باحث يكشف: السادات رد على سؤال حول سبب عدم التوغل في سيناء قائلا “لدى إسرائيل سلاح نووي”
وهج نيوز : عشية الذكرة السنوية لحرب تشرين 1973 التي تصادف غدا الأربعاء يكشف باحث إسرائيلي أن نائب رئيس حكومة إسرائيل يغئال يادين سأل الرئيس المصري الراحل أنور السادات خلال ركوبهما سيارة في الطريق للقدس بعد استقباله في المطار الدولي في تل أبيب لماذا لم يتقدم الجيش المصري نحو شمال عمق سيناء فقال متسائلا: “ألم تسمع أن إسرائيل تمتلك سلاحا نوويا؟”.
وتنقل “هآرتس” عن الباحث الإسرائيلي دان ساغير أن حرب 1973 كانت الحرب الشاملة الأولى- والأخيرة عمليا التي دارت بين دول عربية وبين إسرائيل التي نسبت لها قدرات نووية. والدكتور دان ساغير باحث ومحاضر في الجامعة العبرية في موضوع النووي الإسرائيلي وتأثيره على الشرق الأوسط ويوشك على إصدار كتاب جديد عن تأثير قوة الردع النووي لدى دولة الاحتلال على الصراع الإسرائيلي العربي منذ 1967، منوها أن حرب 1973، الحرب الأصعب منذ 1948 من ناحية عدد ضحايا إسرائيل، التي شكلت أول اختبار لـتأثير قوة ردعها النووية على تطورات الصراع العربي – الإسرائيلي القائم بين الدول.
ويرى ساغير أن الهجمات المباغتة للجيشين المصري والسوري في حرب 1973 انطوت على فشل للردع العسكري التقليدي الإسرائيلي ويتابع “لكن الباحثين منقسمون بالرأي حول مقدار تأثير القدرات النووية المنسوبة لـإسرائيل على أهداف تلك الحرب وعلى استراتيجية مصر وسوريا فيها وعلى الادعاء بأن مهاجمة إسرائيل تعكس أيضا فشلا لقوة ردعها النووية”.
ويوضح أن السنوات الكثيرة التي مرت منذ 1973 تتيح معاينة جديدة للقضايا المختلفة المرتبطة لتأثير النووي على صناع القرار في القاهرة ودمشق وتل أبيب خلال فترة الحرب وتتابع “رغم الضبابية الكبيرة يمكن التقدير بأن قادة مصر وسوريا فهموا جيدا عشية حرب 1973 المفهوم الماثل خلف التهديد النووي وأهداف الردع النووي لدى إسرائيل. من الأدبيات الواسعة الخاصة بالحرب طيلة سنوات يمكن الاستنتاج بأن هدف تلك الحرب بالنسبة لقادة مصر وسوريا كان استعادة أراضيهما التي فقدت في حرب 1967″.
السادات والأسد
ويشير دان ساغير في دراسته إلى أن البحث التاريخي يظهر أن أيا من قادة مصر وسوريا تطلع لمحاولة تدمير إسرائيل رغم أن قادة الأخيرة لم يتثبتوا من ذلك خلال ساعاتها الأولى. ويقول إن السادات والأسد علما جيدا أنه من ناحية موازين القوى التقليدية فإن كل هدف آخر يتعدى احتلال أجزاء من سيناء والجولان هو هدف يتعدى قدراتهما العسكرية.
ويتابع “أكثر من ذلك فقد فهموا جيدا أنه بحال وجود تهديد وجودي على إسرائيل فمن شأنها إرسال تهديد نووي رادع. حسب مصادر أجنبية فإن إصرار السادات على القيام بعملية عسكرية محدودة جدا رغم غضب قادة الجيش المصري مرتبط من جملة ما يرتبط بتقديره أن إسرائيل لن تستخدم سلاحا نوويا مقابل عملية عسكرية محدودة كهذه. هناك على الأقل مصدر مصري واحد يشير لمثل هذا الاعتبار لدى السادات بوضوح. وهناك شهادة إضافية من مصدر ثالث تدعم الادعاء بأن المصريين تورعوا عن الوصول لخط مضائق “الميتلي” في سيناء بسبب القدرات الإسرائيلية النووية وقد جاء ذلك على لسان رئيس الحكومة الراحل شيمون بيريز في مقابلة تلفزيونية”.
وأوضح بيريز وقتها أن رئيس حكومة إسرائيل يئغال يادين استقبل السادات خلال زيارته للبلاد في 19 نوفمبر 1977 فسألهوي خلال السفر من المطار إلى القدس لماذا لم يكمل الجيش المصري نحو المضائق خلال حرب 1973 فقال السادات: لديكم سلاح نووي.. ألم تسمع عن ذلك؟”.
مدى الخوف من النووي
ويوضح أنه بشأن سوريا لا يوجد دليل أو شهادة على الادعاء بأن الخوف من النووي الإسرائيلي هو الذي حدد أهداف حربها. ويتابع “السوريون كـالمصريين أدركوا جيدا محدوديتهم في القتال مقابل الجيش الإسرائيلي فبنوا خطط الحرب وفقا لذلك فكان الهدف تحرير هضبة الجولان من الاحتلال. وعدا عملية السيطرة على المعابر القائمة فوق نهر الأردن لمنع وصول إمدادات إسرائيلية لم يكن أي منطق عسكري من ناحية السوريين بمواصلة التقدم نحو الجليل الأعلى”.
