فورين بوليسي: زواج المصلحة بين قيس سعيّد وقوى الأمن سيعزز من حصانتها وقمعها

وهج 24 : تحت عنوان “زواج المصلحة غير المقدس بين قيس سعيد والشرطة التونسية” نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للصحافي المقيم في تونس سايمون سبيكمان كوردال قال فيه إن زواج المصلحة بين الرئيس والشرطة التي طالما أفلتت من المحاسبة قد يزيد من الأمور سوءا.

وأضاف أنه عندما خرج المئات من الشباب التونسي الذين يعيشون في أحياء الطبقة العاملة في تونس بداية العام الحالي واحتجوا ضد الطبقة السياسية وفشلها في معالجة الوضع الاقتصادي الضعيف وتراجع مستويات الحياة، ردت الشرطة بالقمع واعتقلت مئات من المتظاهرين، تعرض بعضهم لتعذيب جسدي على يد الشرطة. وقاد هذا إلى موجة احتجاجات جديدة، وأهم المظالم فيها هي وحشية الشرطة. وكانت هذه الاحتجاجات مهمة في تغذية شعبية الرئيس التونسي سعيد في نهاية تموز/يوليو حيث قام باستخدام سلطاته الطارئة وعزل رئيس الوزراء والبرلمان. وقابل الكثير من المتظاهرين أنفسهم تحرك سعيد بالفرح. ومدفوعا بوعد الإصلاح الشامل، يجد سعيد نفسه، مع ذلك، عالقا في زواج مصلحة نفس قوات الأمن التي أوقفت الحركة في البلد بداية هذا العام.

فمنذ تموز/يوليو اعتمد الرئيس وبشكل مطلق على الشرطة لتمرير إجراءات حاسمة لمواجهة الفساد وفرض الإقامة الجبرية ومنع السفر، وكذا اعتقال الساسة ورجال الأعمال المتهمين بارتكاب أخطاء، وهو الوعد الذي استخدمه لتأمين انتصاره في 2019. ونقل الكاتب عن الأمين بنغازي، من منظمة محامون بدون حدود “يعتمد قيس سعيد الآن وبشكل كامل على القوات المسلحة وأجهزة الأمن”. وأضاف “لم يكن البرلمان ذا فائدة كبيرة لكن أفراده قد يذكرون انتهاكات الشرطة هناك”. ومقابل دعم سعيد، قد تجد الشرطة نفسها في وضع جيد، كما يشك الكثيرون، للمطالبة وأخيرا بالحماية القانونية التي طالبت بها نقاباتها منذ وقت طويل، والتي رفضها البرلمان.

 ويرى الكاتب أن هناك أدلة متزايدة عن محاولة اتحادات قوات الأمن التونسية تجيير الزخم الذي خلقه تدخل الرئيس في تموز/يوليو لصالحها. ويقول بنغازي “لو نظرت إلى مجموعات فيسبوك، فهناك رسالة واضحة، فاتحادات الشرطة تطالب بوقف الدعم الأجنبي لمنظمات حقوق الإنسان وجماعات الإصلاح ومحاكمة أفرادها”.

وخلال 10 أعوام من عدم الاستقرار السياسي وتعاقب الحكومات، فقد تم تشكيل اتحادات الشرطة في أعقاب ثورة 2011، وتزايدت قوتها لدرجة أنها باتت تمارس حماية مطلقة لضباطها وعدم تقديمهم للمحاكمة. ولم يتم ضبط أو معاقبة إلا عدد قليل منهم رغم الوفيات الغامضة والتعذيب والضرب التعسفي للمعتقلين.

ويقول إريك غولدستاين، القائم بأعمال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومان رايتس ووتش إن حصانة الشرطة في تونس تعتبر مصدر قلق حقيقي و “نحن على معرفة بأعداد لا تحصى من الاتهامات ضد ضباط الشرطة ولا شيء يحدث على ما يبدو. وهناك حديث عن فتح ملفات تحقيق بدون متابعة. وكما نرى فلا توجد هناك محاسبة”. وفكرة عنف الشرطة ليست جديدة للصحافية غاية بن مبارك، 26 عاما.  ففي أثناء الاضطرابات الاجتماعية بداية هذا العام، لعبت بن مبارك دورا مهما في تغطية التظاهرات ضد عنف الشرطة التي اجتاحت العاصمة وقدمت موادها الإخبارية وأشرطة الفيديو للمواقع مثل “مشكال” و “نواة” التي نشرت أخبارها وصورها. ولا تزال تتذكر الصدمة التي أحدثها قرار سعيد في تموز/يوليو حيث شاركت بن مبارك في احتجاج نظمته جماعة معروفة بدعمها للرئيس.

وتقول إنها كانت تحمل بطاقتها الصحافية وترتدي سترة الصحافة. لكنها وجدت نفسها وسط تظاهرة صغيرة أمام مواجهة قبيحة بين المحتجين والشرطة والصحافيين الذين كانوا يريدون تغطية الاحتجاج. وشاهدت بن مبارك الشرطة تضرب المتظاهرين والتي حاولت مصادرة كاميرتها. و “عند ذلك قام شرطي برمي نفسه علي ورماني في الهواء حيث وقعت على الأرض بإصابة في ظهري”. وتعرض تسعة صحافيين في ذلك اليوم للإصابة، بدون معرفة عدد المتظاهرين الذي أصيبوا، لكن لم تتم محاسبة أي رجل أمن.

ويرى كوردال أن تونس أمامها طريق طويل للتخلص من الدولة البوليسية التي وجدت قبل الثورة. ولم يعد التعذيب سياسة، والتظاهرات تجري بدون مضايقة بعد تدخل سعيد في أيلول/سبتمبر، إلا أن الهجمات التي تقوم بها الشرطة ضد الأفراد مستمرة. وعندما أوقفت الشرطة سيارة الصحافية أروى بركان بتهم خرق حظر التجول بسبب كوفيد، حاولت تصوير الضباط ولكنها ضربت. وعندما ذهبت إلى الشرطة لتقديم بلاغ وجدت أن الضباط سبقوها وقدموا بلاغا ضدها واتهمت بالاعتداء على الشرطة وتنتظر محاكمتها بداية العام المقبل. وفي نفس الشهر ضرب أحد الناشطين المثليين بدر بعبو، من الشرطة في طريقه إلى بيته. ولاحظ أحد المارة أن رجل شرطة دار بحذائه وهو يقول له “نحن الشرطة، وهذا جزاء من يهين الشرطة ويقدم بلاغا ضدنا” في إشارة إلى البلاغ الذي قدمته منظمة بعبو ضد الشرطة. وفي ظل إفلات الشرطة من العقاب واقتراب فصل الشتاء، ففرصة اندلاع الاحتجاجات في الأحياء الفقيرة التي جعل سعيد قضية أبنائها قضيته أمر محتمل، هذا إن لم ننس حالة الاقتصاد السيئة.

 وبحسب استطلاعات الرأي الخاصة فسعيد لا يزال يحظى بشعبية مع أن طرق تنظيم هذه الاستطلاعات تظل غامضة. وفي المناطق المهمشة حول العاصمة فشعبيته تصل إلى حد العبادة. ويطالبه البعض بمواصلة حكمه المستبد إلى ما لا نهاية. وينظر إليه سكان حي التضامن الذي اندلعت فيه تظاهرات بداية العام بالمنقذ. وهذه المنطقة والمناطق الأخرى التي استخدم الرئيس مشاكلها في حملته الانتخابية، ولكن هنا قد يكون الامتحان له مع تحذيره والبنك المركزي من إجراءات التقشف، فأمل تونس في مستقبل جديد قد يتصادم مع العناصر التي لم يعد بناؤها وإصلاحها من مرحلة ما قبل الثورة بنتائج قد تقود لانفجار.  ويقول بنغازي إن الكثيرين الذين يعيشون على الهوامش، يرون في الدولة عدوا. وينظر إليها على أنها عصا الشرطي وسيكونون ضحايا التقشف كما كانوا دائما.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا