الصحف الإسرائيلية 20-3-2016

بوتين أظهر لاوباما بانه يمكن التدخل في الشرق الاوسط دون الغرق في وحله

بقلم: عاموس هرئيل
في مجلة “اطلنتك” وفي اعقابها في معظم وسائل الاعلام الامريكية المركزية، دار في الايام الاخيرة نقاش مشوق في عقيدة اوباما، الارث الذي سيخلفه وراءه الرئيس الامريكي في مجال السياسة الخارجية، مع نهاية ولايته في كانون الثاني القريب القادم. في تقرير واسع في “اطلنتك” للكاتب جيفري غولدبرغ ترد بانفتاح مفاجيء المفاهيم المركزية لاوباما بعد أكثر من سبع سنوات في الحكم، اكثر من خمسة منها في ظل الهزة الهائلة في الشرق الاوسط.
اوباما، بالخلاصة، يعترف بقيود القوة الامريكية، السياسية والعسكرية، في الشرق الاوسط، يشكك باحتمالات العرب لانقاذ أنفسهم من وضعهم الحالي وهو شكاك، على حدود التهكم، بالنسبة للمشورات التي قدمتها له المؤسسة الهائلة لخبراء الشرق الاوسط وسياسة الخارجية في واشنطن. الرئيس، برواية غولدبرغ واثق بعدالة سياسته الخارجية في منطقتنا. الشرق الاوسط أقل اهمية لمصالح الولايات المتحدة مما كان في الماضي، ويمكن لواشنطن أن تفعل القليل فقط كي تغير الوضع البشع فيه، وكل التزامها المباشر في المنطقة سيكلفها فقدان حياة جنودها، بينما تسحق قوتها العملية في الساحة الدولية وصورتها كقوة عظمى. ويبدو اوباما منسجما مع قراره في عدم مهاجمة نظام الاسد في سوريا عسكريا في صيف 2013، رغم تعهده بالعمل ردا على استخدام الطاغية للسلاح الكيميائي.
للاتفاق النووي مع ايران، والذي يرى فيه الرئيس الامريكي أحد انجازاته الكبرى، مكرس في المقال مكان قليل نسبيا، ولكن يبدو أن اوباما يتعاطى معه كوسيلة لتقليص خطر اندلاع مزيد من الحروب وضمان توازن بين القوة العظمى الاقليمية الشيعية وبين خصمها السني الاساس، السعودية.
وأثار المقال موجة من ردود الفعل والتحليلات. منتقدو الرئيس، كما صاغت ذلك “الواشنطن بوست” يشككون باستنتاجاته الثلاثة. في نظرهم، لا يزال الشرق الاوسط هاما، والولايات المتحدة يمكنها أن تساعد، وعدم فعلها هناك بالذات يضعف مكانتها في ساحات عالمية اخرى ايضا.
وبينما يولد النقاش في عقيدة اوباما مقالات ومقالات، فاجأت روسيا العالم بخطوة من جانبها: الرئيس فلاديمير بوتين اعلن يوم الاثنين عن اخراج معظم قواته العسكرية من سوريا. ومثل ارسال الطائرات والجنود الى سوريا، في بداية ايلول، جاءت الخطوة الروسية الجديدة هي الاخرى بلا اخطار. فبعد أن بعث بوتين بالطائرات، سارع اوباما الى التقدير بان موسكو ستجد نفسها غارقة في المسنقع السوري – وهكذا كشف بشكل غير مباشر عن مبرراته للامتناع عن تدخل امريكي مشابه. ولكن تدخل بوتين، ردا على طلب بشار الاسد، نجح في عكس اتجاه المعركة في سوريا، وقف تقدم الثوار، استعادة النظام لقسم صغير من اراضي الدولة وعلى ما يبدو ايضا ابقاء الطاغية في الحكم.
