقاومته ، فهناك من رضخ للأمر الواقع فأشاد بالتعاون المشترك مع العدو بالاتفاقيات لتحقيق منفعة البلد من الغاز وغيره ، لذلك سيبقى هذا الوضع مستعراً ، ولطالما خنعت الاقلام عن قول الحقيقه دون تدليس ، فهناك تأثير اقتصادي واجتماعي وثقافي وفكري يتفاعل مع المنظومة الاجتماعية والثقافية وما يترتب عليها من نتائج سلبية على المدى البعيد .
فالتطبيع هو فتح الاسواق لدخول مختلف انواع البضائع والمنتوجات التجارية والزراعية والصناعية للاسواق المحلية ، كذلك التعامل الاستثماري والتعاون السياحي وغيره بموجب الاتفاقيات التي ابرمت بهذا الخصوص وعلى رأسها اتفاقية السلام ( وادي عربة ) .
وهنا لا بد ان نعترف اننا في حالة ضعف اقتصادي ، وهناك إملاءات على الدولة من البنك الدولي لتخفيض الدين العام كان لها اثر كبير بسبب رفع الضرائب والاسعار ، وتحديث القوانين والانظمة والتشريعات التي اضرت في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والزراعية وحتى السياحية وغيرها ، فالبلد تعاني ايضاً من حمل كاهل الشعوب المشردة من بلدانها ، مما زاد الضغط على البنية التحتية والنقص بالمياه وزيادة الطلب على الكهرباء ورفع نسبة البطالة وبالتالي الفقر .
أي ان الشعب بسبب كل ذلك منهك ومتعب اقتصادياً ومعيشياً ، بينما العدو الصهيوني فهو يتمتع بدعم عالمي اضافة لقدراته وامكانياته الداخلية ، فلا شعبه يعاني من اية تبعات بسبب الحروب بالدول العربية وان شارك وساهم فيها فان الممولين من الدول العظمى والدول الاوروبية موجودين ليرسلوا المدد بكافة انواعه واشكاله .
كذلك فان البلد تعاني من اغلاق العديد من الاسواق امام منتوجاتها بسبب التقلبات السياسية والحروب الداخلية ، كذلك ضعف او شبه وقف للمنح والمساعدات العربية كذلك الاوروبية والتي اصبحت مقرونة باتخاذ المواقف السياسية المختلفة ، بفارق كبير مقابل ما تتحمله الدولة من اعباء كبيره بسبب المشردين من الدول المجاورة وتداعيات الحروب .
فمهما بلغت مساعداتهم فلن تصل الى قيمة ما تتحمله البلد من اعباء وتداعيات فليس هناك اي تكافؤ او تعادل او توازن ، لذلك نجد هناك عطش اقتصادي واغراءات للتطبيع فمثلاً بالوقت الذي كان يتم فيه تفجير انابيب الغاز المزودة للاردن من اجل الكهرباء والصناعات وغيرها وبشكل مستمر وتذبذب الاسعار وعدم الانتظام بذلك ، مما اثر بشكل كبير على الاقتصاد ، بالمقابل كان العدو يقدم التسهيلات والاسعار المنافسة لتقديم الغاز ، ولا يستطيع المواطن ان يحدد ان هذا مبرمج من قبل بعض الدول العربية ام لا ليصبح الوضع كما يقال ( مجبراً اخاك لا بطل ) .
مقابل هذا العطش الاقتصادي والاجتماعي نجد ان الاستثمار قد جف ريقه لتقدم الاغراءات الكبيرة لتشجيع المستثمرين للاستثمار ، وفي نظر المادية وعالم التجارة والاعمال فان كل ما يتخذ من قرارات للحفاظ على الاقتصاد يعتبره البعض مبرراً ومسموحاً به ، وعليك ان تغلق عينيك عن الحقيقه حتى ولو كان ذلك التبرير قبيحاً وسيئاً فليس لديك اي خيار في ظل هذه الحالة البائسة ، فلم يكن يعمل لهذه الحالة اي حساب خاصة ان برامج التحول الاقتصادي عانت من الفساد الكبير وانتكست برامجه الاصلاحية ومن هذا المنطلق النفسي والاحباط الذهني برر البعض اهمية التطبيع كونه تجارة تقاوم استغلال الاخرين وفيه كسب لا خسارة .
وكلنا يعلم ان فيه تضليل فالعدو يبقى عدواً ولا يطبع إلا مقابل شيء سيكسبه وبصفقات مربحة منها اغراق السوق على سبيل المثال بالخضروات والفواكهة باسعار تفضيليه ونوعيات جيدة للقضاء على الزراعة الوطنية ، وهناك ابواق للغزو الفكري الذي يطبخ العقول بالمناهج الدراسية او بالزيارات المتبادلة ، واستقبال العمالة الوطنية للعمل لديهم في المشاريع والفنادق وغيرها .
فالمواطن اصبحت لغته ( انا بدي أعيش ) هذا التطبيع بأشكاله وانواعه هو مخلب وله عدة انياب فهو وحش كاسر لن يرحم لم نحتاط له ، ويوماً بعد يوم سوف نتخدر امامه فالحلول ستكون بمثابة هلوسه ومتعة ورفاهية تخفف من الالم حيث ستحبط عزيمتنا يوماً بعد يوم اذا لم تحل مشاكلنا ونحل الازمات ونقاوم ما يملىء علينا من شروط قاسية من البنك الدولي وغيره ، والحصار من الدول الداعمة لصمود الاردن لهذا الوحش الكاسر بعد ان شاهدنا تلك الدول تتسابق من اجل التطبيع بكافة المحاور والمجالات اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً وحتى دينياً ، متناسين التربية العقلية الوطنية السليمة والتعهد الاخلاقي القويم وتدير ظهرها لكل الالتزامات لدعم صمود الوطن بمواجهة كافة مخططات العدو وقوته العسكرية والاقتصادية ، فهناك طوفان محيط بالوطن من كل الجوانب ولن تكون هناك مقاومة له الا بالصمود والتصدي ، ليقف كالصخرة في وجه هذا الطوفان حتى ولو لحقه بعض الأذى .
لكن لن نركع ولن نخنع كما ركع الآخرون وخنع الاخرون فالمواطن رغم كل شيء سيتحمل من اجل الوطن ومن اجل القضية ، فايماننا نابع من قناعاتنا وايماننا نابع من الثوابت الوطنية فليس المال هو االذي يسير اخلاقنا ومبادئنا وقيمنا انما ايماننا بقيادتنا وولائنا وانتمائنا للوطن .
المهندس هاشم نايل المجالي