الهويةُ الإيمانيةُ من فجرِ الرسالةِ إلى مشروعِ التحررِ الثوريِّ المعاصر

عدنان عبدالله الجنيد  …..

﴿الإيمانُ يمانٍ، والحِكمةُ يمانية﴾

مقدمة :
الهوية بوصفها جبهة صراع
في زمن الحروب المركّبة، لم تعد المعركة تُدار بالسلاح وحده، بل بالوعي، والهوية، ومنظومات الانتماء. لقد باتت الهوية اليوم ميدانًا مركزيًا للصراع، وأداةَ سيطرة أو تحرر، وفق الجهة التي تُمسك بمفاتيحها.
ومن هنا، تبرز الهوية الإيمانية لا بوصفها حالة وجدانية أو انتماءً تراثيًا جامدًا، بل باعتبارها بنية وعي، وموقف صدام، ومشروع تحرر وسيادة.
فالهوية الإيمانية ليست توصيفًا عاطفيًا، بل منظومة وعي وموقف وحركة، تتأسس على:
الإيمان بالله مرجعيةً سيادية عليا لا تُزاحمها طواغيت الأرض.
الارتباط العملي بالرسول ﷺ نهجًا وموقفًا، لا شعارات ومناسبات.
الولاية امتدادًا للعدل الإلهي في مواجهة الاستكبار.
ترجمة الإيمان إلى سلوك تحرري، وموقف مقاوم، ومشروع نهضوي.
وعليه، فالهوية الإيمانية هوية صدام حضاري مع الباطل، لا حالة تصالح أو حياد معه.
وقد لخّص قائدُ الثورة – يحفظه الله – هذا المعنى حين وصف الهوية الإيمانية بأنها:
منظومةٌ من المبادئ والقيم والأخلاق، تجذّرت في الشعب اليمني، الذي يأبى أن يُستعبد، أو يُذل، أو تُصادر حريته واستقلاله وكرامته، وهي جسر العبور إلى مستقبل أفضل، والسلاح الأمضى في عالمٍ تغيّرت فيه أدوات الاستعمار.

أولًا: أحفادُ الأنصار… من نصرةِ الوحي إلى قيادةِ معركةِ التحرر:
لم يكن اليمن يومًا في هامش الرسالة، ولا في ذيل التاريخ. فمنذ اللحظة الأولى، تحوّل من أرض انتظار إلى جبهة نصرة.
وإذا كان الأوس والخزرج قد احتضنوا الوحي في المدينة، فإن أحفادهم اليوم يحتضنون قضايا الأمة المصيرية، وفي مقدمتها فلسطين وغزة.
إن الربط بين نصرة الأنصار للرسول ﷺ، وبين الموقف اليمني المعاصر، ليس ربطًا رمزيًا، بل امتدادٌ لعقدٍ إيمانيٍّ تاريخيٍّ متجدد.
اليمن لم يكن يومًا متفرجًا على الصراع، بل حاضرًا في قلب معادلة النصرة، وهذا الدور يُعاد اليوم بوعيٍ أعلى، وتكلفةٍ أكبر، ومسؤوليةٍ أشد.
والهدف هنا تفكيك مقولة «الدور الطارئ»، وإثبات أن الحضور اليمني في معركة الأمة وظيفة تاريخية أصيلة، لا طارئة ولا ظرفية.

ثانيًا: بعثةُ الإمامِ عليٍّ إلى اليمن… حين تختارُ الرسالةُ الرجالَ والأرض:

لم يكن اختيار النبي ﷺ للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ليحمل رسالة الإسلام إلى اليمن اختيارًا عابرًا.
لماذا الإمام علي؟
لأنه رمز العدل، والولاية، والشجاعة، والقيادة الرسالية.
ولماذا اليمن؟
لأنه أرض قابلة لاحتضان مشروع قائم على الحق، لا على القهر.
دخل اليمن الإسلام في جمعة رجب من العام التاسع للهجرة، لا بالسيف، بل بالبصيرة، وعلى يد رجلٍ يُجسّد جوهر الرسالة.
ومن صنعاء، حيث بُني الجامع الكبير، انطلقت أول حلقة وعي قرآني، تحوّلت لاحقًا إلى مخزون حضاري مقاوم.
وهنا يتجلى الربط العميق بين شخصية الإمام علي الرسالية، وبين القيادة الإيمانية المعاصرة، في قابلية اليمنيين الدائمة لاحتضان مشروع العدل والكرامة، لا مشاريع التبعية والارتهان.

ثالثًا: الإيمانُ اليماني ونَفَسُ الرحمن… من الوسام النبوي إلى التكليف التاريخي:
إن توصيف النبي ﷺ لأهل اليمن بقوله:
«الإيمان يمان، والحكمة يمانية»
«إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن»
ليس مدحًا وجدانيًا، بل تشخيصًا لدور تاريخي، وتكليفًا حضاريًا. فالإيمان حين يتحوّل إلى وعي، يصير مقاومة، وحين يُحاصر، يتكثّف ولا ينكسر، وحين يُستهدف، يتحوّل إلى صمود أسطوري.
وهذا ما عجز أعداء اليمن عن فهمه؛ إذ واجهوا هوية لا تُخترق، ولا تُشترى، ولا تُكسر.

رابعًا: جمعةُ رجب… لحظةُ التأسيس الكبرى للشخصية اليمنية الحرة:
ليست جمعة رجب ذكرى طقوسية، بل لحظة انتقال وجودي:
من الخضوع للأصنام إلى الخضوع لله،
ومن العبودية الاجتماعية إلى الحرية الإيمانية.
فاليمني الذي سجد لله طوعًا، لا يركع لطاغية. ومن هذه الروح خرج حملةُ الرايات وأبطالُ الفتوحات، أمثال عمار بن ياسر، ومالك الأشتر، وغيرهم من رموز الحضور اليمني في معارك الإسلام الكبرى.
ومن هنا، تُستعاد جمعة رجب بوصفها عيدًا للهوية الإيمانية والسيادة الوطنية، لا ذكرى منزوعة المعنى.
خامسًا: من حلقة الإمام علي إلى قيادة المشروع الثوري المعاصر:
من حلقة الإمام علي في صنعاء، إلى اصطفاف اليمنيين اليوم خلف قيادة قرآنية واعية، يتكرّر المشهد ذاته:
شعب + قيادة + مشروع = تحرر.
لقد أعاد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي – سلام الله عليه – بعث الهوية الإيمانية، ونقلها من الذاكرة إلى الميدان، ومن الشعور إلى المشروع، ورسّخ أن مواجهة الاستكبار فريضة لا خيارًا.
وهكذا تحوّل الإيمان إلى مشروع تحرري نهضوي، يُعيد تعريف العدو والصديق، ويؤسس لوعي جمعي مقاوم.

سادسًا: اليمن وفلسطين… وحدة الهوية والمصير:
بانبعاث الهوية الإيمانية، لم يعد اليمن متضامنًا فحسب، بل شريكًا فعليًا في معركة فلسطين.
وهنا تتجلّى أممية المشروع الإيماني بوصفه نصرة للمستضعفين في العالم، لا قضية محلية أو إقليمية.
الخاتمة : حين تبلغ الهويةُ الإيمانيةُ ذروتَها:
واليوم، في عهد قائدِ الثورة، ناصرِ الطوفان، قائدِ الأنصار، وقاهرِ الاستكبار، بلغت الهويةُ الإيمانيةُ ذروتها التاريخية، لا بوصفها شعارًا مرفوعًا، بل بوصلةَ فعل، يقودها علم هدي إلهي، قضيته نصرةُ المستضعفين والمحرومين في العالم، ورسالتُه الواضحة: لستم وحدكم.
إنها هويةٌ تحوّلت إلى موقفٍ أمميٍّ صريح في مواجهة دول قوى الاستكبار العالمي، وإلى مشروعٍ عمليٍّ يكسر معادلات الهيمنة، ويعيد تعريف القوة بمعايير الإيمان لا بمعايير الطغاة.

وإنَّ أعظمَ قُربانٍ نتقرّبُ به إلى الله، قيادةً وشعبًا ومجاهدين، هو خدمةُ هذه الأمة، والاصطفافُ الواعي في معركة كسر المشروع الصهيوأمريكي، بوصفه الخطرَ الوجوديَّ الأكبر على حاضر الأمة ومستقبلها.
وهذا ما عبّر عنه قائدُ الثورة – يحفظه الله – بقوله:«حمدتُ الله؛ لأني أنتمي إلى هذا الشعب العزيز، الذي هو في إيمانه، في مواقفه، في ثباته، في وفائه، يرفع الرأس، ويُبيِّض الوجه، ويقف المواقفَ المشرِّفة».
فهنيئًا وطوبى لهذا الشرف العظيم… قيادةً وشعبًا، وهويةً لا تُهزم، ومشروعًا لا ينكسر.

الكاتب من اليمن

قد يعجبك ايضا