والى ذلك شقت روسيا ايضا الطريق لوقف النار، الذي يصمد بشكل جزئي حاليا، خلافا لكثير من التوقعات المسبقة. فتقليص القتال، الى جانب جس نبض الخطوة الدبلوماسية، كفيل بان يؤدي في النهاية الى التسوية التي يبدو أن روسيا تسعى اليها. ويفترض بهذه أن تكون فدرالية (وعمليا، تقسيم الى دول فرعية، ترسم خطوط حدود بين منطقة السيطرة العلوية في دمشق، في وسط الدولة وفي الشمال الغربي، المنطقة الكردية في الشمال الشرقي ومنطقة سنية كبيرة في الشرق، مدى سيطرة المنظمات الاكثر تطرفا فيها، داعش وجبهة النصرة، ليس واضحا بعد. في تحليل أول، ولا يزال تحت مفاجأة انسحاب بوتين، يخيل أن هذا ما يقصده – تجميد واستقرار للوضع القائم، في ظل تقليص الالتزام الروسي والمخاطر المنطوية عليه لموسكو.
اسرائيل هي الاخرى، مثلما اعترف هذا الاسبوع رئيس الاركان جادي آيزنكوت، كانت بين المتفاجئين من الخطوة الروسية الجديدة. وبالصدفة بدأت في الغداة زيارة رئيس الدولة رؤوبين ريفلين الى موسكو، والتي حسب التقارير مرت بنجاح. ريفلين، بعد التشاور مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، رسم مجال المصالح الاسرائيلية في سوريا: منع ترسخ قوات ايرانية في الجيب الصغير الذي لا يزال يسيطر فيه النظام، في الجانب الشمالي من الحدود في الجولان، والرغبة في اعادة قوة مراقبي الامم المتحدة التي فرت من الجولان في ظل الحرب. كقاعدة، تخفيف القوات الروسية في سوريا، على فرض أن يتم حقا، يعكس انباء طيبة لاسرائيل: فهو يضعف محور ايران – الاسد – حزب الله، والذي يقلق نجاحه الاخير القدس ويلزم حزب الله ببذل جهد اكبر في الجبهة السورية بدلا من جنوب لبنان.
في السياق السوري، على نحو خاص، تجيد اسرائيل في المناورة بين القوى العظمى وهي ملزمة بان تواظب على ذلك. ولكن من الافضل ان نتذكر بان خلف عناق الدب الروسي لا توجد عواطف زائدة. فحكم بوتين يواصل اظهار الوحشية عديمة الكوابح في علاقاته الخارجية وفي الساحة الداخلية. وقد تجسد الامر مرة اخرى هذا الشهر، مع ما يتبين بتأخر كاغتيال وزير روسي سابق اهتزت علاقاته مع الحكم، وعثر عليه ميتا في فندقه في واشنطن في تشرين الثاني الماضي.
أعلن سلاح الجو الروسي اول أمس بان طائراته ستترك سوريا حتى يوم السبت. ولكن السؤال التالي بقي بلا جواب. نظريا، يمكن للطائرات ان تشن غارات في سوريا حتى من قواعد في جنوب روسيا، في ظل العبور من المجال الجوي الايراني والعراقي. ومن السابق لاوانه أن نعرف اذا كان نظام الاسد يمكنه ان يحافظ على خطوط دفاع مستقرة في سوريا دون المظلة الجوية الروسية الهامة. بعض من منظمات الثوار التي قصفت في الاشهر الاخيرة بالطائرات الروسية بشدة وبشكل لا تمييز فيه، كفيلة بان تقرر بان الوضع الجديد يستدعي استغلال الفرصة ومحاولة الخروج في هجوم متجدد، في ظل انهيار وقف النار. وكما ان بوتين ليس مطالبا بان يبني تأييدا جماهيريا في روسيا لقراراته ارسال القوات الى سوريا واخراجها، فانه حتى الان لم يرَ أي حاجة لان يشرح اعتباراته بالتفصيل.
من كل الخطوة تنز رائحة “المفاجأة لغرض المفاجأة” – انعطافة روسية اخرى تدهش العالم وتترك خصوم موسكو في محاولة تحليل ما حصل. والرد على خطوة بوتين الاخيرة تعطي صدى للقول المنسوب لسياسي من القرن التاسع عشر، الذي بشروه بموت خصمه القديم. “مشوق أن اعرف ماذا يقصد؟”، تساءل ماتريخ عن تيليران الميت.
تشاؤم حاد
على جانبي النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني يمكن أن نشخص في الاسابيع الاخيرة بوادر تشاؤم حاد، اشد من ذاك الذي ساد الطرفين في العقد الاخير. فالانتفاضة التي يقودها شباب الضفة الغربية وان كانت تستمر بقوة محدودة نسبيا ولا تغير نمط حياة المواطنين الاسرائيليين والفلسطينيين مثل سابقتيها، الا انها تدهور مع ذلك التوقعات السلبية أصلا لمن هم مسؤولون عن الانشغال الامني في الطرفين.
في الجانب الاسرائيلي يتعزز الاحساس بان سياسة ادارة النزاع التي تمسكت بها الحكومات الاخيرة تقترب من نهاية طريقها. في البادرات الطيبة الصغيرة، التسهيلات الاقتصادية الموضعية، لن تكفي على مدى الزمن، حين يطالب الفلسطينيون بتغيير الوضع من الاساس ولا يكتفون بعد اليوم بتحسينات تجميلية صغيرة. فضلا عن ذلك فان في جهاز الامن الكثير ممن يعتقدون بان شدة العنف الحالي الذي كلف حياة 34 اسرائيليا، واكثر من 180 فلسطينيا في غضون خمسة اشهر ونصف، هي مثابة معجزة. فيحتمل أن يكون الوضع أسوأ.
مثال مميز هو الاقتراح الاسرائيلي الذي نشره هذا الاسبوع باراك ربيد في “هآرتس″ للتقليص حتى الاخير تقريبا حملات الاعتقال التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي في مناطق أ في السلطة الفلسيطنية في رام الله وفي أريحا. السلطة رفضته وذلك ايضا بسبب طلب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اعتراف السلطة بحق اسرائيل المبدئي بالعمل عسكريا في المناطق أ، في حالات “القنبلة المتكتكة”. فمسؤولو السلطة يشعرون بان اسرائيل تعود لتسوق لهم البضاعة ذاتها، لمرات عديدة. فمثل هذه المداولات جرت بعد الانتفاضة الثانية، مع انتهاج “مشروع جنين” المشترك بين اسرائيل والسلطة قبل نحو تسع سنوات. في المزاج الحالي في الضفة، يعتقدون بانهم لا يمكنهم ان يسمحوا لانفسهم بخطوة تعتبر تنازلات مبدئيا لاسرائيل.
توجد السلطة بين المطرقة – الضغط العسكري الاسرائيلي، والسندان – الجيل الشاب الذي يقف في جبهة المواجهة. في هذه الظروف، التي تولد يأسا عميقا في القيادة الفلسطينية، هناك مسؤولون في رام الله يتوقعون انهيار السلطة مع التردي المتوقع لصحة الرئيس محمود عباس (ابو مازن) في السنوات القادمة. وعليه، فانه حتى ما بدا حتى وقت أخير مضى كتهديد عابث – وقف التنسيق الامني مع اسرائيل – لم يعد مجرد خطوة يتخذها صائب عريقات وحده.
تتثبت الانتفاضة المحدودة كواقع لمدى بعيد، ولكنها لا تنتقل حاليا لتصبح مواجهة اوسع، ولا سيما بسبب مساعي اللجم التي تتخذها السلطة الفلسطينية بالذات، وبسبب تردد الجمهور الغفير في الضفة الغربية، غير الملتزم بالكفاح مثلما كان في الانتفاضتين السابقتين. فالجيل الشاب، الاقل وعيا باضرار الرد العسكري الاسرائيلي في حينه والاقل معرفة للفوضى التي سادت في المنطقة عندما ضعف حكم السلطة وكاد يتحطم من 2002 وما بعد – لا يخشى المواجهة. في 1 تشرين الاول وحتى بداية الاسبوع الحالي أحصى جهاز الامن 232 مخربا قتلوا في العمليات، اعتقلوا في اثنائها او في الطريق اليها. العمر المتوسط هو 21 ونصف. 182 منهم من سكان الضفة الغربية، 44 من سكان شرقي القدس (في المدينة كانت ايضا عمليات نفذها سكان من الضفة)، 5 عرب اسرائيليين و 1 سوداني.
في المناطق يصفون شباب الانتفاضة كـ “جيل مرفوع الهامة”. اما في اسرائيل فيستخدمون أوصاف المغترب، المستفز والكدي ويتحدثون عن عداء شديد لهؤلاء الشباب للاحتلال الاسرائيلي وللسلطة وبقدر ما لاهاليهم ايضا. احساس بغياب الافق الشخصي والجماعي، احيانا بتداخل مع توترات عائلية، يشجع على الخروج الى العمليات، التي يصعب على جهاز الامن الاسرائيلي العثور عليها مسبقا أو منعها في زمن الفعل. وسائل الاعلام الرسمية في السلطة والتي شعبيتها في المناطق قليلة على أي حال، كبحت جماح التحريض المباشر للارهاب. وبدلا من ذلك يتمسكون برواية موحدة: منفذو العمليات هم شبان ملوا الاحتلال، نهضوا وقاموا بالعمل وفي الغالب قتلوا بسبب الرد الاسرائيلي الزائد. أما الناقص فتكمله الشبكات الاجتماعية الفلسطينية وقنوات التلفزيون لحماس والجهاد الاسلامي والتي تشعل نار تحريض أكثر حدة على العمليات.
بين محافل الامن في الجانب الاسرائيلي يوجد الان اجماع – التنسيق الامني مع السلطة هو على ما يبدو الافضل مما كان في أي وقت مضى. فالاجهزة تعمل ايضا ضد خلايا حماس في الضفة وفي حالات عديدة ايضا ضد شبان ينثرون تلميحات عن النية لطعن او دهس الاسرائيليين. والخطر الاساس الذي في استمرار العنف هو تآكل خطوات اللجم الفلسطينية وبالاساس ضعف التنسيق الامني. ومن هنا التوقع البشع لما سيحصل في الضفة لاحقا.
التهديد الاقتصادي
في قطاع غزة دفنت حماس هذا الاسبوع الشهيد الـ 15 لها على الاقل، في ثماني انهيارات للانفاق منذ نهاية كانون الاول الماضي. القتيل، في هذه الحالة، وصف كنشيط ميداني كبير في الذراع العسكري. في البداية حاولوا اخفاء حوادث العمل العديدة. وبعد موت سبعة نشطاء في انهيار نفق قبل قرابة شهرين، لم يعد هذا ممكنا.
في تلك الفترة، بين منتصف كانون الثاني ومنتصف شباط، كان يبدو أن اسرائيل وحماس قد تتدهورا الى مواجهة عسكرية اخرى. وهبت في غزة رياح الحرب. حماس حثت حفر الانفاق، بما فيها الانفاق الهجومية التي تتسلل على ما يبدو الى الاراضي الاسرائيلية. اما الجيش الاسرائيلي فبذل جهودا هائلة لاكتشافها على طول الحدود. وأدت تغطية اعلامية واسعة وزيارات لكبار المسؤولين الاسرائيليين في غلاف غزة بحماس الى الشك في أن اسرائيل توشك على العمل ضدها عسكريا. وفي اسرائيل خافوا من أن كشف الانفاق الهجومية قد يشجع حماس على استخدام بعضا مما تبقى منها قبل أن يضيع المشروع الهجومي الكبير لديها هباء. في بداية شباط قال محمود الزهار، من كبار رجالات التنظيم، في مقابلة تلفزيونية ان “الانفاق الهجومية تصل الى الاراضي خلف قطاع غزة”.
منذئذ يخيل أن كبار رجالات التنظيم فزعوا من أنفسهم. فالفيلم الذي عرضت فيه المقابلة مع الزهار اختفى عن الانترنت ورئيس وزراء حماس اسماعيل هنية يبث رسائل اكثر تهدئة. وخرج وفد من حماس من القطاع هذا الاسبوع الى القاهرة لاجراء محادثات مع رجال المخابرات المصرية، بمبادرة سعودية على ما يبدو. ولكن الضائقة الاستراتيجية الاساس لحماس بقيت على حالها. فالمساعدة المالية من قطر محدودة، والعلاقات مع مصر فظيعة، وخطوة مصالحة حقيقية مع السلطة الفلسطينية لا تبدو قريبة. وشروط الحياة في القطاع تواصل التدهور. وتوقفت تهديدات الحرب من غزة، ولكن الواقع على الحدود بقي هشا. فخطر الانفجار المستقبلي لا يزال يقرره بقدر كبير الوضع الاقتصادي المتدهور.
هآرتس

قد يعجبك ايضا