لبنان يستعد لجولة محادثات أخرى مع «صندوق النقد الدولي» للحصول على دعم
الشرق الأوسط نيوز : يبدأ لبنان و»صندوق النقد الدولي» اليوم الإثنين محادثات عبر الإنترنت بهدف التوصل إلى اتفاق مبدئي مع الصندوق للحصول على دعم مالي لإنقاذه من أزمة اقتصادية ومالية حادة تعصف بالبلاد منذ أواخر 2019. وقال الصندوق في ديسمبر/كانون الأول إنه يقوم بتقييم مدى دقة وتأثيرات خسائر قدرها 69 مليار دولار أعلنها مسؤولون لبنانيون خسائر في النظام المالي في البلاد. غير أنه لم يتم الكشف بعد عن خطة تحدد كيفية التعامل مع هذه الخسائر وكيفية تحديد من يتحملها.
وتسببت الخلافات في لبنان حول حجم الخسائر وكيفية توزيعها في انهيار المحادثات مع صندوق النقد في عام 2020. وفي حينه رفض المصرف المركزي والبنوك والنخبة السياسية الأرقام التي تضمنتها خطة حكومية، دعمها صندوق النقد آنذاك، بشأن هذه الخسائر.
توزيع عادل للخسائر
وقال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في سبتمبر/أيلول الماضي أن خطة الانتعاش المالي التي تضعها حكومته ستتضمن توزيعا عادلاً للخسائر التي مني بها النظام المالي لكن الحكومة لم تجتمع منذ أكتوبر/تشرين الأول. وتعقد الحكومة اللبنانية اجتماعاً اليوم الإثنين لمناقشة ميزانية 2022، لكن لم يتم الكشف عن أي تفاصيل تتعلق بخطة الانتعاش.
أهم شروط نجاحها: إصلاح اقتصادي يشمل تسوية خسائر القطاع المالي
وانهار النظام المالي اللبناني في عام 2019 بعد عقود من الفساد والهدر في الدولة، وتحت وطأة طرق التمويل غير المستدامة للميزانية العامة. وكان ذلك نتيجة تباطؤ تدفقات العملة الصعبة إلى النظام المصرفي الذي أفرط في إقراض الحكومة.
وتقول مصادر سياسية أن العديد من الإصلاحات التي قد يطالب بها «صندوق النقد الدولي»، ومنها خفض الدعم وتوحيد أسعار الصرف المتعددة في النظام المالي اللبناني الذي تشوبه الفوضى، قد أصبحت حقيقة واقعة مع شُحّ العملة الصعبة.
وأمس الأول قال وزير الاقتصاد اللبناني، أمين سلام، أن «المفاوضات ستنطلق بعدما تم الانتهاء من مباحثات تحضيرية حول الأرقام التي طلبها صندوق النقد الدولي، بشأن حجم الخسائر في القطاعين المالي والمصرفي، أو ما يسمى بالفجوة المالية.»
وأشار إلى أن برنامج الاستدانة من صندوق النقد في المرحلة الأولى، في حال تم إنجازه، سيرصد ما بين 3 و 4 مليارات دولار. ولم يستبعد توسيع البرنامج لاحقاً وزيادة قيمة التمويل من الصندوق وقال «هذا مرتبط بمدى تطبيق الحكومة بالتزاماتها تجاه الصندوق».
وكان لبنان قد بدأ مناقشات مع صندوق النقد الدولي حول برنامج مساعدات في مايو/أيار 2020، لكنها جمدت في أغسطس/آب من نفس العام، قبل أن تنطلق من جديد مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بعد تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجيب ميقاتي. ويوم الأربعاء الماضي قالت «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان»، التي تضم الأمم المتحدة وحكومات دول عدة، أن إقرار الميزانية في لبنان من شأنه أن «يمهد الطريق للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي».
ومنتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال مدير التواصل في صندوق النقد، جيري رايس، في تصريحات صحافية، أن أية إستراتيجية للتعامل مع الخسائر المقدرة من قبل الحكومة اللبنانية، يجب أن تتقاطع مع تطبيق إصلاحات لإعادة الثقة وتعزيز الشفافية والحوكمة. وقال سلام في مقابلة أمس الأول أن الحكومة أنجزت خطة التعافي الاقتصادي وسيبدأ تنفيذها خلال مارس/آذار المقبل، على ضوء مشروع الميزانية العامة. وتتضمن الميزانية الجديدة «الكثير من الأرقام والتفاصيل التي تحتاجها خطة التعافي، كما ستشكل رؤية للمرحلة الاقتصادية المقبلة»، وفق سلام. وأضاف «الميزانية تتضمن أيضا مشاريع إعادة تفعيل القطاعات الحيوية، على رأسها قطاع الطاقة والنقل والاتصالات والانترنت، إلى جانب المرافق العامة كمرفأ بيروت والمطار ومشاريع أخرى».
وكان مصدر رسمي لبناني قد قال يوم الجمعة الماضي أن لبنان سيطبق سعر صرف يتراوح بين 15 و20 ألف ليرة للدولار للنفقات التشغيلية في مشروع ميزانية عام 2022 في خطوة تبتعد كثيرا عن السعر الرسمي المستخدم سابقا وهو 1500 ليرة.
وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها منذ انزلاق البلاد إلى أتون أزمة مالية في عام 2019. ولا يزال سعر الصرف الرسمي 1500 ليرة مقابل الدولار، في حين يجري صرف الليرة في السوق الموازية بسعر 23 ألف للدولار. ويعتمد لبنان بشكل كبير على الواردات بما في ذلك الوقود لشركة كهرباء لبنان التي تديرها الدولة.
توحيد سعر الصرف
ويعتبر توحيد سعر الصرف المتعدد المستخدم حالياً في لبنان إحدى توصيات وفد «صندوق النقد الدولي» والذي قال إنه يأمل توقيع اتفاق مبدئي بين يناير كانون الثاني وفبراير شباط.
واشتملت نسخة من مشروع الميزانية اطلعت عليها رويترز على إيرادات متوقعة قيمتها 39.15 تريليون ليرة وإنفاق متوقع بقيمة 49.42 تريليون ليرة. كما توقعت أن تبلغ نسبة العجز فيها 20.8%.
ويمر لبنان في خضم واحدة من أشد أزمات الكساد الاقتصادي في العالم على حد وصف البنك الدولي.
وقال مايك عازار المستشار المالي وأستاذ الإقتصاد السابق في جامعة جون هوبكنز «يبدو أن ميزانية لبنان وثيقة قائمة بذاتها في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى خطة استقرار اقتصادية أوسع». وقال «فهم خطة الحكومة في ما يتعلق بالسياسة النقدية السمتقبلية وإعادة هيكلة النظام المالي والمصرف المركزي تعد جوانب محورية لا نملك أي معلومات عنها حتى الآن».
وتضمن مشروع الميزانية سُلفة لمؤسسة كهرباء لبنان بحد أقصى 5.25 تريليون ليرة. ووفقا للمسودة فإن السلفة ستُقدم لتسديد عجز مشتريات الوقود وتسديد فوائد وأقساط القروض.
وكبدت الكهرباء في لبنان الخزينة العامة مليارات الدولارات لسنوات تضاف إلى جبل الديون الذي دفع لبنان إلى أزمة مالية طاحنة. ولا تكفي الكهرباء المتاحة حاليا إلا لبضع ساعات في أمس في أحسن الأحوال.
وفي سياق آخر، أعلن وزير الاقتصاد انتهاء أعمال إخلاء محيط صوامع الحبوب في مرفأ بيروت، التي دُمرت جراء انفجار 4 أغسطس/آب 2020، تمهيداً لهدمها ومن ثم إعادة بنائها. ولفت إلى اكتمال أعمال إزالة ومعالجة أطنان القمح والذرة، التي كانت مبعثرة في محيط الصوامع منذ وقوع الانفجار «على أن تبدأ قريباً مرحلة هدم المبنى الذي يعود تاريخ إنشائه إلى 1969 بسعة 120 ألف طن. وسيلي ذلك، وفق سلام، مرحلة إعادة الإعمار بتمويل منحة قدمها «الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية» قيمتها نحو 22 مليون دولار. وأدى انفجار المرفأ إلى مصرع أكثر من 200 شخص وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، فضلاً عن أضرار مادية هائلة طالت مساحات واسعة من العاصمة اللبنانية.
المصدر : وكالات