حنين أردني لبقاء «خلطة المئوية الأولى»: تعديلات الدستور بين «نعم ولا» والرواية «المضادة» تتوسع

الشرق الأوسط نيوز : يمكن ببساطة عند مراقبة المشهد السياسي الأردني، تسجيل الملاحظة التالية: لا يظهر في الإعلام أو علناً أصدقاء أو حلفاء أو مروجون على الأقل من الوزن الثقيل والمتوسط، سياسياً وإعلامياً، لحزمة التعديلات الدستورية الأخيرة، رغم أن الحكومة تروجها على أساس أنها عتبة لولوج المستقبل الأفضل.
في المقابل، يزخر المشهد الإعلامي والسياسي، وبمستوى أدنى البرلماني والشعبي، بكل أنواع الاعتراض والملاحظة والاحتجاج على بعض تلك التعديلات الدستورية، وحصرياً على أهمها، بعدما تجاوزت قانوني الأحزاب والانتخابات في اتجاه تأسيس سلطة دستورية جديدة رابعة تنضم إلى دائرة الإجراء والواقع باسم مجلس الأمن القومي الجديد.
ما حصل باختصار، وحتى في رأي المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة، هو دسترة أمر واقع كان موجوداً لكن بطريقة أثارت الجدل.
لا يوجد عناصر اشتباك تمثل الصوت الخارجي أو حتى السفارات الغربية، التي تدعم الإصلاحات في الأردن بالعادة في سياق حتى التعليق على التعديلات الدستورية الأخيرة، ومن الملموس على سطح الحدث رصد الاعتراضات مقابل عدم وجود شخصيات أو رموز سياسية تدعم بصورة واضحة ما يعترض عليه المعترضون.
تلك مسألة ينبغي التوقف عندها في رأي سياسي وبرلماني عريق ومخضرم ناقشته «القدس العربي» عدة مرات، مثل الدكتور ممدوح العبادي، الذي يحتفظ بتقدير موقفه بأمله في أن ترد تلك التعديلات غير المبررة من قبل المؤسسة الملكية ولا يصادق عليها.
في كل حال، رواية وسردية الحكومة في هذا المسار، رغم النقلة الكبيرة التي تنجزها أو تغيرها تعديلات الدستور الأخيرة، لا حاضنة لها في المجتمع، لا بل لا نشاط حقيقياً في الرد والاشتباك على السردية المضادة، لا من قبل الإعلام الرسمي ولا من قبل أعضاء مجلس الوزراء، وعلى نحو ملموس أيضاً لا دور للنواب والأعيان الذين شرعنوا تلك التعديلات الدستورية مع الجمهور، الأمر الذي يشكل معطيات غريبة جداً توحي بأن ما حذر منه خبير مثل الدكتور محمد الحلايقة مبكراً، أصبح واقعاً موضوعياً، وهو أن برمجة مشاورات وثيقة تحديث المنظومة السياسية لم تتضمن للأسف، وبتحليل الحلايقة، الحرص والسهر على حاضنة اجتماعية.
لكن بوضوح، لا يوجد اليوم حاضنة حتى نخبوية مما يبقي هذه التعديلات -على أهميتها – في سياق جدل «ضار» قد يتحول إلى جدل «سام» إذا لم يحصل استدراك وتدشن الحكومة ورشة عمل حقيقية لشرح الخلفيات والأسباب، ولتقديم سردية مقنعة للناس، وهو ما لا يحصل حتى الآن؛ حيث الرواية المضادة التي تتبنى «لا» صلبة ومتماسكة، والرواية الحليفة برسم «نعم» نادرة وقليلة وضعيفة التأثير.
وضع غريب جداً سببه صفة الاستعجال التي قال سياسيون كبار من بينهم رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، إنها صفة لا يدركون سبباً لها إلا إذا كانت الدولة العميقة لديها أسباب وجيهة مع الحكومة، أو إلا إذا قررت الدولة -على حد تعبير القيادي المعارض الشيخ مراد العضايلة- أن ترقص وحدها في عرس المنظومة والتعديلات، وتستأثر بالمشهد والمسرح والسلطة.
تظهر الرواية المضادة بقوة، ولا تبذل الحكومة ولا الأدوات الاستشارية حتى في مؤسسات سيادية أخرى جهداً يلمسه المراقب، والصوت الأعلى حتى مساء يوم الأربعاء هو صوت الرواية المضادة الذي توازيه بنشاط سلسلة لا نهاية لها من المخاوف والهواجس الوطنية، حيث تجريف مجمل الوعي السياسي والمضمون والمحتوى في رأي الناشط والقانوني عمر العطعوط، وحيث تغيير لا يفهم الأردنيون أسبابه يطال عنصر الاستقرار الأساسي في المئوية الأولى في الدولة، كما ألمح الروابدة علناً.
تلك المخاوف وسيناريوهات الهواجس تدفع في اتجاه اهتزازات ارتدادية متعددة سياسياً، لم يكن آخرها اجتماعات حراكية في المحافظات والمناطق وبين بعض أبناء العشائر، بل كان ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في سقف النقد والمساس أحياناً بما كان يعتبر في وجدان الأردنيين دوماً ثوابت وخطوطاً حمراء.
المخاوف تحذر بالجملة من عدم وجود أسباب حقيقية للمساس بـ»الخلطة» المألوفة في تاريخ المئوية الأولى للأردنيين، التي صنعت الدولة والتجربة والبلاد، وجعلت دوماً مشروع الدولة والنظام بمثابة التعبير الوحيد عن الهوية السياسية لأغلبية الأردنيين.
طبعاً، التغيير الذي تفرضه وتتطلبه المنظومة والتعديلات الدستورية الأخيرة كبير جداً واستثنائي ومفصلي، ومن الطبيعي مادام حكم بالاستعجال والتسرع، ألا يهضمه الشارع أو لا تفهمه الأغلبية لا بل لا تقرأه أيضاً وهي تحتج أو تعترض، في رأي القطب البرلماني خليل عطية.
فوبيا «الخلطة» التي أسست لمئة عام في عقد اجتماعي يعرفه الجميع، هي محرك الهواجس والمخاوف الأساسية.
هنا تحديداً، يلتقط أكبر أحزاب المعارضة وبجملة مسيسة تكتيكية، مفارقات اللحظة الراهنة؛ فيعلن أمينه العام الشيخ العضايلة حالة تنصل من حفلة أو عرس تحديث المنظومة تحت عنوان ولادة خارج الرحم تحاول إجهاضها الدولة العميقة، وتحت عنوان الانسحاب من حالة إضفاء الشرعية على مخرجات المنظومة، التي قال العضايلة لـ«القدس العربي» عدة مرات، إنها انحرفت عن المسار جراء التزيد السياسي في وصفة التعديلات الدستورية. غياب الخلطة، وبالنتيجة ومن باب التحليل، مسألة لا يمكن التعامل معها ببساطة أو تسطيح، فالمتحدثون باسم التعديلات والمستقبل هم الأقل الآن.
والمعارضون الملاحظون والمتحفظون في حالة سيطرة أو سطو على الميكروفون، ومستوى التشكيك كبير، لكن الطاقم الموجود في السلطة لا يبدو أنه متمكن حتى اللحظة من صياغة رواية أو سردية تسهم في تبديد ولو بجزء من التشكيك، مما لا يعني مجدداً إلا حقيقة متكررة بدأت تتسم بالديمومة، وعنوانها: «أزمة الأدوات تضرب مجدداً».

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا