فادي السمردلي يكتب: الرؤية الملكية للاقتصاد بين وضوح القيادة وتحديات التطبيق
بقلم فادي زواد السمردلي …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
تشهد الدولة في السنوات الأخيرة حراكاً إصلاحياً اقتصادياً غير مسبوق، يقوده الملك شخصياً، مستنداً إلى رؤية واضحة تهدف إلى تطوير الاقتصاد الوطني، وتنويع مصادر الدخل، وجذب الاستثمار المحلي والأجنبي فهذه الجهود الطموحة تتجسد في سياسات استراتيجية تهدف إلى تحديث البنية الاقتصادية، وتطوير التشريعات لتتماشى مع المعايير العالمية، وتعزيز بيئة الأعمال بما يضمن استقراراً وثقة للمستثمرين فرؤية الملك تمثل خارطة طريق طموحة، تسعى لتأسيس اقتصاد قادر على مواجهة تحديات المستقبل وتوفير فرص حقيقية للنمو والازدهار.
لكن على الرغم من وضوح الرؤية الملكية وصرامة التوجيهات، هناك فجوة ملحوظة بين الطموح الذي تقوده القيادة العليا وبين الواقع التنفيذي على الأرض فبعض الجهات والمؤسسات التنفيذية لا تزال تعمل وفق أنماط بيروقراطية قديمة، أو تتأثر أحياناً بالضغوط والنفوذ، مما يخلق تعارضاً بين الأهداف المعلنة والسلوك الإداري الفعلي فهذه الفجوة ليست مجرد أخطاء فردية، بل هي انعكاس لخلل مؤسسي أعمق، يمكن أن يقوض مصداقية السياسات ويضعف الثقة بالبيئة الاقتصادية، سواء لدى المستثمرين المحليين أو الأجانب.
إن المستثمر، بطبيعته، يبحث عن منظومة واضحة ومستقرة تتيح له اتخاذ قرارات طويلة الأجل بثقة وعندما يلاحظ وجود تناقض بين ما يُعلَن رسمياً وبين ما يُطبَّق، يبدأ القلق في التسلل إلى حساباته فالإشارات السلبية، حتى وإن كانت غير معلنة، يمكن أن تكون أكثر تأثيراً من العقبات الرسمية، لأنها تثير حالة من عدم اليقين تجعل المستثمر يعيد تقييم استثماراته أو يؤجل قراراته وبالتالي، يمكن أن يتحول هذا التناقض إلى عائق أمام جذب الاستثمارات وتحقيق النمو المرجو من الإصلاحات.
أمام هذا الواقع، يصبح الإصلاح الاقتصادي بقيادة الملك غير مكتمل إذا لم يترافق مع إصلاح مؤسسي عميق يضمن اتساق الأداء التنفيذي مع التوجيهات العليا فالتنمية لا تُبنى فقط على المشاريع الكبرى والخطط الاستراتيجية، بل تُبنى أيضاً على تحديث ثقافة المؤسسات، وضبط ممارسات النفوذ، وربط المسؤولية بالمساءلة بشكل واضح وشفاف فالمؤسسات التي تتمتع بانضباط داخلي ووضوح في الصلاحيات تصبح أكثر قدرة على ترجمة الرؤية الملكية إلى واقع ملموس، وأكثر جاذبية للمستثمرين الذين يبحثون عن استقرار وشفافية.
كما أن المساءلة الحقيقية تعد عنصراً أساسياً في سد الفجوة بين الطموح والتنفيذ فالمساءلة ليست أداة عقاب، بل وسيلة لضمان الالتزام، وحماية المنظومة من التجاوزات، وضمان انسجام الأداء اليومي مع أهداف الدولة فعندما تُطبَّق المساءلة بشكل منتظم وعادل، يزداد التزام المؤسسات بالقوانين والتوجيهات العليا، ويصبح السلوك التنفيذي انعكاساً مباشراً للرؤية الملكية، مما يعزز الثقة ويخلق بيئة مستقرة وجاذبة للاستثمار.
الأمر لا يتوقف عند المستثمرين فحسب، بل يشمل المواطن أيضاً، الذي ينتظر أن يرى نتائج ملموسة للجهود الإصلاحية، سواء في فرص العمل، أو في جودة الخدمات، أو في استدامة الاقتصاد فغياب الانسجام بين الطموح والتنفيذ لا يضر بالاقتصاد فقط، بل يضعف الإحساس العام بالعدالة والكفاءة المؤسسية، ويجعل الإنجازات الكبرى عرضة للنقد أو التشكيك.
في المحصلة، جهود الملك الاقتصادية تمثل نقطة انطلاق حقيقية نحو مستقبل أكثر ازدهاراً، لكنها تواجه اختباراً أساسياً في مدى قدرة المؤسسات على ترجمة الطموح إلى تنفيذ فعلي وملموس فسد هذه الفجوة يتطلب وضوحاً مؤسسياً، وإصلاحاً إدارياً عميقاً، وربط كل مستوى من مستويات التنفيذ بالمساءلة والشفافية وبهذا الشكل، تتحول الرؤية الملكية من مجرد طموح إلى واقع اقتصادي حقيقي ومستدام، يعزز الثقة ويجذب الاستثمار ويؤسس لنمو مستدام ينعكس على كافة جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الدولة.
الكاتب من الأردن