في “أوسلو الضفة”.. الضابط الإسرائيلي: “لا شيء.. مجموعة قتلى من العرب”

كيف يعقل أن لا ينجح الجيش الأقوى في الشرق الأوسط في الدفاع عن بضع مئات، وربما آلاف، من المواطنين الفلسطينيين في منطقة صغيرة جداً تقع تحت سيطرة حصرية لدولة إسرائيل؟ كيف يعقل أن يعثر الشاباك بسرعة على إرهابي فلسطيني اقتحم مستوطنة تحت جنح الظلام وأضر بولد يهودي، في حين يصعب على هذا الجهاز الأمني إلقاء القبض على إرهابي يهودي اقتحم قرية فلسطينية وأصاب رأس محمد حمامدة ابن 3 سنوات؟

ما سبب في أن لا يحرك الجيش الإسرائيلي ساكناً ضد مستوطن استل سلاح جندي ليطلق النار على الفلسطينيين؟ لماذا يعرف الشاب الفلسطيني، الذي يتجرأ على إلقاء حجر على جندي إسرائيلي، أنه يضع روحه على كفه، في حين أن فتى يهودياً من “شبيبة التلال” الذي يضرب الجندي لدينا يضحك طوال الطريق وهو عائد إلى حي الجريمة الذي يعيش فيه والمسمى بؤرة استيطانية.

أشارت مصادر في جهاز الأمن إلى قتل استر هورغن على أيدي فلسطيني، ويعتبر موت اهافيا صانداك الذي قتل في مطاردة للشرطة في كانون الأول 2020 نقطة “انعطاف” في الجريمة الوطنية المتطرفة ضد الفلسطينيين داخل الضفة، 416 حادثة في النصف الأول من العام 2021 مقابل 507 حادثة في عام 2020 و363 حادثة في 2019. هذا التفسير يعدّ ذراً للرماد في العيون. ظاهرة “تدفيع الثمن” (لأن “الثأر” و”شرف العائلة” يوجدان فقط لدى أبناء عمنا)، وهذا اختراع آخر لمغسلة الكلمات. لا يوجد نقاط انعطافة في هذه القصة. فطالما يستمر الاحتلال ومعه مشروع الاستيطان والبؤر الاستيطانية فهناك المزيد من أعياد نزول التوراة بانتظارنا.

الفلسطينيون الذين صمموا على البقاء في بيوتهم في 1967، مثل أخوتهم الذين لم يهربوا أو يتم طردهم في 1948، كانوا وما يزالون في نظر معظم الإسرائيليين مكرهة ديمغرافية – أمنية – دعائية. “النجاح الكبير” لاتفاق أوسلو هو أننا نجحنا في التخفيف من معظم عبئهم الديمغرافي – الاجتماعي، وفي الوقت نفسه إبقاء السيطرة الأمنية عليهم في أيدينا. بقينا مع 200 ألف شخص يعيشون في مناطق “ج”، رجالاً ونساء وأطفالاً، وهم يزعجون عملية “الإخلاء – البناء”؛ أي إخلاء العرب، والبناء لليهود. في هذا المشروع يشارك سياسيون ومستوطنون وضباط كبار في الطريق إلى عالم السياسة.

بشكل رسمي، حسب اتفاق أوسلو والقانون الدولي، الجيش الإسرائيلي هو المسؤول عن أمن ورفاه جميع سكان المناطق “ج” (60 في المئة من أراضي الضفة)، يهوداً وعرباً. ولكن الرسالة التي يتم إرسالها للضباط والجنود على الأرض، أن مهمتهم حماية اليهود. لم يحصل عسكري واحد على ترقية أو على وسام بسبب شجاعته والجرأة التي أظهرها في الدفاع عن قرية فلسطينية، أو إخلاء بؤرة استيطانية غير قانونية. نأمل بأن بادرة حسن النية النادرة لقائد المنطقة الوسطى، يهودا فوكس، الذي زار خربة المفقرة، لن تقصر حياته العسكرية.

عاموس هرئيل، المحلل العسكري في “هآرتس”، الذي شارك في احتفال استبدال الوظائف في قيادة المنطقة الوسطى في 2002، كتب بأن الاحتفال تأخر لأن المدير العام لمجلس “يشع”، بنتسي ليبرمان، تأخر في القدوم. “لننتظر قليلاً”، طلبت الضابطة المشرفة على الاحتفال. “في نهاية المطاف، نحن هنا من أجلهم”. هذا صحيح. العفو، من أجلهم وليس من أجل الفلسطينيين. ولكن “من أجلهم” لا يعني فقط حماية سلامة وممتلكات المستوطنين. الجيش الإسرائيلي لبنة أساسية في آلية تطهير المنطقة من تهديد الفلسطينيين، من أجل توسع المناطق التي يعيش فيها اليهود.

كتب حاييم لفنسون في تموز 2015 بأن معظم أراضي الفلسطينيين الخاصة، التي تمت مصادرتها لإقامة منطقة أمنية فاصلة “تم ضمها إلى المستوطنات المجاورة” لأهداف السكن والزراعة. واقتحام آلاف الدونمات للأراضي المفلوحة جاء بحماية أوامر وضع اليد لغرض الأمن، التي أصدرها قادة المنطقة الوسطى على أجيالهم. إضافة إلى ذلك، أُعلن عن خُمس أراضي الضفة الغربية بأنها “مناطق تدريب”، يحظر على الفلسطينيين السكن فيها أو زراعتها. في السنة نفسها، في الوقت الذي هدمت فيه الإدارة المدنية مباني بناها الفلسطينيون في مناطق التدريب في غور الأردن، قام قائد المنطقة الوسطى بإلغاء أمر منطقة تدريب في المنطقة نفسها من أجل السماح بتوسيع مستوطنة “معاليه أدوميم”.

بالنسبة لمعظم الإسرائيليين الذين خدموا في المناطق المحتلة والشباب الذين سيتم إرسالهم إلى هناك، ينظرون إلى الفلسطيني على أنه شخص لا ملامح له ويرمم لهم البيوت، أو هو فتى لا اسم له ويجلب لهم الإرسالية من البقالة. لن أنسى في حياتي المكالمة الهاتفية التي أجريتها عندما كنت مراسلاً شاباً في الإذاعة، مع ضابط الشرطة الكبير في مركز شرطة بيت لحم. أردت أن أعرف شيئاً عن وضع المصابين في حادث الطرق الصعب الذي حدث على مدخل بيت لحم. ن.ب، أي “دقق جيداً” أجاب الضابط بهدوء: “لا توجد قصة”. بلغة الشرطة ن.ب تعني “أضرار بالممتلكات فقط” بدون أضرار بالأرواح. “لكني سمعت بوجود قتلى”، شددت السؤال. “كما قلت لك، أضرار بالممتلكات فقط”، ابتسم الضابط. “قتلى من العرب”. منذ ذلك الحين، أتجنب استخدام مصطلح ن.ب في أي سياق.

نائب قائد الكتيبة الذي أصاب ناشط السلام الإسرائيلي تمت تبرئته من التهمة، ووجه له توبيخ فقط، وقام بالتحلية- مهاجمة راع فلسطيني. هو ليس نبتة غريبة، فقد أرسلوه كي يكون هناك من أجلهم، أي من أجل اليهود، وليس من أجل “العرب” أو من أجل أصدقائهم “اليساريين”. بالنسبة له، ما حدث في عيد نزول التوراة في خربة المفقرة هو ن.ب (أضرار بالممتلكات فقط).

بقلمعكيفا الدار

هآرتس 10/10/2021

قد يعجبك ايضا