الردح في الحوار الفلسطيني وغياب العقل والفيس بوك ساحة الفضيحة العلنية في لغة المواجهة
بقلم: د. تيسير فتوح حجه …..
الأمين العام لحركة عداله.
لم يعد الحوار الفلسطيني، في كثير من تجلياته الراهنة، مساحة لتبادل الرأي أو البحث عن حلول وطنية، بل انحدر إلى مستوى الردح، والتشهير، وتصفية الحسابات الشخصية والفصائلية، في مشهد يعكس أزمة عميقة في الوعي السياسي والأخلاقي معًا. غاب العقل، وحضر الانفعال، وتحوّل الخلاف من كونه ظاهرة صحية في أي مجتمع حي، إلى حالة مرضية تُدار بالصوت العالي والاتهامات الرخيصة.
لقد باتت منصات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها فيسبوك، ساحة مفتوحة للفضيحة العلنية، لا ساحة نقاش عام مسؤول. تُنشر الاتهامات دون دليل، وتُقذف الشتائم بلا حسيب، ويُغتال الإنسان معنويًا أمام الملأ، تحت شعارات زائفة من قبيل “قول الحقيقة” أو “فضح الفاسدين”، بينما الحقيقة تُغتال، والفساد الحقيقي ينجو.
إن أخطر ما في هذا المشهد، ليس فقط الانحطاط اللغوي والأخلاقي، بل تطبيع هذا السلوك وكأنه شجاعة، أو موقف وطني. الردح لا يصنع وعيًا، ولا يبني وطنًا، ولا يحاسب فاسدًا. بل يدمّر ما تبقى من ثقة اجتماعية، ويعمّق الانقسام، ويحوّل القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني إلى مادة للسخرية والتشفي.
لغة المواجهة التي نحتاجها اليوم ليست لغة الشتيمة، بل لغة العقل والقانون. مواجهة الفساد لا تكون بالسبّ، بل بالمعلومة الموثقة، وبالمساءلة القانونية، وبمؤسسات مستقلة. أما تحويل الفضاء العام إلى حلبة مصارعة لفظية، فهو خدمة مجانية لأعداء هذا الشعب، وتشويه متعمد لصورة نضاله العادل.
من هنا، تؤكد حركة عداله أن إصلاح الخطاب العام هو جزء لا يتجزأ من مشروع الإصلاح السياسي. لا عدالة دون أخلاق، ولا ديمقراطية دون احترام الرأي الآخر، ولا حرية تعبير دون مسؤولية. نحن نرفض الردح كأداة سياسية، ونعتبره شكلًا من أشكال الإفلاس الفكري، ونطالب بإعادة الاعتبار للحوار الوطني القائم على العقل، والاختلاف المحترم، والاحتكام للقانون.
إن فلسطين التي قدمت الشهداء والأسرى لا تستحق هذا الانحدار في الخطاب. وتاريخ نضالنا أكبر من منشور غاضب، أو تعليق مسموم، أو بث مباشر لتصفية الحسابات. آن الأوان أن نغادر لغة الفضيحة، ونعود إلى لغة الفكرة، والمشروع، والعدالة.
فالحرية لا يحرسها الردح،
والوطن لا يُبنى بالصراخ،
بل بالعقل… وبالعدل.
الكاتب من فلسطين