تسريب منزل للمستوطنين في سلوان يعيد طرح خيارات المقدسيين الرادعة بوجه المتورطين

وهج نيوز : ضربة مؤلمة” هكذا يصف ناشطون مقدسيون الضربة التي تلقتها الجهود الشعبية المتزايدة لمقاومة الزحف الاستيطاني والسياسات الاحتلالية في مدينة القدس، وهي التي راكمت حراكا والتفافا جماهيريا خلال الشهرين المنصرمين. ضاعف هذه الضربة ليس خسارة المنزل العربي في “حي البستان” وسط مجموعة كبيرة من المنازل العربية، بل سيادة حالة من الاستغلال السياسي لهذا الملف الخطير على سكان القدس.

حدث الاستغلال السياسي عندما تم التركيز على أن صاحب المنزل المسرب وليد العطعوط (الهارب وعائلته) ينتمي لحزب التحرير، أو أنه كان شيخا ومدرسا لمادة التربية الدينية في مدارس القدس، حيث ربط بين هذا المسرب، الذي لا يمثل أهالي القدس، ومجموعات المتظاهرين احتجاجا على مقتل المعارض نزار بنات.

وهو ما دفع مقدسيين وناشطين تحدثت معهم “القدس العربي”، إلى التحذير من الاستمرار به، على اعتبار أن هذا الربط في غير مكانه، وهو أمر لا يخدم نضال الحفاظ على أراضي ومنازل المواطنين في عموم القدس المحتلة، فكل مسرب “خائن” مهما كانت الأسباب أو الخلفيات أو الانتماءات.

فما قصة هذا المنزل وصاحبه؟ وكيف يمكن للفلسطينيين في القدس إدارة هذا الملف المعقد والمركب، وتحديدا عندما يتم ربطه عائليا وسياسيا؟ وهل في يد لجان الحماية بالمدينة المستهدفة حيلة لمواجهة الجهود المنظمة من جمعيات المستوطنين؟

هروب مع ساعات الفجر

كاميرات المراقبة بجوار المنزل وثّقت المسرب لحظة هروب “وليد أحمد عطعوط” وعائلته (5 أفراد) من منزلهم في حي البستان (حوش الفاخوري)، فجر الخميس الماضي بعد أن سربه لجمعية “العاد” الاستيطانية. الكاميرات نقلت أصوات العصافير في صبيحة فجر ذاك اليوم المشؤوم على أهالي حي البستان، فيما كانت خطوات العائلة وهي تغادر المنزل منسلّة إلى جهة غير معلومة وهي خفيضة الرأس وتسير مهرولة على رؤوس أصابع أقدامها.

يوم الجمعة دخل إليه المستوطنون “فاتحين” مبتهجين بنصرهم، فهذا المنزل بالنسبة إليهم “مسمار جحا” للتمترس بالحي والتمدد في منازله لاحقا. حيث يعد هذا المنزل بمثابة البؤرة الاستيطانية الأولى في “حوش الفاخوري” بحي “وادي حلوة”.

وبحسب مصادر محلية فقد نشر ما يدعى أنه عقد تسريب العقار (المكون من طابقين بمساحة 160 متر مربع) الذي يوضح أن اتفاقية البيع أبرمت في 27 أيار/ مايو بين المالك وليد أحمد عطعوط من بلدة سلوان، وبين المشتري “محمود اغبارية”، على أن يغادر عطعوط المنزل في 30 حزيران، مقابل سعر 4 مليون ونصف شيقل (مليون دينار أردني/ مليون ونصف مليون دولار تقريبا).

سيطرة قوات الشرطة الإسرائيلية على المنزل بدت بمثابة عملية عسكرية محكمة، حيث العشرات من أفراد قوة خاصة مُقنّعة برفقة المستوطنين (20 مستوطنا) اقتحموا الحي، وأغلقوا مدخل “حوش الفاخوري” بشاحنة ومنعوا المواطنين من الاقتراب من المكان، ثم سيطروا على العقار، بعد دخوله من بابه الرئيسي.

وكانت أول الإجراءات تغيير أقفال الأبواب التي وضعها ناشطو الحي عندما سمعوا أخبار تسريب المنزل، ووضع نوافذ حديدية وشبك حماية على نوافذه، وأخرجوا محتويات الشقة إلى الفناء الخارجي، بالإضافة إلى تركيب كاميرات مراقبة في المكان.

وتظهر المعلومات الأولية بحسب الناشط المقدسي خالد الزير، أن وليد العطعوط قام ببيع منزله لمشترٍ من مناطق فلسطين 1948، وهي إحدى الطرق التقليدية في إتمام عمليات البيع للمستوطنين، فيما الأخير قام بتسليمه لمقاول فلسطيني من منطقة القدس بهدف إجراء ترميمات وتصليحات داخله (يوم الخميس الماضي).

صدمة كبيرة أصابت الناشط الزيز، فهذه البناية تقع جنوب المسجد الأقصى، وتعني بداية تغلغل المستوطنين في حي الفاخوري.

سلسة وسطاء يجب فضحهم

خالد الزير في حديث خاص لـ”القدس العربي” قال: “لتسريب أي منزل هناك سلسلة وسطاء يسهلون العملية، فهي عملية بيع لا تتم بين المستوطنين ومالك المنزل مباشرة، إنما هناك سماسرة ووسطاء يقومون بهذه العملية، ونحن علينا فضح كل هذه السلسة ولا يجب أن نتوقف عن ذلك”.

وكان الزير قد خرج بفيديو على صفحته على “فيسبوك” فضح فيه جانبا من عملية التوسط والمساعدة في بيع هذا المنزل حيث مسّ الأمر أفراد من قرية قريبة من مدينة القدس.

ويتابع: “صباح الخميس كان في المنزل شخص (ر. ق.) وكان يتولى مهمة ترميم وإصلاح المنزل، وبصفتنا من لجنة حماية الحي سألناه عن أسباب حضوره إلى المنزل؟ ومن أوكله بهذه المهمة؟ لكنه لم يفصح لنا عن شيء، وأغرقنا بكلمات “لا أعرف اسم من أوكلني بالمهمة”، وبالتالي تبين لنا أننا أمام وسيط أو مساعد ويجب فضحه”.

إعلان براءة ومقاطعة اجتماعية

جواد صيام، مدير مركز معلومات وادي الحلوة في سلوان، قال في حديث خاص لـ”القدس العربي”: “لقد بدأ الاستيطان في الحي عام 1986، نحن نحاول أن نجابه هذا الغول المنظم والمدعوم بالكامل من جمعيات استيطانية وحكومة الاحتلال، لكننا محاصرون في القدس، حيث لا يمكننا محاكمة أحد، فمن يقوم بالتسريب يهربون، وعندما نستفسر منهم قبل ذلك لا يخبروننا بحقيقة الأمور، حيث تبقى كل الأمور في مجال الشكوك إلى حين وقوع المصيبة بهرب مسرب المنزل أو مالكه، وسيطرة المستوطنين عليه”.

ويؤكد أن السلاح المقدسي الوحيد بالإضافة إلى توعية السكان هو “المقاطعة الاجتماعية”. ويرد على من يتحدث من خارج مدينة القدس عن قتل المسربين وتعليقهم على أعمدة الكهرباء، مشيرا إلى أن “سكان سلوان مقيدون في سلوكهم تجاه المسربين والسماسرة، حيث إن الشرطة الإسرائيلية تعتقل أي شخص يقوم بالمسّ بالسماسرة، حتى محافظ القدس الموظف من السلطة الفلسطينية اعتُقل أكثر من مرة على خلفية مقاومته للمسربين”.

ويتابع: “الأمور في القدس أصعب وأكثر تعقيدا مما يتصور البعض”.

ويؤكد صيام أنه باسم لجنة حماية الحي وبقية اللجان والعوائل/ العشائر “سنصدر بيانات نشجب وندين، ونعلن براءة كاملة من البائعين، وسنستمر في هذا النهج مواجهة لتثمين خسائر المسربين وزيادة وعي المواطنين”.

وعن الجدل الذي حدث بناء على تصريحات خالد الزير الذي يعتبر من أشد المقاتلين ضد تسريب المنازل والأراضي، فيقول صيام: “خالد ناشط ومقدسي يتحدث باسم كل أهالي بلدة سلوان.. من يزعجه كلام الزير عليه أن يفحص وطنيته، وعليه أن يدرك أنه بالتشكيك به سيكون داعما أو متسترا على المسربين ومن يساعدونهم”.

لا يجب حرف البوصلة

مراد أبو شافع، رئيس لجنة حماية حي البستان في بلدة سلوان يؤكد في تصريحات خاصة لـ”القدس العربي” أن أهالي القدس ليسوا جهات مخولة بمحاكمة الناس أو معاقبتهم. “في القدس لا يوجد دولة أو سلطة أو حتى أحزاب فاعلة، نحن نعمل على تحقيق الرادع النفسي، وهو أمر يمكن أن نستخدمه. وفي حال أوجدنا هذا الرادع فسيكون سببا يجعل من عمليات البيع أكثر صعوبة أمام المستوطنين”.

ويؤكد أبو شافع: “فتاوى تحريم البيع قديمة منذ عام 1930، أما من باع منزله مؤخرا فهو مدرّس دين وبالتالي عرف مسألة تحريم البيع، وشخص من هذا النوع يصعب أن تؤثر في قراراته”.

