بعد خسارة إف 35.. هل تشتري تركيا طائرة سوخوي الروسية لإنقاذ تفوقها الجوي بالمنطقة؟
وهج نيوز : في إطار رؤيتها الاستراتيجية لتطوير صناعاتها الدفاعية والاعتماد بشكل كامل على أسلحتها الوطنية، تعمل تركيا على برنامج واعد لصناعة طائرة حربية استراتيجية من الجيل الخامس لتكون الطائرة الحربية الأولى بإمكانيات وطنية في ترسانة الجيش التركي ورأس حربة القوات الجوية التركية.
ولكن هذا المشروع الذي ما زال في مراحله الأولى بحاجة إلى سنوات طويلة من العمل، حيث تشير التقديرات المتفائلة إلى أن دخول الطائرة الحربية الوطنية التركية الخدمة الفعلية لن يكون قبل عدة سنوات مقبلة، وهو ما يعني أن تركيا ما زالت بحاجة ماسة إلى تأمين احتياجاتها التي تكفل لها الحفاظ على تفوق سلاحها الجوي في المنطقة من الخارج وهو ما يعيدها إلى دائرة التجاذبات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ويضعها أمام خيارات صعبة.
حيث تشهد المنطقة سباق تسلح كبيرا وتغيرات يمكن أن تدفع إلى تغيير حقيقي في ميزان القوى بالمنطقة، ومن أجل حفاظ سلاح الجو التركي على موازين القوى الحالية وضمان بقاء تفوقه خلال السنوات العشر المقبلة، فهو يعمل بكل قوة من أجل تطوير برامج المسيرات التركية التي أثبتت تفوقاً متعاظماً خلال السنوات الأخيرة لا سيما من خلال طائرة بيرقدار، وقريباً من خلال طائرة أقنجي التي يمكنها حمل قنابل بأوزان قريبة من تلك تلقيها المقاتلات الحربية، والعمل على برنامج كبير لإطالة عمر مقاتلات إف 16 الأمريكية، إلى جانب العمل على برنامج المقاتلة الحربية الوطنية، إلا أن كل ذلك لا ينفي حاجة أنقرة لمقاتلة نفاثة من الجيل الخامس إلى حين اكتمال برنامج طائرتها الوطنية الذي ما زال بحاجة لسنوات طويلة من العمل.

وبحسب أحدث تصنيف لأكبر 10 قوات جوية في منطقة الشرق الأوسط أعده موقع “غلوبال فاير باور” المتخصص بالشأن العسكري لعام 2021، جاءت القوات الجوية التركية بالمرتبة الأولى في المنطقة بـ1056 طائرة مختلفة، وجاءت مصر في المرتبة الثانية والسعودية ثالثة، وإسرائيل رابعة.
وضمن خطتها الاستراتيجية للحفاظ على توازن القوة العسكرية في المنطقة، كان يفترض أن تبدأ تركيا منذ العام الماضي استلام طائراتها من طراز إف 35 التي كانت جزءا من برنامج تصنيعها وكان يفترض أن تقتني 120 طائرة منها، وهو ما كان سيضمن لها ليس مجرد الحفاظ على موازين القوى الحالية، وإنما تحقيق مزيد من التفوق الجوي في المنطقة.
إلا أن الأزمة التي تفجرت مع الولايات المتحدة على خلفية شراء أنقرة منظومة إس 400 الدفاعية الروسية، نتج عنها قرار الإدارة الأمريكية فرض عقوبات على تركيا كان أبرزها وقف مشاركتها في برنامج إف 35 وعدم تسليمها أي من الطائرات، وسط تراجع كبير في فرص التوصل إلى حل يمكن أن يعيد أنقرة إلى برنامج طائرات إف 35.
لكن التحدي بالنسبة إلى تركيا لم يتوقف عند هذا الحد، بل توسع وأصبح أكثر تعقيداً من توجه الإدارة الأمريكية لبيع هذا النوع من الطائرات المتقدمة لعدد من الدول في المنطقة، حيث تسلمت إسرائيل عددا من هذه الطائرات بالفعل ضمن صفقة تضمن لها الحصول على عدد أكبر منها خلال السنوات المقبلة، ما يضمن لها مزيدا من التفوق الجوي في المنطقة.
إلا أن الخطر لا يكمن هنا فقط، فقد وقعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على صفقة ضخمة مع الإمارات العربية المتحدة تشمل بيعها طائرات إف 35، وعلى الرغم من أن إدارة بايدن تعيد النظر في الصفقة ويمكن أن تلغيها، إلا إن سيناريو امتلاك الإمارات لهذه الطائرات يبقى هاجساً للجانب التركي وتطوراً لن يكون على الإطلاق في مصلحة الحفاظ على موازين القوى في المنطقة.
وإلى جانب كافة التحديات السابقة، يبدو السيناريو الأخطر على الإطلاق بالنسبة لتركيا، هو امتلاك اليونان لطائرات إف 35 الأمريكية، وذلك بعدما أعلنت أثينا أنها فعلاً بصدد الطلب رسمياً للحصول على هذه الطائرات، وحديث مسؤولين أمريكيين عن إمكانية بيعها لأثينا، وهو ما قد يمنح اليونان تفوقاً جوياً حقيقياً في نزاع شرق المتوسط الأهم على المدى الاستراتيجي بالنسبة لتركيا في السنوات المقبلة.
يضاف إلى هذه التحولات أيضاً، مساعي مصر لتعزيز قواتها الجوية خلال السنوات الأخيرة، وذلك من خلال الحصول على طائرات رافال الفرنسية والتوقيع على صفقة للحصول على طائرات سوخوي 35 الروسية وذلك رغم الاعتراضات الأمريكية، حيث تشير مصادر روسية ومصرية غير رسمية إلى وصول أول 5 طائرات سوخوي روسية إلى مصر.
وفي ظل هذه المتغيرات الهامة جداً، تجد تركيا نفسها مضطرة للتحرك بشكل أسرع إما لحل مشكلة إف 35 مع الإدارة الأمريكية وهو الخيار الذي يبقى مفضلاً لأنقرة التي ما زالت تجرب كافة الطرق القانونية والسياسية للحصول على إف 35، حيث طرحت مؤخراً “نموذج كريت” والذي فهم منه أن أنقرة مستعدة لتخزين منظومة إس 400 الروسية وعدم استخدامها مقابل حل الأزمة مع الإدارة الأمريكية، لكن فرص الحل ما زالت تبدو بعيدة نوعاً ما.
وفي حال عدم التوصل إلى حل، فإن تركيا تجد نفسها مضطرة للبحث عن البدائل الممكنة للحفاظ على تفوق سلاحها الجوي في المنطقة ومنع حصول اختلال استراتيجي في ميزان القوى، وبالتالي فإن روسيا ستكون الخيار الأول الماثل أمام أنقرة للرد على التعنت الأمريكي.
ومؤخراً أطلق مسؤولون أتراك من السياسيين والعسكريين تصريحات عبروا فيها عن انفتاحهم على إمكانية اقتناء الطائرات الحربية الروسية، في تصريحات يرى مراقبون أنها تعتبر مجرد محاولة للمناورة والضغط على الإدارة الأمريكية، بينما يرى آخرون أنها مساع حقيقية في ظل حاجة أنقرة الماسة لتعزيز قواتها الجوية والحصول على مقاتلات حربية من الجيل الخامس، وسط محاولات روسية حثيثة لإغراء أنقرة للتوجه للحصول على المقاتلات الروسية.
وعلى الرغم من أن أنقرة ما زالت تفضل الحصول على طائرات إف 35 كخيار أول، وعدم التوجه إلى روسيا إلا في حال انعدام الخيارات، إلا أن ارتفاع سعر المقاتلة الأمريكية مقارنة بالروسية، وانفتاح موسكو على نقل الخبرات والتقنيات العسكرية ولو جزئياً، وتزايد الحديث مؤخراً عن المشاكل التقنية التي تعتري الطائرة الأمريكية، قد يدفع موقف أنقرة للحصول على المقاتلة الروسية.
إلا أن المعايير الحاسمة لا تتعلق بالدرجة الأولى لا بالسعر ولا القدرات العسكرية ولا غيرها من المعايير السوقية، وإنما تتعلق بالبعد السياسي والاستراتيجي والقدرة على اتخاذ قرار استراتيجي باقتناء الدولة التي لديها ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي على مزيد من الأسلحة الروسية بكل ما يحمله ذلك من أبعاد وتبعات على مستقبل تركيا في المعسكر الغربي والناتو، ليكون هذا هو المحدد الأساسي للقرار التركي الصعب خلال المرحلة المقبلة.
المصدر : القدس العربي