طلاب جامعات الأردن في الميدان بدلاً من «أحزاب المنظومة» رفضاً لـ«التطبيع الجديد» مع إسرائيل

وهج 24 : يبدو مشهداً مثيراً ويؤدي إلى الغرق مجدداً في التساؤلات، خصوصاً أنه رصد وسجل عبر كاميرات الخلويات في حرم أم الجامعات غربي العاصمة عمان، حيث الجامعة الأردنية العريقة، وحيث ظهور بعد سنوات طويلة من الغياب لمجموعة تمثل القوى الطلابية التي تخرج إلى حرم الجامعة في وقفة احتجاجية أو مسيرة طلابية منظمة جداً وبطريقة مثيرة للتساؤل.

بعد سنوات «تغييب» وإحباط محاولات أكاديمية «إماراتية»

طبعاً، رسم المشهد قبل ثلاثة أيام من أول مسيرة احتجاجية على اتفاقية التطبيع الجديدة مع إسرائيل بدعوة وتنظيم التيار الإسلامي وبعض تيارات المعارضة.
الأهم في زاوية التحليل هم طلاب الجامعات. فالطلاب أو قواهم في الجامعة الأردنية، وهي أكبر الجامعات في البلاد، ظهروا في وصلة منظمة للاعتراض على التطبيع الجديد بين الأردن وإسرائيل، وتم إطلاق هتافات سياسية منظمة للغاية وموحدة، إضافة إلى تنظيم الحضور وصفوف الطلاب المعترضين بطريقة لافتة وتنطوي على جملة تكتيكية تنظيمية غير مألوفة بالعادة.
هؤلاء الطلاب تحديداً خاطبتهم منظومة تحديث الدولة الأخيرة لتشجعيهم على العمل الحزبي والسياسي، لكن السلطات اعتقلت بعضهم الأسبوع الماضي، في ازدواجية يقول الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد عضايلة، لـ«القدس العربي» إنها مستقرة وتوحي بنهاية العمل السياسي الحقيقي في البلاد.
المثير جداً أن القوى الطلابية بدأت تظهر وتعترض، مما شكل صدمة على شكل سؤال كبير في الأردن له علاقة في اتجاهات الشباب والطلاب الجامعيين وقدرتهم.
بعد غياب لسنوات طويلة لاتحادات الطلاب المنظمة وتوجيه الكثير من الضربات الإدارية وأحياناً الأمنية والسياسية للنشاطات الطلابيه وللنخب الطلابية، يظهر المشهد مرتباً ومنظماً، وبهتافات تتوجه إلى صانع القرار، وتقول بوضوح وبعبارات منتقاه ومسيسة هذه المرة، بأن خيار التطبيع هو خارج نطاق الشرعية الشعبية الأردنية. بالتزامن، ظهرت بعض ملامح الاحتراف في تنظيم تلك الوقفة تحديداً الاحتجاجية في حرم الجامعة الأردنية، فالطلاب اصطفوا بانتظام.

مشهد جديد «زاحف»

والهتافات كانت تطلق وكأنها مجربة في وقت سابق، وتناسب المرحلة بعد الإعلان المباغت عن توقيع ما سمي حكومياً بخطاب النوايا، على أساس تبادل منافع الكهرباء والمياه مع إسرائيل وبرعاية إماراتية هذه المرة. وهو إعلان أثار في الأردنيين موجة عاتية من الغضب والسخرية، وتلامس هذه المرة مع الاحتياجات المعيشية والاقتصادية والوضع الصحي الوبائي المقلق، بالإضافة إلى التواصل والترابط مع تزايد معدلات الاحتقان ونمو الاحتقان بكل مظاهره الاقتصادية والسياسية، وفي اتجاهات أخرى وطنية أيضاً. وظهور هذا النمط من تنظيم الوقفات الاحتجاجية ميدانياً وبعد سنوات طويلة من الغياب داخل حرم جامعات، بدا مشهداً زاحفاً.
كان الجميع وإلى وقت قريب، يعتقد أن نشاطات الطلاب أصبحت في حضن السلطة من خلال المراقبة وتراكم تلك المراقبة على مدار سنوات. لكن الظهور شكل علامة فارقة أدت إلى طرح السؤال حول احتمالية انتشار موضة موجة الاعتراض الحالية وسط صفوف الطلاب، فقد توقع الجميع أن يحاول رموز الحراك الشعبي المعترضون بالعادة على كل الاتجاهات الرسمية والملفات البيروقراطية، لاستغلال مسألة التطبيع الجديدة.
واعتقد الجميع بأن الأحزاب السياسية المعارضة ستحاول الاستثمار في اللحظة لإضافة نكهات على الحراك الشعبي، لكن خروج طلاب الجامعات تحديداً شكل سؤالاً يحتاج إلى إجابة لها علاقة بما هو أعمق من النظر إلى قشرة المسألة، فالحديث اليوم عن الجيل الثالث بعد توقيع اتفاقية وادي عربة من الطلاب الأردنيين.
وهنا تحديداً، لوحظ بأن طلاب الجامعة الأردنية مثلاً لم يكونوا وحدهم في هذا الاعتراض، فقد ظهر الطلاب في أكثر من جامعة حكومية ورسمية، لا بل في بعض الجامعات الخاصة، مثل الزيتونة، ومثل جامعة العلوم والتكنولوجيا، ومثل الجامعة الهاشمية، ولاحقاً جامعة اليرموك.
ظهرت ملامح الاعتراض الطلابي، وشكلت استفساراً بحجم سياسي كبير، لأن القوى الطلابية تحديداً كانت إلى حد ما في حالة سبات وغائبة، لا بل ترنحت على مدار سنوات بحكم مراقبة إدارات الجامعات لها ومنع النشاطات الطلابية ذات الصبغة السياسية على أكثر من صعيد، إلى أن عادت تلك الموجة، وتسببت -كما ذكر سابقاً- في طرح التساؤلات. واليوم يسأل جميع المراقبين عما إذا كان الاستمرار في التطبيع المائي والكهربائي مع الإسرائيليين عبر مظلة إماراتية قد يقود إلى مزيد من الاعتراضات في صفوف الطلاب تحديداً.

بيئة مثقفة ومنظمة

وهم بيئة مثقفة وشابة ومنظمة أيضاً، وتخرج عن السياق التقليدي والكلاسيكي للحراك الشعبي الذي يمارس الابتزاز في وجه السلطات بين الحين والآخر، ويتجنب الشعار السياسي، ويركز على الاحتياجات المتعلقة بالوظائف والفقر والبطالة والاحتياجات ذات الطابع الاقتصادي، خلافاً لأن نشطاء الطلاب أحبطوا محاولتين إماراتيتين على الأقل، بالتزامن، للتطبيع في جامعتين حكوميتين.
مشهد مستجد تماماً في جامعات الأردن نفضت عنه الغبار اتفاقية التطبيع الجديدة، التي أعلنت بطريقة غريبة وفي توقيت متأخر، وكانت المعلومات فيها مصدرها الرئيسي الإعلام الاسرائيلي وبطريقة ساخرة، تسخر من مشاعر الأردنيين ومن برلمانهم ومن حكومتهم ومن وزارتهم التي تدير شؤونهم المائية.
طبعاً، تحاول بعض الأوساط المقربة من السلطات الإشارة إلى أن تلك الجملة الاحتجاجية المنظمة التي ظهرت بين صفوف الطلاب لها علاقه بتحول تكتيكي سريع في صفوف الهيئات الطلابية للتيار الإسلامي تحديداً، الذي يشعر بخيبة أمل شديدة عبر عنها العضايلة وبقوة عندما تحدث عن ضغوط من داخل قواعد التيار، تؤمن الأن بأن الخيار السياسي أغلق تماماً، وبأن الإصلاح السياسي بات أبعد بعد التعديلات الدستورية الأخيرة والاسترسال في التطبيع المخجل.
لذا، يمكن القول إن أسباباً لها علاقة بحسابات داخل التيار الإسلامي دفعت في اتجاه العودة للتشبيك عبر وقفات طلابية تدعم خيار الطلاب في الاعتراض هذه المرة، إضافة إلى العودة إلى لغة الشارع تحت خطاب سياسي له علاقة بالقدس والمسجد الأقصى مرة، وبالتطبيع مرة أخرى.
وهي عناصر جاذبة جداً وبطريقة لافتة دوماً لكل اعتبارات المشاركة الشعبية الأردنية، ويمكن الاستثمار فيها بعدما أصاب حزب جبهة العمل الإسلامي خذلان شديد إثر المشاركة بوثيقة تحديث المنظومة السياسية. في كل حال، المشهد مفتوح على احتمالات مواجهة أيضاً أمنية تحت ستار الحرص على عدم تفشي الوباء والحرص على الالتزام القانوني وعدم تكريس ظاهرة الخروج للشارع في الأردن، حتى ولو كان سقف الهتاف سياسياً بامتياز.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا