لبنان.. مفتي الجمهورية محذّراً من الانهيار: موقفي واضح.. إما حكومة أو الجميع في الشارع
وهج نيوز : اختلف اليوم الثالث للحركة الاحتجاجية في لبنان عن اليومين الأول والثاني، إذ عمدت وحدات الجيش إلى فتح الطرقات الرئيسية المقفلة بدءاً بالدورة وجل الديب وزوق مصبح وغزير وجبيل وصولاً إلى طرابلس، فيما واجه الجيش مشكلة في فتح طريق برجا المؤدي إلى الجنوب بسبب توقيف 22 شاحنة وسط الطريق وأخذ مفاتيحها قبل أن يُسوّى الأمر ويوافق شبّان برجا على تسليم مفاتيح الشاحنات إلى الجيش، الذي برّر قراره بفتح الطرقات بإعلانه عبر “تويتر” أنه “نتيجة الحوادث المأساوية والتجاوزات التي حصلت، وحفاظاً على سلامة المواطنين، باشرت وحدات الجيش فتح الطرق المغلقة”.
و توفي شابان من منطقة زغرتا عندما إصطدمت سيارتهما مساء بشاحنة متوقفة وسط الطريق، ما أثار غضباً في منطقة زغرتا. كذلك تعاطف الناس مع أحد المواطنين الذي بكى إمام الثوّار في منطقة الزوق، مناشداً إياهم أن يدعوه يمرّ لأنه ” يغسّل كلى”، قبل أن يتبيّن أنه سخر منهم واحتال عليهم كي يجتاز الطريق، فساد الغضب في صفوف الثوّار وتناقلوا فيديو عنه وعن كذبه.وبعد ساعات خرج المواطن عينه ليقول إن اسمه ماهر منيمنة وليعتذر من المحتجين على فعلته.
غير أن فتح الطرقات لم يمنع التحركات إذ سُجّل اعتصام في منطقة الأشرفية دعماً لحياد لبنان وعقد مؤتمر دولي لتنفيذ القرارات الدولية،وحمل بعضهم لافتات تلمّح إلى حزب الله كُتب عليها ” من دمّر بيروت لن يحرّر القدس”،و” نعم لمبادرة البطريرك”، ” بلادنا حرّة حرّة إيران برّا برّا “.أما في صيدا فقد جابت مسيرة شوارع المدينة دفاعاً عن الحق بالعيش الكريم ، وتخلّل التظاهرة التي شارك فيها الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد هتافات ضد رئيس الجمهورية.وفي ساحة النور في طرابلس، نفّذ العسكريون المتقاعدون وقفة تضامنية دعمًا لكلمة قائد الجيش العماد جوزف عون، وأكد العميد جورج نادر أن” ابن طرابلس احتضن الجيش وثوّارها هم نبض الثورة”.
في هذه الأثناء، وبعد الأصوات التي رفعها محتجون سنّة عن موقف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان من الأوضاع ولماذا لا يلاقي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في انتفاضته، خرج المفتي دريان عن صمته لينتقد “المسؤولين الذين لا يأبهون لمسؤولياتهم فيما هم حصلوا على مناصبهم بحجج أداء مقتضياتها”.وبعدما عرض للشكوى من الفقر والجوع والأمل بالدولة والحاضر والمستقبل، سأل في الرسالة التي وجّهها الى اللبنانيين في مناسبة ذكرى الإسراء والمعراج “لماذا يفتقد الناس المعذبون كل ثقة بكم، ولماذا وبسبب اليأس منكم يلجأ العقلاء لالتماس الحلول الإنقاذية من الخارج القريب والبعيد؟! أوليس من البديهيات أن تكون لدينا حكومة مسؤولية، كما في سائر دول العالم”.
وقال” نحن نعرف والعالم يعرف الحكومات المستبدة، لكن العالم كله لا يعرف الحكومات الغائبة.الحكومات هي السلطات التنفيذية التي يعهد إليها الناس بالمسؤوليات. وفي حالتنا البائسة واليائسة لا نعرف كما لا يعرف سائر المواطنين إلى من وإلى أين نتوجّه ويتوجهون. لقد صُمّت آذانكم ولم تسمعوا صرخات الشباب في الشارع من اليأس والغضب، فما حرّكت لديكم هذه الصرخة المدوّية أي دافع وطني أو إنساني.وهكذا فإنكم لا تعرضون حلولاً، بل ولا تكتفون بذلك، بل إنكم تمنعون الحلول بالقوة. ثم تزجّون بالقوى العسكرية والأمنية لإخراج الغاضبين من الشارع! يا جماعة، اسمحوا بتشكيل حكومة تتصدّى للمسؤوليات الهائلة والمتراكمة، ثم راقبوها وحاسبوها، أما الحال الحاضر فلا يقبل به ولا يفهمه أحد بالداخل أو بالخارج! وبصراحة وبدون مواربة: إما حكومة بالأمس قبل الغد، أو لن يبقى لبناني في بيته، والجميع سيكونون في الشارع!”.
وأضاف مفتي الجمهورية” بلادنا هي في زمن الانهيار الشامل. وفي أزمنة الانهيار، تستيقظ لدى البشر نوازع متضاربة. لقد تحوّل اللبنانيون القادرون أو نصف القادرين أو ربعهم إلى أعمال الخير والمساعدة والتضامن. وقد مدت جماهير غفيرة أيديها إلى إحسانات الخارج. وقد جاء في القرآن الكريم: “والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم”. وأشهد وأنا مثل غيري، أتابع بقدر الاستطاعة، أن المواطنين اللبنانيين، وكل منهم يفعلون أكثر مما يستطيعون. لكن هذا كله غير كاف على الإطلاق، بل نرى أنفسنا مضطرين للعودة إلى تساؤل الرئيس الشهيد رفيق الحريري: لماذا ينشئ الناس دولاً وأنظمة؟ ما الحاجة للدولة إن لم تنهض بواجباتها نحو مواطنيها؟ وهذه فكرة خطيرة لها عواقب أخطر.إن انتفت الحاجة للدولة بسبب عدم قيامها بأي من مهماتها تجاه مواطنيها؛ فإن الفوضى المدمرة هي التي تحلّ محلها. وهو الأمر الذي نخشاه جميعاً وسط انغماس المسؤولين غير المسؤولين في التناحر على صغائر الأمور قبل كبارها”.
وأضاف “قال لي عاقل من بلادنا: عندما يستشري الاضطراب ينبغي العودة للثوابت للانطلاق منها من جديد. وثوابتنا العيش المشترك والميثاق الوطني والدستور. وما رأيت في أي من هذه الثوابت أن المصالح العامة يمكن أن تصان بدون حكومة مسؤولة”، معتبراً ” أن لبنان بات يتأرجح ما بين الحياة والموت، وهو أقرب إلى الموت منه إلى الحياة، فماذا يا أولّي الأمر أنتم فاعلون؟”.
وأكد ” أن موقفنا واضح لا لبس فيه لا تردّد، نحن مع اللبنانيين في مطالبهم الإنقاذية، نحن مع إنقاذ البلاد من هول ما تعدنا به الطبقة الحاكمة، نحن مع الدستور، مع الطائف، مع معالجة الأوضاع الاقتصادية والحياتية والمعيشية، نحن مع عودة لبنان إلى حياته الطبيعية، مع إنمائه وازدهاره، مع التاكيد على العيش المشترك، العيش المشترك الإسلامي – المسيحي – الآمن والكريم والمستقر، نحن مع عروبة لبنان وحضوره العربي، ودوره في كل المجالات، نحن مع لبنان وطناً سيداً حراً مستقلاً، وطناً نهائياً لجميع أبنائه، نحن مع وحدة لبنان ووحدة اللبنانيين، لا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، يقول الدستور”.
وختم”هذا هو موقفنا الواضح والصريح والقاطع، ونؤكد ما أكد وأجمع عليه أصحاب السماحة والغبطة والسيادة، رؤساء الطوائف المسيحية والإسلامية في بيانهم الجامع، حول ما آلت إليه الأوضاع المأساوية في لبنان، على التمسك بلبنان الواحد، أرضاً وشعباً ومؤسسات، والولاء للوطن اللبناني والدولة، والعيش المشترك الإسلامي – المسيحي – والنأي به عن الصراعات الخارجية والحسابات الشخصية، والطموحات القاتلة، والحفاظ على السلم الأهلي الداخلي، وتطبيق الطائف نصاً وروحاً، والإسراع في تشكيل حكومة مهمة تعالج مشاكل لبنان الاقتصادية والمعيشية، وتنقذه من حالة الانهيار والضياع، وتعيده إلى حالة الأمن والسلام الداخلي”.
وكان المكتب الإعلامي في دار الفتوى نفى جملة وتفصيلاً ما نُسب من كلام إلى مفتي الجمهورية اللبنانية في إحدى الصحف، مؤكداً أن “المعلومات التي كتبها صاحب المقال غير صحيحة على الإطلاق ومواقف المفتي دريان واضحة وصريحة ولا يعتمد فيها التسريبات الصحافية”.
وكان مقال في صحيفة” النهار” نقل قول المفتي دريان لسفير دولة عربية مهمة “أنا مُستعدّ أن أتخلّى عن عمامة الإفتاء وأجلس في البيت ولا أُشارك في دعم أو تأييد أيّ فتنة مذهبيّة سُنيّة – شيعيّة في البلاد”.وجاء هذا التحليل في سياق الحديث عن ” صفقة” أو ” اتفاق مبدئي” بين الثنائي الشيعي والزعامات السنّية.
المصدر : القدس العربي