تونس الخضراء بين خيارين الفرصة الأخيرة أو الإنهيار…

أحمد إبراهيم أحمد ابو السباع القيسي…….

 

حينما تسلم الرئيس قيس سعيد سدة الحكم في تونس عين عدة حكومات وكان من خلال مجلس النواب بقيادة الغنوشي يتم إسقاطها ثم كلف قيس سعيد المشيشي لتشكيل الحكومة وهو يعلم بأنه مقرب من حركة النهضة حتى يطمئن الغنوشي وحركته على بقائهم ولعلهم يكونون سندا له لمحاربة الفساد والفاسدين لكن للأسف الشديد أن الغنوشي والمشيشي تم الإتفاق بينهم وبدل مساندة سعيد إتفقا على محاربته دون سبب ووضعوا أيديهم بأيدي الفاسدين ومن نهب أموال الشعب التونسي وفي عدة خطابات له كان يوجه لهم إشارات بالعودة للطريق المستقيم للوصول معا بتونس إلى بر الأمن والآمان والرفاهية والديمقراطية الحقيقية دون أن يجد آذان صاغية له ولإشاراته وإرشاداته….

وقبل أن يتخذ الرئيس قيس سعيد قراراته الإستثنائية قام الشعب التونسي ومعظم الأحزاب بمظاهرات والإتحاد التونسي للشغل وفي كل مدن تونس ضد الحكومة وضد حركة النهضة وسيطرت الغنوشي على القرار الحكومي، لذلك قام الرئيس قيس سعيد مباشرة بإتخاذ إجراءاته في 25 جوليا وأقال الحكومة وجمد عمل مجلس النواب لمدة شهر فخرج الشعب التونسي مؤيدا لتلك القرارات ومؤيدا لها مع بعض الأحزاب التي كانت تعارض حركة النهضة والغنوشي، ثم بدأ الرئيس سعيد بفتح ملفات الفساد التي بحوزته وهي كثيرة ضد شخصيات حكومية سابقة وحالية وضد برلمانيين من بعض الأحزاب المختلفة…وغيرهم ممن وصل لمناصب عليا من الفاسدين على ظهر الشعب التونسي وبعد ذلك طالب الرئيس سعيد هؤلاء الفاسدين بإعادة الأموال المنهوبة وتقدر 134 مليار دولار تم نهبها من أموال الشعب التونسي منذ إسقاط حكم بن علي حتى حكم القائد السبسي لغاية حكم سعيد والرجل لديه إثباتات وملفات كبرى وحتى الأسماء معروفة لديه ولكنه لم يذكرها أمام العامة ولم يسلمها للقضاء وبقيت معه ويبدوا أنه لم يعد يثق بأحد نهائيا وطالب الفاسدين بإعادة تلك الأموال ولن يتم تحويل قضيتهم إلى المحاكم والسجون وبالحوار….

بعد تلك المطالبة بإعادة الأموال المنهوبة بدأت الوفود الغربية السياسية ومنظمات حقوق الإنسان بالتوافد على تونس ومقابلة الرئيس سعيد وكان يطمأنهم بأنه سيعيد تونس إلى ديمقراطيتها الحقيقية بعد إنتهائه من بعض الملفات وسيعود العمل بالبرلمان ويتم تشكيل حكومة ولم يرضخ لوعودهم أو تهديداتهم، ويبدوا أن تلك المطالبة أصابت تبع ذلك الغرب في تونس وأوجعتهم، وبعد تلك المطالبة للمال المنهوب بدأت تتحرك بعض الشخصيات السياسية والأحزاب وتقوم بعمل لقاءات وتجمعات ومظاهرات تطالب سعيد بوضع خارطة طريق والعودة للعمل بالدستور الذي أوقف العمل به، وبدأت الإتهامات لسعيد بأنه سيطر على كل السلطات التشريعية وبأنه إنقلب على الدستور والديمقراطية، وبدأت بعض الصحف الغربية تطالب بايدن وماكرون بإقالة الرئيس سعيد لتعود ديمقراطية الشعب التونسي…

حتى أن بعض الأحزاب التونسية قامت بعمل شراكة فيما بينها لمعارضة سعيد والإتحاد العام للشغل أيضا بدأ بتوجيه الإتهامات إلى الرئيس سعيد وكل هؤلاء وأنصارهم كانوا يهتفون ويصفقون للقرارات التي إتخذها سعيد بل وكانوا يطالبونه بالمزيد منها نكاية بحركة النهضة والغنوشي والذي يعلم سعيد علم اليقين بأنه لم ينهب من أموال الشعب التونسي وإنما أراد السيطرة على القرار التونسي بكل ما تعنيه الكلمة كما جرى في دول عربية وإسلامية أخرى، وأن من نهب أموال الشعب التونسي هي بعض الشخصيات من حركة النهضة وبعض الشخصيات من أحزاب لهم كتل برلمانية وكانوا متواجدين في البرلمان وينادون الرئيس سعيد بمحاربة الفساد والفاسدين…

والرئيس سعيد إتخذ كل تلك القرارات بدعم كامل من الجيش التونسي ومن الشعب التونسي أيضا ولكن بعض الأحزاب والشخصيات التونسية التي تعرف أنفسها جيدا وتعلم بأنها نهبت أموال الشعب التونسي تستغل بعضا من الشعب التونسي للخروج بالشارع ضد الشارع الآخر والأكثر المؤيد لقرارات الرئيس سعيد وهذه لعبة خطيرة جدا لو توسع مداها ستؤدي إلى حرب أهلية لا سمح الله ولا قدر وتوصل تونس للإنهيار، وهؤلاء الفاسدين في كل دولة عربية وهم قلة حينما يعلمون أنه تم كشف فسادهم وسرقاتهم وبأدلة وبراهين مثبته يلجأون لقلة من الشعوب ليتم خلط الأوراق من جديد ويتم قلب الطاولة على رأس من كشفها ولو كان الرئيس أو الملك أو الأمير أو الوالي ويبدأ كل طرف من هؤلاء الفاسدين بالإستغاثة بالدول الغربية أسيادهم بحجج كاذبة وإدعاءات مفبركة كالإنقلاب على الديمقراطية والدستور وحكم الفرد وحقوق الإنسان..وغيرها من الآكاذيب التي قد تصل لأسلحة الدمار الشامل فيستجيب لهم أسيادهم الغربيين وتبدأ خطاباتهم وتهديداتهم لمن كشف فساد أتباعهم ويعمل على محاكمتهم أمام الله والشعب كما سيفعل الرئيس سعيد….

أما حركة النهضة وغيرها من بعض الأحزاب الإسلامية فهم أصحاب عقول مغلقة غير قابلة للحوار أو النقاش أو الإعتراف بالأخطاء التي إرتكبوها بحق الشعوب العربية والشعب التونسي وهي أحزاب تحب السيطرة على قرارات الدولة والسلطات كافة والشعوب ومن منهم يكون زعيم الحركة أو الحزب وجالس على كرسيهما فلن يتركها حتى الممات للأسف الشديد ولا يفتح الباب لمشاركة الشباب، لذلك رفضتهم الشعوب العربية ورفضت فكرهم في كل دولة ورفضهم الشعب التونسي وبدأت الإنقسامات والإنشقاقات بينهم وحينما يقال بأن أكثر من 130 عضو ينسحبون من حركة النهضة فهو عدد غير بسيط وقد يقوم هؤلاء في الأشهر والسنوات القادمة بتأسيس حزب آخر بالشراكة مع بعض الأحزاب أو المستقلين وهذا ما جرى لإخوان حركة النهضة في معظم الدول العربية والإسلامية الأخرى…

لذلك يجب أن يتم إنهاء هذه الأزمة في تونس قبل أن يصل الفاسدين إلى مبتغاهم كي لا يكشف فسادهم ونهبهم لأموال الشعب التونسي وقبل أن يبدأ الخارج الغربي بدعم أتباعه في الداخل وحينها لن تنتهي الأمور على خير لأن الغرب وأمريكا بالذات إذا تدخلت آياديها الخفية والعلنية في أي أزمة عربية أو إسلامية فإنها تزيد الطين بلة وتعكر صفو حياة الشعوب وتنتشر الفتن والتفرقة والحرب الأهلية حتى يتم تنصيب عملاء جدد لهم من تبعهم وهذا ما جرى في دولنا العربية والإسلامية…

لذلك يجب على شرفاء الأحزاب التونسية الحرة والإتحاد التونسي للشغل والمستقلين يجب عليهم أن يمنحوا الرئيس قيس سعيد فرصة أخيرة ليرى شرفاء الشعب التونسي ما القرارات التي ستتخذ في الأيام والأسابيع والأشهر القادمة وقد تكون لصالح تونس وشعبها وأحزابها ومستقليها وقرارها المستقل وسيادتها وحريتها الحقيقية الخالصة من كل الفاسدين والتبع والتدخل الخارجي والنابعة من ضمير الأحرار والشرفاء، وكما يعلم الجميع الرئيس قيس سعيد هو غير محبوب أو مقبول غربيا وأمريكا بالذات وإسرائيليا أيضا لأن مواقفه اتجاه قضية فلسطين معروفة في الماضي أي قبل أن يرشح نفسه للرئاسة التونسية وبعد فوزه أعلن في خطاب القسم أن قضية فلسطين كل فلسطين هي قضيته الأولى وقضية الشعب التونسي بأكمله….

ونرجوا من الرئيس قيس سعيد بعد أن كلف السيدة نجلاء بودن بتشكيل الحكومة التوفيق بإدارة المرحلة القادمة ويجب أن تكون الحكومة شاملة لكل الكفاءات من شرفاء الأحزاب والمستقلين وأن يتم تسليم قضايا الفساد والفاسدين والأموال المنهوبة للقضاة الموثوق بهم وأن يتم تحديد موعد للإنتخابات البرلمانية وأن يعود العمل بالدستور وإن تم تعديل الدستور من قبل الرئيس سعيد وبعض القانونيين الموثوق بهم فيجب أن يتم طرح بنوده للأحزاب المؤيدة والمعارضة وإن لم يتم التوافق عليه يجب عمل إستفتاء شعبي مباشر حتى تنتهي هذه الأزمة بشكل كامل وبالتوافق بين الجميع وتعود تونس الخضراء كما كانت بل أفضل مما كانت عليه في السنوات السابقة، والخيار حاليا للتونسيين بكل توجهاتهم وميولهم وأحزابهم وحركاتهم وتخصصاتهم فإما الفرصة الأخيرة ومساندة سعيد للوصول لبر الأمن والآمان وإما أن يتم فتح المجال للفاسدين للوصول لمخططاتهم لخلط الأوراق وإنهيار البلد للتغطية على فسادهم ونهبهم لأموال الشعب التونسي فهل يجد الرئيس قيس سعيد آذان صاغية للإستجابة والدعم والسند ومنحه تلك الفرصة…..؟!!!

الكاتب والباحث السياسي…
أحمد إبراهيم أحمد ابو السباع القيسي…

قد يعجبك ايضا