معهد أمريكي: كيف يمكن للتنافس المتنامي بين الإمارات والسعودية أن يؤتي ثماره للولايات المتحدة؟
وهج نيوز : سلط معهد “ريسبونسبل ستيت كرافت” الأمريكي، الضوء في تقرير نشره، الخميس، على التطورات الأخيرة في العلاقة بين الحليفتين المملكة العربية السعودية والإمارات، وأثر ذلك على الولايات المتحدة.
وقالت الباحثة في المعهد أنيل شلين، في تقرير ترجمته “القدس العربي”، إن تصدعات متعددة حدثت مؤخرا في العلاقة السعودية- الإماراتية إذ تقاوم الإمارات جهود المملكة وروسيا لإقناع أعضاء أوبك+ بمواصلة تقييد إنتاج النفط. وفي الوقت نفسه، لن تعتبر السعودية بعد الآن أن السلع المنتجة في المناطق الحرة “محلية الصنع”، وهو القرار الذي سيخضع العديد من المنتجات الإماراتية للتعريفات الجمركية.
وتضيف شلين أن هذا ليس كل شيء، إذ أوقفت السعودية الرحلات الجوية إلى الإمارات، مشيرة إلى مخاوف بشأن متحور دلتا، وهو تصرف ردت عليه الإمارات. وفي أبريل/ نيسان، أعلنت السعودية أنه بحلول عام 2024، ستتوقف عن التعامل مع أي شركة لا يوجد مقرها الإقليمي في المملكة، وهي سياسة من المرجح أن تجبر العديد من الشركات متعددة الجنسيات على الانتقال من الإمارات إلى السعودية. كما كشفت السعودية مؤخرا عن استثمار بقيمة 133 مليار دولار لتصبح مركزا إقليميا للنقل والخدمات اللوجستية، في محاولة لاستبدال دبي وأبوظبي. كما يعتزم السعوديون إطلاق شركة طيران جديدة تتنافس مع شركات طيران خليجية أخرى مثل الاتحاد وطيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية للعملاء الدوليين.
وتلفت الباحثة إلى أن هذه التحركات مجتمعة تشير إلى التوترات المتزايدة بين البلدين، ولا سيما بين وليي عهدهما السعودي محمد بن سلمان والإماراتي محمد بن زايد.
وتقول إنه في ظل الإدارة الأمريكية السابقة (إدارة دونالد ترامب) كان هذين الاثنين يرتبطان بشراكة وثيقة مع بعضهما البعض ومع فريق ترامب بشأن قضايا مختلفة منها حصار قطر في عام 2017 وصولا إلى اتفاقات التطبيع 2020. ووُصِف بن زايد بأنه “مرشد بن سلمان”، على الرغم من التناقض بين الثقافة الملكية الإماراتية الذكية لصورة الإمارات والقرارات السياسية المتهورة في كثير من الأحيان التي قوضت رغبته (بن سلمان) في إعادة تشكيل مملكته. ومع ذلك، على الرغم من التقارب المبكر بينهما، فإن التنافس بين البلدين غير مفاجئ إذ يرى محمد بن سلمان المملكة العربية السعودية على أنها القوة المهيمنة المشروعة في المنطقة، ويتحرك للاستيلاء على موقع المحور الاقتصادي والسياحي الذي كانت دولة الإمارات تشغله.
في ظل إدارة دونالد ترامب ارتبط وليا عهد السعودية والإمارات بشراكة وثيقة مع بعضهما البعض ومع فريق ترامب بشأن قضايا مختلفة منها حصار قطر في عام 2017 وصولا إلى اتفاقات التطبيع 2020
في ظل إدارة ترامب، نسق السعوديون والإماراتيون لإجبار الولايات المتحدة على مشاركة أكبر في المنطقة، كرد فعل على جهود الرئيس الأسبق باراك أوباما للتفاوض بشأن اتفاق نووي مع إيران والتحول إلى آسيا. امتثل ترامب وفريقه لذلك، وتخلى عن اتفاق أوباما النووي وتبنى موقفا بممارسة أقصى قدر من الضغط دفع الولايات المتحدة إلى حافة الحرب مع إيران. بينما تتطلع إدارة الرئيس الحالي جو بايدن إلى العودة إلى الاتفاق النووي، ويبدو أنها ملتزمة بتحويل تركيز الولايات المتحدة أخيرا بعيدا عن الشرق الأوسط وأفغانستان.
وترى الباحثة أن السباق السعودي الإماراتي على المكافآت الاقتصادية قد يبشر بالخير لهدف بايدن المتمثل في الحد من التدخل الأمريكي في المنطقة. فإذا ركزت السعودية والإمارات بشكل أساسي على التنافس مع بعضهما البعض، فسيفضل كلاهما تعزيز الاستقرار الإقليمي من أجل تشجيع الاستثمار، مما قد يؤدي إلى كبح الدوافع للتصرف بقوة تجاه بعضهما البعض أو تجاه جيرانهما.
السباق السعودي الإماراتي على المكافآت الاقتصادية قد يبشر بالخير لهدف بايدن المتمثل في الحد من التدخل الأمريكي في المنطقة
تحتاج السعودية على وجه الخصوص إلى توجيه رأس المال نحو رؤية بن سلمان 2030، والتي وعد من خلالها بتنويع الاقتصاد، وخلق فرص عمل أكبر، وتوفير الرخاء العام للسعوديين. ومع ذلك، في الوقت الحالي، لا تزال المملكة متورطة في اليمن، وهو صراع يهدد بالمطالبة بموارد أكبر حيث يتضح بشكل متزايد عدم قدرة السعوديين على تحييد الحوثيين.
وتقول الكاتبة شلين “نأمل أن يكون محمد بن سلمان قد تعلم أن الحروب غالبا ما تكون أكثر تكلفة وأطول أمدا مما كان متوقعا، وبالتالي قد يظهر قدرا أكبر من ضبط النفس في المستقبل. وفي الوقت نفسه، فإن بن زايد ماكر للغاية في محاولة كسب حرب شد وجذب مع اقتصاد السعودية الأكبر – 700 مليار دولار مقابل 421 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي – لذلك سيحتاج إلى البحث عن مصادر بديلة للإيرادات”.
لكن بشكل عام، يواجه محمد بن سلمان المهمة الأكثر صعوبة، تقول الباحثة، فوفقا لمسح “سهولة ممارسة الأعمال” الذي أجراه البنك الدولي بشأن اللوائح التنظيمية في 190 دولة، تحتل الإمارات المرتبة 16، بينما تحتل السعودية المرتبة 62. وتشير إلى أنه يجب أن يتحول الاقتصاد السعودي بالكامل لجذب مستوى الاستثمار اللازم لتوظيف الشباب.
وتوضح شلين في هذا السياق مشيرة إلى أن عدد المواطنين السعوديين يزيد عن 20 مليونا بينما يبلغ عدد المواطنين الإماراتيين حوالي مليون نسمة (يوجد في كلا البلدين عدد كبير من العمالة الوافدة، مما يجعل إجمالي عدد السكان أعلى من عدد المواطنين). ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في السعودية حوالي 20 ألف دولار، مقارنة بـ 43 ألف دولار في الإمارات. مع وجود عدد أكبر من السكان ورأس مال أقل للفرد، لا يستطيع بن سلمان شراء هدوء مواطنيه. كما أن اتفاقيات التطبيع أظهرت أن المخاوف من المعارضة العامة لا تقيد بن زايد، في حين قررت السعودية في النهاية عدم المخاطرة برد الفعل العنيف الذي سيتبع التطبيع مع إسرائيل.
ربما شعرت الإمارات بخيبة أمل بسبب إحجام السعوديين عن اتباع نهجهم في اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، خاصة وأن جاريد كوشنر كان يعتقد على ما يبدو أنه قادر على السعوديين. يدين محمد بن سلمان بعلاقته الوثيقة بفريق ترامب، وتحديدا كوشنر، لتقديم بن زايد. ومع ذلك، في نهاية المطاف، مع وجود رئيس جديد في البيت الأبيض، قد يجد بن زايد أنه من المفيد أكثر أن يكون القوة الخليجية الوحيدة التي تطبيع العلاقات مع إسرائيل، نظرا إلى التعزيز في أعين الولايات المتحدة، فضلاً عن الوصول إلى التقنيات العسكرية المتقدمة.
مع وجود رئيس جديد في البيت الأبيض، قد يجد بن زايد أنه من المفيد أكثر أن يكون القوة الخليجية الوحيدة التي تطبيع العلاقات مع إسرائيل
على المدى القصير، يمكن للتنافس بين الإمارات والسعودية أن يساعد في إبقاء تركيز بن زايد وبن سلمان على المخاوف الاقتصادية. ومع ذلك، راهن بن سلمان بشرعيته على الوفاء بوعوده للجيل الشاب من السعوديين المتعلمين في الخارج، وهو انتقال سيتطلب منه إعطاء الأولوية للتنويع الاقتصادي بعيدا عن النفط. لذلك، بالنسبة لبن سلمان، من المرجح أن تبدو المنافسة مع الإمارات ذات أهمية متزايدة ، حيث تسعى المملكة العربية السعودية إلى استبدال دور الإمارات كعاصمة المنطقة للعالمية والسحر والفرص. على المدى المتوسط، إذا فشل بن سلمان في الوفاء، فقد تزداد حالة عدم الاستقرار في المملكة.
وترى شلين أنه على المدى القصير والمتوسط والطويل، تُخدم المصالح العالمية بشكل سيئ من قبل كل من الإمارات والسعودية اللتين تواصلان ربط ثرواتهما بحرق الوقود الأحفوري، على الرغم من أنه يبدو إلى حد ما أن أبوظبي تعترف بتغير الواقع.
وتختم الكاتبة بالقول إنه على الرغم من الانتهاكات الجسيمة والمستمرة لحقوق الإنسان في كلا البلدين، يجب على إدارة بايدن تشجيع جهود كل دولة للتحول بعيدا عن النفط.
المصدر : القدس العربي