تتصادف ذكرى وفاة عبد الحليم حافظ مع يوم الارض، الذي تبنته فلسطين إحياء لذكرى شهدائها.

فكان الثلاثون من آذار هو التاريخ الذي طويت فيه صفحة العندليب الاخيرة، في كتاب سطره بالعطاء الفني العارم رغم قصر عمره، فترك لنا إرثا فنيا ممتدا و متنوعا، فأبدع مطربا و أبدع كممثل في مجموعة كبيرة من الافلام.

كان عبد الحليم صوت الشباب كما كان صوت الثورة، فقد تزامن انطلاقه و شهرته مع ثورة الضباط الاحرار في مصر عام ١٩٥٢ و ما حملته من معاني الحرية و النضال، التي حملت الثقافة و التعليم إلى كافة أرجاء مصر و العالم العربي و التي حملت السعي للإصلاح الثوري للاسباب التي أدت لهزيمة العرب في حرب فلسطين بالعام ١٩٤٨، الامر الذي جعل العندليب الاسمر قريبا من الشباب و إيقاع و نبض الأمة .

كم من المراهقين رافقهم صوت العندليب في حبهم الأول و في انكساراتهم وخيباتهم.

و كل ما أذكره في افلامه ان القاسم المشترك فيها هو تبنيه لشخصية الشاب المكافح البسيط ذي الحب و الآمال العريضة، فكان دائما ينتصر على عراقيله، و يبعث فينا دائما أملا و طاقات من الحب و العاطفة عبر تعابير وجهه الصادقة إذا مثل و في أغانيه التي يشدو بها بأعذب الالحان و أرق الكلمات  فمن الشعراء الذين رافقوا مسيرته:

حسين السيد

و صلاح جاهين

و بيرم التونسي

و عبد الرحمن الأبنودي

اما الملحنين فأذكر منهم على سبيل المثال:

كمال الطويل

و بليغ حمدي

و محمد عبد الوهاب الذي يصف لقاءه بالعندلبب الأسمر باللقاء القدري حيث أعجب بتكوينه الشبابي الأسمر و خفة دمه و الإيقاع الشبابي الذي يفيض من حديثه و حركاته و غنائه.

و ايكون هذا اللقاء فاتحة للتعاون في كثير من الأغاني اللتي لحنها عبد الوهاب للعندليب و صادفت نجاحا كبيرا، اذكر من تلك الأغاني على سبيل المثال:

أهواك

توبة

فاتت جنبنا

و أغنية من غير ليه التي لحنها عبد الوهاب للعندليب لكن القدر أخذ منا العندليب قبل أن يغنيها على المسرح و أقتصر غناء العندليب لبروفات برفقة عبد الوهاب خلدت في تسجيلات نادرة و متفرقة ظهرت بعد وفاة العندليب.

و يمتد التعاون بين عبد الوهاب و العندليب الى الإشتراك في شركة صوت الفن التي لها اسهاماتها الجلية على الحركة الفنية في مصر و العالم العربي.

و يتوج التعاون بين عبد الوهاب و العندليب و السيناريست و الكاتب المصري الشهير سعد الدين وهبة الذي كتب سيناريو فيلم أبي فوق الشجرة عام ١٩٦٩ الذي يعد علامة فارقة في تاريخ السينما المصرية و الأفلام الغنائية، و هو من أوائل الافلام الملونة في تلك الأيام.

عبد الحليم أو حليم، كما كان يحلو لأصدقائه أن بنادوه كان ضمير أمة و صوت لحركة تحرر، من منا لا يذكر غناءه في اوبريت الجيل الصاعد الى جانب النجوم و ردة الجزائرية و نجاة الصفيرة و شادية تحت قيادة المايسترو اموسيقار محمد عبد الوهاب الذي لحن و أدى معهم هذا الأوبريت.

و كما كان حليم صوت الامة العرلية الهادر، كان كذلك صوت الامة العربية الجريحة بعد هزيمة العام ١٩٦٧ فمن منا لا يذكر أغنية (عدى النهار) و ما يعتمل فيها من ألم و شجن في نايها العذب الذي يمتزج مع صوت حليم الشجي الحزين.

و للشعب الفلسطيني أهدى العندليب أغنية المسيح النادرة التي غناها في العاصمة بريطانية لندن في البرت هول و ظهرت كذلك بعد وفاته، بواسطة صوت الفن.

جسدت حياة العندليب في مسلسل و فيلم كذلك.

و كان الفيلم من أداء الممثل الراحل أحمد زكي و كان ذلك موفقا من حيث تشابه حياة حليم مع حياة أحمد زكي من حيث المعاناة المبكرة، و كذلك رحيلهما المبكر عن عالمنا بسبب المرض، فضلا عن التكوين الجسماني المصراوي المتقارب بينهما.

إلى جانب شهرته الفنية فقد أشتهر عبد الحليم بخفة دمه، و مقالبه التي كان يفعلها بأصدقائه،

إلى جانب كرمه و حبه لجمع الاصدقاء و العائلة حوله كونه نشأ يتيما في قرية الحلوات التي ولد فيها في العام ١٩٢٩.

و يرحل عن عالمنا في الثلاثين من آذار من العام ١٩٧٧ و في الذكرى الأولى ليوم الارض الذي تحييه فلسطين سنويا، ليبقى هذا العندليب خالدا صداحا يتحدث عن تاريخ ثورة و نضال أمة و ليرتبط ارتباطا وثيقا بقضية العرب الأساسية و المركزية القضية الفلسطينية.