وينتقد أبو شافع السياسة التي تعطي الأمان لمن يبيع منزله في القدس، حيث يذهب لمناطق الضفة الغربية، فهي ملاذ آمن لهؤلاء، حيث تمنع اتفاقية أوسلو السلطة الفلسطينية من معاقبتهم.

وعن الاستغلال السياسي لهذا الملف وتحديدا في الضفة الغربية، يشير أبو شافع إلى أنه “من الخطأ الكبير الحديث عن كون هذا الخائن شيخا أو رجلا متدينا، هذا لا يهم، لا معنى له، يمكن أن يقوم بهذا الفعل الشائن أي شخص، وعلى المواقف أن تكون واضحة للجميع”.

ويضيف: “أحاديث من هذا النوع تحرف البوصلة تماما وتجعل صراعنا مع بعضنا البعضـ في حين أن صراعنا مع المستوطنين والمحتلين، والاستمرار بهذا العمل هو بمثابة خطأ بحق أنفسنا وقضيتنا”.

ويشدد أبو شافع: “لا نريد أن تكون هناك أعذار أو مبررات لأي عملية بيع أو أن نسرد تفاصيل تجعل من العملية طريقة لإدانة طرف فلسطيني على أخر، من يقوم بالبيع خائن، ومن يفعل ذلك شخص مدان من جميع السكان، فهو شخص يفضح نفسه بنفسه”.

ويؤكد رئيس لجنة حماية حي سلوان أن خالد الزير يمثل حرفيا كل أهالي سلوان، وهو يتحدث بلسان كل حر وشريف وممثلا لكل مؤسسات سلوان وباسم لجنة الدفاع عن أراضيها، “ليت كل الشعب خالد الزير”. مع التأكيد أن كل خائن أو مسرب لا يمثل إلا نفسه، فهو لا يمثل عائلته أو بلدته. فمن باع مثلا في سلوان لا يمثل 70 ألف مقدسي في البلدة”.

يختم قائلا: “في سلوان هناك طرف يرفض وجودنا تماما، ولديه مخططات، إنه لا يكرهنا فقط، بل يخطط وينفذ بالتدريج، ولديه خطط سلوان عام 2030 و2050 بهدف جعلنا أقلية، وما علينا فعله هو مواجه ذلك”.

البحث عما هو أبعد في عملية الردع

الناشط المقدسي أسامة برهم، اعتبر أن طريقة تعامل البعض مع قضية التسريب مخيبة للآمال، “هناك استثمار لهذه القضية من أجل الطعن بحزب التحرير على خلفية موقفه من السلطة، مؤكدا أن المسرب ليس قياديا بارزا ولا سياسيا وهو لم يكن معروفا إلا لقلة من الناس.

وتابع: “تحولت قضية المسرب إلى حالة من الصيد في المياه العكرة، لقد باع العطعوط بيته وهرب إلى الخارج، لكن هناك من باع بيته وبقي بيننا يتبجح وينكر ذلك”، وطالب بضرورة أن تستثمر الجهود بالبحث عن سبل لتعزيز الصمود وحماية البيوت بالقدس، “هذا أولى من الردح العقيم الذي يزعج مسامعنا”.

بدوره اعتبر المحلل والكاتب السياسي المقدسي راسم عبيدات أن النبذ الاجتماعي لم يعد كافيا كوسيلة عقابية لمن يقوم ببيع أرضه أو منزله. فالفتاوى الدينية والمقاطعة الاجتماعية على أهميتها لم تعد إجراءات رادعة بحق البائعين.

وطلب عبيدات من خيمة الاعتصام في بلدة سلوان، بضرورة أن يكون هناك ما هو أبعد من ذلك، “علينا البحث عن إجراءات رادعة في ظل أن الإجراءات المتبعة لم تعد كافية لمنع عمليات تسريب المنازل للمستوطنين”.

وأضاف: “من يقومون بالبيع مستمرون، ولديهم شعور بأن المسألة أصبحت عملية بيع طبيعية، والحقيقة تقول إن البيع جريمة بحق القدس والمقدسيين”.

من الجدير ذكره أنه يوجد داخل الحي أكثر من 50 بؤرة استيطانية، كما أن جمعيات الاستيطان تقوم بتنفيذ عدة مشاريع في الحي منها “محطات الهواء”، وإنشاء محطات سياحية، ومركز للزوار، بالإضافة إلى حفر شبكة أنفاق أسفل الحي تؤدي إلى أسوار المسجد الأقصى، وكل ذلك يشكل خطرا على هوية الحي والمدينة المقدسة.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا