باتباعه وحشية اليمين… ماذا بقي لليسار الإسرائيلي سوى “الدمية نتنياهو”؟

لا يوجد مثل سورة الغضب التي أثارها المقال الذي نشرته عن لقاء مع بنيامين نتنياهو (“هآرتس”، 11/11) لإثبات ما تم الادعاء به منذ زمن، وهو أن اليسار الإسرائيلي مريض، مريض جداً، كراهية اليسار لنتنياهو أخرجته عن أطواره. المقارنة التي جرت في اللقاء مع أدولف هتلر في عش النسور طرحت على الفور؛ آخرون اكتفوا بستالين، أو للأسف، بمدير عام “اكسون”. قد أعفو عن الإهانة الشخصية، حتى من أصدقاء، ولكن هذا لن يكون إلا بالسؤال: من أين يأتي هذا الغضب؟ ما مصادره، وبالأساس علام يغطي؟ هناك شيء ما يختفي، لا يمكن بدونه فهم قوة هذه الأحاسيس. لم يكن باستطاعة أي مقال مؤيد لسياسي إسرائيلي آخر، سواء كان حياً أو ميتاً، أن يثير مثل هذا الغضب. من المشكوك فيه أن هناك شيء كهذا، باستثناء ربما لقاء مع اريئيل شارون غداة مذبحة صبرا وشاتيلا، وحتى شارون قد غُفر له كل شيء.

الناس الذين يصمتون على الأبرتهايد منذ سنوات يتثاءبون إزاء جرائم الاحتلال ويحولون نظرهم عنها؛ مصوتو “يوجد مستقبل” و”العمل” و”ميرتس” يقولون إنهم ضد الاحتلال ويعبدون الجيش الإسرائيلي ويتعالون على الفلسطينيين ويعتقدون أنهم متنورون. مع ذلك، تعذبهم ضمائرهم بسبب عجزهم وخوائهم الفكري. في أعماقهم يعرفون أنهم يؤيدون التفوق اليهودي بالضبط مثل اليمين الذين يكرهونه، ويصعب عليهم تمييز أنفسهم عنه. هم يعرفون أن حكومات اليسار – وسط لم تفعل ما كان يجب فعله لتمكين الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم. هم يعرفون أنهم يؤيدون الاحتلال وهم من أكبر مخلديه، بصمتهم وتهاونهم وعدم اهتمامهم وعجزهم.

  سقط عليهم نتنياهو كثمرة ناضجة، هدية من السماء. 12 سنة من الراحة المتواصلة. هدية لا تتوقف عن العطاء. فجأة، أصبحت لديهم أيديولوجيا ومضمون لحياتهم. فجأة، ينجحون في تمييز أنفسهم عن اليمين. فجأة، أصبحوا مقاتلين سياسيون، لا يخافون، وبات كل منهم تشي جيفارا. شعار “فقط ليس بيبي” لم يتحول فقط إلى نداء حرب وشعار موحد، بل إلى هوية سياسية فقدت.

محظور المس بدمية اليسار الجديدة، ولا الاقتراب منها. إذا أخذت منه هذه الدمية فسيغرق مرة أخرى في فقدان الطريق، في الخواء والملل، وسيردد شعارات مائلة ويغني أغاني عن السلام والغد، دون أن يستطيع أي أحد فهم بماذا يختلف هو عن اليمين الجاهل والوحشي. لذلك، الويل لمن سيحاول إثارة الشك بدرجة الكراهية المطلوبة لنتنياهو، الكراهية التي هي الآن سبب الوجود الوحيد لليسار. حتى عندما لم يعد نتنياهو رئيساً للحكومة فليس لليسار دمية أخرى غيره. وحكومة التغيير دليل على ذلك، ما الذي تغير؟ تقريباً، لا شيء، خصوصاً في الموضوع الأكثر مصيرية الذي تفر منه الحكومة فرارها من النار.

 كان نتنياهو ما كان عليه؛ إذ لم يكن في الموضوع المهم جداً والمصيري جداً أسوأ من سابقيه أو من ورثته، ولم يكن بأفضل منه، فهذا يثير جنون اليسار. وكل من يحاول إلقاء الشك على وحشية نتنياهو يعتبر محطماً للصفوف وتم حسم مصيره. القول بأن نتنياهو شخصية معقدة أكثر مما يظهر عليه، فهذا خيانة. القول بأن فيه جوانب إيجابية فهذا خداع. “شيخوختك تخجل شبابك”، كتب كثيرون لا يعرفون شبابه، لكنهم يعرفون أن كلمة طيبة واحدة عن نتنياهو تكفي لقول ذلك. لو كتبت هذه الأمور عن نفتالي بينيت أو يئير لبيد أو جدعون ساعر لما أثاروا أي ضجة. بني غانتس، بالمناسبة، سفك دماء أكثر من نتنياهو، وهو يتفاخر بذلك. ولكن مسموح كتابة أمور جميلة عنه بدون قيود. فقط ذلك محظور على شخص واحد، والحظر مطلق.

معسكر ديكتاتوري وغير متسامح وعدائي بدرجة لا تقل عن معسكر اليمين، الذي يدعم بأفعاله استمرار الاحتلال بصورة لا تقل عن اليمين، يذعر ممن يتجرأ على المس بأغلى شيء على نفسه، كراهية نتنياهو. في نهاية المطاف، إذا لم يعد نتنياهو هو الشيطان، فما الذي سيبقى لهذا المعسكر؟

بقلمجدعون ليفي

هآرتس 14/11/2021

قد يعجبك ايضا