الكيان يهدد بأنه لن يلتزم بأي اتفاق نووي مع ايران.. ماذا يستطيع ان يفعل؟ وهل هذا التهديد مؤشر على ان الاتفاق بات وشيكا؟ وما هي الخيارات المطروحة امامه؟
Share
عبد الباري عطوان …..
من يستمع الى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين “التهديدية” بشأن مفاوضات فيينا النووية، وردا على بعض التقارير التي تؤكد ان فرص التوصل الى اتفاق مع ايران باتت كبيرة، ينتابه شعور بأنها تنطوي على الكثير من المكابرة، وتضخم الذات المفتعل، وتخفي حالة من القلق وخيبة الأمل، وليست نابعة من قوة وثقة بالنفس.
نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي تهتز الأرض تحت اقدام حكومته الهشة، وتدين ببقائها الى صوت عربي واحد “خائن” في الكنيست، ارتدى فروة الأسد واعلن ان “إسرائيل” لن تكون ملزمة بأي اتفاق نووي مع ايران، ولن تأخذ موافقة احد (أمريكا)، وستسمر في حرية التصرف ضد اعدائها اذا لزم الامر”.
سمعنا مثل هذه التهديدات اكثر من مرة منذ عام 2017 عندما انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع ايران، بضغط من بنيامين نتنياهو، وهو الانسحاب الذي يعض معظم المسؤولين الإسرائيليين أصابع الندم لحدوثه، مثلما سمعنا وقرأنا عن مناورات إسرائيلية شاركت فيها بكل الاسلحة استعدادا لضربات وشيكة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية، ولم نر على الأرض غير اغتيال هنا، او آخر هناك لعلماء إيرانيين، وهجمات على بعض السفن الإيرانية في البحار المفتوحة جرى الرد عليها بقوة وفاعلية بالمثل، ان لم يكن اكثر واعنف، مما أدى الى التراجع عن هذه العربدة بسرعة، وأصبحت حرب السفن تاريخا.
***
السؤال هو، ماذا يعني تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه لن يلتزم بأي اتفاق نووي مع ايران؟ وهل سيلجأ للخيار العسكري مثلا، أي ارسال طائراته الحربية لقصف ايران ومنشآتها النووية؟ وهل يتوقع ان هذا القصف سيمر دون رد من منطلق الدفاع المشروع عن النفس، وهل يستطيع كيانه مواجهة مئات آلاف الصواريخ والطائرات المسيرة من مختلف الاتجاهات، والاهم من ذلك هل سيبقى هذا الكيان على وجه الأرض، مثلما هدد اكثر من جنرال إيراني، على رأسهم علي شمخاني، مسؤول الامن القومي؟
نفهم ان تطلق دولة عظمى مثل الصين او روسيا او الولايات المتحدة، وحتى بريطانيا وفرنسا، مثل هذا التهديد، لكن ان تطلقه دولة هزمتها صواريخ قطاع غزة البدائية في شهر أيار (مايو) في معركة “سيف القدس” (مساحة القطاع 150 ميلا مربعا)، وتجعل وزير حربها يهرول الى واشنطن طالبا شحنات صاروخية عاجلة لتعويض مخزون قببه الحديدية النافد رعبا من جوله ثانية، فهذا امر يثير السخرية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
الولايات المتحدة، التي يرفض رئيسها جو بايدن دعوة رئيس الوزراء بينيت لزيارة واشنطن، او حتى مهاتفته، أرسلت جيك سوليفان مستشارها للأمن القومي الى تل ابيب لإبلاغ مضيفيه ونظرائه من المسؤولين الإسرائيليين بأن بلاده، أي أمريكا، لن تدعم أي عدوان على ايران، واولياتها هذه الأيام محصورة في صراعات اكثر أهمية للأمن القومي الأمريكي، مثل شرق آسيا (تايوان)، ووسط أوروبا (أوكرانيا)، ولم تعد تعير هذه “الصبيانية” الإسرائيلية المتهورة أي اهتمام.
المؤسسة الإسرائيلية العسكرية باتت على قناعة راسخة بأن ايران قوية وليست متعجلة في الوصول الى اتفاق نووي، وترفض تقديم أي تنازلات عن مطالبها المشروعة في التعويض ورفع الحصار والضمانات، والخيار الوحيد امام “إسرائيل” هو التعايش مع أي اتفاق جديد يتم التوصل اليه، “لأنه افضل الشرين”، ولتجنب أي صدام مع الولايات المتحدة والدول الخمس العظمى الأخرى المشاركة في هذه المفاوضات.
ايران ستكون الرابح الأكبر في حالة التوصل الى اتفاق او عدمه، لأنها أصبحت “دولة حافة نووية” وتملك كل الخبرات والمواد التي تؤهلها لصنع قنبلة نووية في غضون أسابيع ان لم تكن قد صنعتها فعلا، مثلما تتوقع العديد من مراكز الأبحاث الغربية، وباتت تملك ترسانة جبارة من الصواريخ الدقيقة والمسيرات المتطورة، والاهم من كل هذا وذاك دورها ونفوذها الإقليمي القوي المدعوم بأذرع عسكرية تابعة لدول محور المقاومة الذي تتزعمه.
دولة الاحتلال فشلت في منع الاتفاق النووي، مثلما فشلت في فرض نفسها على الدول الست الكبرى والجلوس على مائدة المفاوضات في فيينا، او حتى طرح البرامج الصاروخية الإيرانية على جدول اعمالها، ورغم ذلك “تنفش” ريشها وتتبجح بعدم قبولها والتزامها بالاتفاق النووي، فمن يمكن ان يصدق مثل هذه الادعاءات الكاذبة؟
***
ختاما نقول ان دولة الاحتلال الإسرائيلي ادركت انها لا تستطيع منع التوصل الى اتفاق نووي، ولم تعد قادرة على إملاء مطالبها على الدول العظمى في هذا الميدان، فإمتلاك ايران لأسلحة نووية لا يشكل تهديدا وجوديا لهذه الدول، وبات المسؤولون الإسرائيليون فيها يدركون جيدا ان كل ما يستطيعون تحقيقه هو تقليص الخلافات مع الإدارة الامريكية، وابتزازها بالحصول على اكبر قدر ممكن من التعويضات المالية والمعدات العسكرية المتطورة لتبديد مخاوفها الأمنية والعسكرية، اما شن هجوم على ايران مثلما كانت تهدد طوال العشرين عاما الماضية، فهو من عاشر المستحيلات، واذا تجرأت وفعلتها فستكون النتائج مرعبة، وكارثية، ووجودية.. والايام بيننا.