النقد البناء لا يعني الإرتباط بأجندات خارجية

محي الدين غنيم  …..

 

في الدول التي تحترم ذاتها، يُعدّ النقد البناء أحد أعمدة الإصلاح والتطوير، ووسيلة وطنية صادقة لتصويب الأخطاء قبل أن تتحول إلى كوارث. أما في واقعنا المؤلم، فقد أصبح النقد مهما كان موضوعيًا ومسؤولًا  تهمة جاهزة، وسيفا مسلطا على رقاب كل من يجرؤ على قول الحقيقة أو الإشارة إلى الخلل.

المقلق أن بعض المسؤولين أو الشخصيات الساعية للوصول إلى مواقع متقدمة في الدولة، يتعاملون مع النقد بمنطق عدائي، لا بعقلية رجل الدولة. فعندما يعجزون عن الرد بالحجة، أو يفتقرون للقدرة على الإقناع، يلجأون إلى أخطر أسلوب: التشكيك بالوطنية، ورمي المنتقدين بتهمة الارتباط بأجندات خارجية. وهذه ليست فقط مغالطة أخلاقية، بل جريمة معنوية بحق الوطن والمواطن معًا.

اتهام الناس بالعمالة أو الارتهان للخارج ليس رأيا، بل قذف سياسي خطير، يكشف فشلا ذريعًا في إدارة الاختلاف، ويعكس عقلية إقصائية لا تؤمن إلا بالصوت الواحد. فالوطن لا يُحمى بتكميم الأفواه، ولا يُبنى بتخوين أبنائه، بل يُصان بالنقاش الحر، والمحاسبة، والشفافية، والقدرة على الاعتراف بالخطأ.

الأخطر من ذلك، أن هذا السلوك يخلق حالة من الخوف العام، ويدفع الكفاءات الوطنية الصادقة إلى الصمت أو الانسحاب، بينما يفتح المجال واسعًا أمام المتملقين والانتهازيين وأصحاب المصالح الضيقة. وهنا تكون الخسارة وطنية بامتياز، لأن الدولة التي تطرد النقد تحتضن الفشل دون أن تشعر.

النقد البناء لا يستهدف الدولة، بل يسعى إلى تقويتها. لا يهدم المؤسسات، بل يطالب بإصلاحها. ولا يخدم الخارج، بل يحمي الداخل من الانهيار. ومن لا يحتمل النقد اليوم، لن يكون قادرا على تحمل المسؤولية غدا، ولن يكون أهلًا لقيادة أو موقع أو قرار.

إن الأردن، بتاريخه ووعيه وشعبه، أكبر من هذه الأساليب الرخيصة. وأبناء هذا الوطن الشرفاء الذين ينتقدون من منطلق الحرص والمسؤولية، هم خط الدفاع الأول عن الدولة، لا أعداؤها. أما من يختبئ خلف شماعة “الأجندات الخارجية” كلما وُضع أمام مرآة الحقيقة، فليعلم أن الزمن كفيل بفضح العجز، وأن الوطن لا يرحم من يسيء إليه باسم الدفاع عنه.

فالنقد البناء وطنية… والتخوين هروب وفشل.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا