عماد عبود عباس: العبد من السيد أم السيد من العبد؟
عماد عبود عباس
وعي هيجل أم لم يعي ما ستؤول اليه جدلية السيد و العبد في زماننا هذا و مكاننا هذا عندما كتب في هذا الموضوع عام 1807 فإن أبشع ما يمكن أن تؤول إليه هذه العلاقة عندما تتحول من علاقة بين عبد آدمي منظور و ملموس ، عاقل و واع لعبوديته لرب يؤمن به و لا يراه ، إلى عبادة إنسان مثله يمشي و ينام و يأكل و يتناسل ويتغوط و يهرم و يموت . لكن لم العجب وقد عبد الانسان خلال ملايين من السنوات هو عمر البشرية على الأرض الحجر و النار و الشمس و الحيوان ؟
الرب هنا يأخذ شكلاً آخر ليكون أكثر تقبلاً لدى العبد (المعاصر)، هو ليس رباً مطلقاً يُسجد له بل (سيد) يدعي تمثيل الرب يُكتفى بتقبيل يده و ملء جيبه ، لكنه يشفي المرضى ببصاقه و يرزق النساء أطفالاً بطريقته الخاصة ، تطور دورُه تبعاً لموقعه السياسي الجديد فصار يعلن النفير للحروب و يعلن الإعتصام و يفرق التظاهرات ، بيده الحكومة و البرلمان و هو على كل شيء مطاع
و بعكس عبادة الله المجردة عن وسطاء و وكلاء و نواب و جباة وسدنة فإن عبادة وكيله كانت دائماً ترتبط بمصالح الوكيل و احتياجاته المادية و الإجتماعية و الغريزية رغم أنه يحاول إفهام العبد العكس ، لو كان العبد واعياً لعرف أنه ليس بحاجة لسيد ، لكن أيضا لو عرف هذه الحقيقة لما كان عبداً. هذه الإحتياجات في زماننا هذا و مكاننا هذا تقع في خانة المصالح السياسية ولكي يُشبع السيد هذه الإحتياجات كان بحاجة دائمة لإفهام العبد أنه تحت طائلة العقوبة إن هو خرج عن طاعته مثلما هو أهل للثواب إذا رضي عنه و قد يقضي العبد حياته كلها بلا ثواب كان ينتظره على شكل كهرباء أو حصة تموينية أو وقود تدفئة ظناً منه أنه لابد أن يكون قد قصر في دفع المعلوم للسيد و إبداء الطاعة و الولاء اللازم له فحُرم منها وقد يتقبل الجوع و المرض و موت أبنائه في حروب طائشة و هو راض مطمئن لأنه يكفر بذلك عن عقوبة استحقها نتيجة تقصيره ، و نتيجة لشعوره الدائم بالدونية و التقصيرغالبا ما يبالغ العبد من تلقاء نفسه و دون طلب من السيد فيزحف على بطنه لا للوصول إلى قدمي السيد الشريفتين لكن للوصول إلى جدارية تحمل صورته .
عندما ألغى الخالق كل حلقات الوصل بينه و بين عباده عرف الإنسان معنى الحرية لأنها تعني السعي نحو اكتشاف حقيقة الله بالعلم و المعرفة دون وسطاء و بذلك يقوم بدوره في إعمار الأرض الذي استخلف عليها ، العلم و المعرفة إذن هي أساس خراب بيوت السادة ، فكان لابد لهم من محاربة العلم بإختراع وسائل جديدة دينية و دنيوية تعيد لهم دور الوساطة .
لكي يحصل العبيد على حصة تموينية كاملة غير منقوصة لا بد أن يرضى السيد عن الحكومة التي تتولى أمر هذه الحصة و يباركها و هكذا لم يجد العبيد أمامهم إلا الطاعة و القبول بحكومة يباركها السيد فيحصلوا على حصة حلال ، مباركة و مزورة و عندما لا يحصلون عليها يجب أن يلوموا أنفسهم المذنبة المقصرة لا السيد و حكومته المتشكلة بإرادة إلهية
كم من القرون إحتاج الإنسان مؤمناً كان أم ملحداً ليعرف أنه ليس بحاجة لسيد من بني جنسه ؟ و كم من العبيد اليوم يستطيعون الإقلاع عن طاعة إنسان مثلهم اتخذوه سيداً لا لعلمه بل للون عمامته ؟ و لكن كم من المتظاهرين و المعتصمين الذين يفترض أنهم يمثلون طليعة الشعب الواعية يستطيعون الخروج عن طاعة السيد إذا خذلهم في مطالبهم و كم منهم سيقول أن السيد يعرف ما لا نعرف و هو دائما على حق حتى لو بدا لنا عكس ذلك ؟
كلما اقترب العبيد من فوهة النفق المؤدي الى الخارج ، الى الحرية ، وجد السادة طريقة لإعادتهم لبيت الطاعة طالما أنهم لم يبرأوا من عقدة السيد . بسبب وحدة المصالح تجمّع السادة في سفينة واحدة لذلك فإن المتظاهرين الغاضبين على حكومة تحظى بمباركة سيد يمكن امتصاص غضبهم بسيد آخر يحول رياح غضبهم لما تشتهي سفينة السادة
بإسقاط السؤال القديم حول ما إذا كانت الدجاجة من البيضة أم العكس أو من الذي صنع الآخر السيد أم العبد على واقعنا المعاش لا تبدو الإجابة عليه عسيرة و قد يكون لشعبنا ( المظلوم ) السبق بتفسير هذه الظاهرة الإجتماعية . على مر التاريخ و على اختلاف المعتقدات كان هناك دائماً من يريد أن يكون سيداً مادام هناك من يرضى أن يكون عبدا . الإنسان الحر ليس بحاجة لسيد ، السيد هو من يحتاج لأناس يجعل منهم عبيدا و وعي العبد لهذه الحقيقة يخرجه من خانة العبيد فيقلع عن عاداته السيئة ، سيتوقف عن الزحف على بطنه أولاً ثم يقف على قدميه و ينفض ملابسة ليلوي ذراع السيد و ينتزع السوط منها . موازنة قلقة قد لا يطول قلقها.
كاتب من العراق