ويقول إن النظام السوري الحاكم كان يعي جيدا القدرات النووية لدى إسرائيل لكنه أدرك أيضا أن استخدام السلاح النووي من طرفها في المناطق الحدودية الشمالية سيهدد مراكز سكانية إسرائيلية. ويضيف “على خلفية ذلك هناك شك كبير جدا بأن القدرات النووية قد لعبت دورا كما كان على الجبهة المصرية”. ويدحض دان ساغير الزعم أن الهجمات العربية المباغتة في أكتوبر 1973 تنطوي على شهادة حول فشل الردع النووي الإسرائيلي منوها أن أحدا لم يتحد قوة إسرائيل النووية ويشدد على أن قوة ردع إسرائيل النووية لم تكن معدة ولا تستطيع أن تردع مهاجمتها أو تمنع حربا تقليدية.
ويشير إلى أن الباحث في مجال الردع روبيرت غرابيس اقترح تمييزا بين ردع تهديدات بالمساس بمصالح استراتيجية لدولة ما وبين تهديدات لمصالحها الحيوية الوجودية.
تهديد للمصالح الاستراتيجية لا الحيوية
ويرى أن قادة إسرائيل فهموا أن حرب 1973 تنطوي على تهديد للمصالح الاستراتيجية- الحفاظ على “الوضع الراهن” حتى يتحقق حل سياسي بشروط تحددها هي ولم تعتبرها تهديدا لمصالحها الحيوية- دفاع عن وجودها وسلامة أراضيها. ويعتبر أن العمق الاستراتيجي الذي حققته إسرائيل في حرب 1967 قد أبعد التهديدات على وجودها وسلامة جغرافيتها ويقول إن الجيش المصري كان بعيدا جدا عن أن يهدد مدنها الجنوبية وبالتالي لم تكن حاجة للاستعانة بالردع النووي.
ويتابع “في المقابل فإنه على الجبهة الشمالية وبعدما اقتحم الجيش السوري خطوط دفاع الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان امتنع عن مواصلة المسيرة الهجومية نحو المناطق السيادية الإسرائيلية. في مقابلات صحافية لـأرنان عازرياهو مساعد الجنرال يسرائيل غاليلي روى أنه في ظهر اليوم السابع من أكتوبر 1973 جرى اجتماع للقيادة الإسرائيلية بمشاركة رئيس الحكومة غولدا مئير وموشيه ديان ويسرائيل غاليلي ويغئال ألون ويضيف “في الاجتماع طرح السؤال: هل سيكون ما لدينا رادعا؟ واعتبر بيريز وديان أن هذا سيردع وتبين لاحقا أنه غير رادع. اعتقد العرب مبكرا في 1967 أن هناك سلاحا نوويا بيد إسرائيل ومع ذلك بادروا للحرب وفي حرب 1973 كانوا على ثقة أن هذا السلاح موجود وذهبوا للقتال. هذا لم يردع ولم يمنع حربا. لسعادتي في 1967 وفي 1973 كانت هناك براهين على أننا قادرون على مواجهة العرب بالسلاح التقليدي في أسوأ الشروط. كانت هناك لحظة خشي فيها موشيه ديان أننا خاسرون في الحرب وحاول التلميح في اجتماع ضيق آخر أن إسرائيل بحاجة لتقول للعرب بطريقة تهديد إنه عليهم الحذر. كان قائد الجيش دادو العازار متفائلا لكن موشيه ديان كان متشائما جدا وكذلك غاليلي ويئغال ألون قالا لـغولدا مئير إن هذا جنون ويحظر القيام به ونحن سننتصر بما لدينا وقد قبلت موقفهما واهتمت بألا تتم المحاولة المقترحة من ديان”.
ويرى أن موقف غاليلي وألون كان مساهمة مهمة جدا للطريقة التي وظفت بها قوة الردع النووي في سياساتها الأمنية. منوها أن أهمية حرب 1973 تكمن بالأساس وتنبع من الحقيقة أن القرارات التي اتخذت من قبل الأطراف صاغت لحد بعيد مكانة الردع النووي الإسرائيلي في الصراع الإقليمي. معتبرا أن خروج رئيسي مصر وسوريا لحرب شاملة ضد إسرائيل رغم قدراتها النووية يدلل على أنهما أدركا مبكرا الفارق بين نوعي الردع وأهدافهما ولذا فإنه حتى لو نجحت خططهما بالكامل لم يشكلا تهديدا وجوديا على إسرائيل.
ويقول إنه في المقابل ورغم الشروط القاسية لافتتاحية الحرب بالنسبة لإسرائيل فقد تحاشت التخلي عن سياساتها النووية الضبابية التقليدية ولم تنتقل لسياسة الردع النووي السافر. كما يرى أن قرار غولدا مئير المذكور استند لقراءة استراتيجية صحيحة للوضع خلال تلك الحرب التي تعتبر آخر حرب شاملة شنها العرب على إسرائيل.
ويتابع “تلقت إسرائيل في الساعات الأولى للحرب ضربات عسكرية وخسرت عددا كبيرا من الجنود ومست مصالحها الاستراتيجية لكن عمقها الاستراتيجي في سيناء منحها مجالا للتنفس والدفاع عن مصالحها الحيوية أي سلامة أراضيها في حدود 1967 وعدم المساس بجبهتها الداخلية. وفي الشمال حيث لا يوجد عمق استراتيجي أدارت إسرائيل معركة كبح ودفاع قاسية مقابل السوريين وبنهاية المطاف وصلت قواتها لمشارف دمشق”.
المصدر : القدس العربي