هل استعاد برشلونة بريقه وألقه بالفعل؟

الشرق الأوسط نيوز : بعد ما يقارب سبع سنوات من التخبط محلياً وقارياً بدأ المشجع الكتالوني بملامسة بصيص واضح وجادّ من الأمل الذي يبشر بمستقبلٍ واعد للنادي. فعلى غرار السنوات القليلة الماضية، تشعر وكأن الفريق الحالي صاحب هويةٍ وشخصية. وفي خضم هذا النجاح لا بد من الاطلاع على أبرز الخطوات التي ساهمت في نهضة الفريق وانقاذه من الركام الذي عاش تحته في سبات لفترةٍ طويلة.

بدأت مرحلة التغيير عندما استعاد جوان لابورتا الرئيس الأسبق للنادي منصبه في مارس/آذار 2021، حيث اتخذ سلسلة من الخطوات المهمة في الجانب المالي والكروي. فكان أول وأبرز قراراته انتداب المدير الرياضي العبقري ماتيو أليماني، المفاوض الشرس، وصاحب النظرة اللماحة في مواهب المستديرة. وبدأت الإدارة باتباع برنامجٍ إصلاحي لتحسين الوضعية المالية للنادي الذي شارف على الإفلاس في مرحلةٍ معينة خلال فترة الجائحة. فعند انتهاء الموسم بدأت الإدارة بتنظيف الفريق من اللاعبين الذين أتوا بغرضٍ دعائي وتسويقي وليس بغرض قيمتهم الفنية والكروية، أمثال كوتينيو وغريزمان، ولم يصلوا إلى مستوى تطلعات الجماهير. كما عملت الإدارة الجديدة على تخفيف رواتب جميع اللاعبين، خاصة أصحاب التأثير المحدود في الملعب كما أومتيتي، واستلفت قرضا بنكيا ضخما، يهدف لتعديل وضعية النادي المالية من «غولدمان ساكس»، وصلت قيمته لحوالي 500 مليون يورو.
لكن الإدارة الجديدة لم تحسن التصرف في موقفين مهمين. الأول هو القبول برحيل أسطورة النادي التاريخية ليونيل ميسي الذي ما زالت تفاصيل رحيله عن قلعة الكتالان غامضةً بعض الشيء، والزمن سيكشف ما الذي حدث بالضبط في هذه القضية التي لن ينساها أي عاشق للفريق الكتالوني خاصةً وأن حملة لابورتا الانتخابية والتي فاز على أساسها بنيت على وعودات تجديد عقد النجم الأرجنتيني. والخطأ الثاني للإدارة الجديدة كان التأخر في تعيين تشافي هيرنانديز على رأس الطاقم التدريبي. حيث استمر الفريق مع مدربه الهولندي رونالد كومان في بداية الموسم، والذي قدم أداءً متذبذباً منذ الموسم الماضي ومع بداية الموسم الحالي.
لكن الإدارة تداركت خطأها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث وقعت مع مدرب السد القطري السابق. لكن القرار جاء متأخراً بعض الشيء، حيث خسر برشلونة حينها العديد من النقاط في الدوري المحلي وسقط إلى الدوري الأوروبي بعدما أنهى مجموعته في دوري الأبطال في المركز الثالث. وعند مجيء تشافي بدأت مرحلة تعرفه على لاعبيه الجدد التي استغرقت حوالي شهرين ما أدى إلى الخروج من كأس الملك والكأس السوبر. لكن السوق الشتوية كانت العلامة الفارقة في فريق تشافي الحالي، فبعد التعاقد مع أداما تراوري وداني الفيش وفيران توريس وأوباميانغ تغير شكل الفريق بصورةٍ ملحوظة. حيث تغير الخط الأمامي بأكمله وازدادت فعاليته وتأثيره أمام مرمى الخصم.
اليوم، يقبع برشلونة في المركز الثاني في الدوري الإسباني، وهو خلف المتصدر ريال مدريد بـ12 نقطة، وما زال يملك مباراة مؤجلة. لكن عند استلام تشافي كان فريق الكتالان يقبع في المركز التاسع بـ18 نقطة وبفارق 12 نقطة عن المتصدر ريال مدريد. ما يؤكد على المجهود الجبار الذي بذله المدرب الإسباني للنهوض بالفريق. فبرشلونة اليوم هو صاحب الفورمة الأفضل بين أندية القارة الأوروبية، إذ لم يخسر في آخر 15 لقاء. كل هذا لم يأت من فراغ، إذ عمل تشافي على سلسة خطوات إصلاحية في الفريق ككل على غرار التعاقدات، كان أبرزها إعطاء الفرصة لجميع اللاعبين والتدوير المستمر في التشكيلة، مع الإبقاء على أعمدة الفريق. زيادة وتيرة وسرعة وحدة التدريبات والعمل على تطوير الجانب البدني للاعبين ليتماشى مع أسلوبه الذي يتطلب الضغط المستمر على حامل الكرة وإغلاق زوايا التمرير فور خسارة الكرة. العمل على الجانب النفسي وبث الروح والثقة في كافة اللاعبين. ونرى في قضية عثمان ديمبيلي خير مثال، حيث لم ترض الإدارة إشراكه حتى نهاية الموسم بسبب رفضه تجديد عقده وهو الذي يريد الخروج مجاناً بعد نهاية الموسم، ما سبب غضباً للإدارة والجماهير نظراً لتكاليفه العالية ومكوثه في غرف العلاج أكثر من فترة مشاركته على العشب الأخضر. لكن تشافي بث فيه الثقة وأعطاه الفرصة ليخرج منه مستواه الأفضل منذ أتى إلى الفريق في 2017. كما أعطى ثقته للمهاجم المخضرم أوباميانغ الذي خرج من فريقه السابق أرسنال على خلاف مع مدربه، إذ سجل 10 أهداف في 41 مباراة حتى الآن. كما عمل تشافي على استعادة مستوى الحرس القديم الذين لعبوا معه والذين بدأوا يفقدون بريقهم مع اختلاف المدربين خلال السنوات الماضية كبوسكيتس وبيكي وجوردي ألبا.
أما من الناحية الفنية فعمل تشافي على تسريع دوران الكرة في ارضية الملعب وتوسيع رقعة اللعب وإعادة احياء هوية النادي التي أسسها الراحل يوهان كرويف الـ«تيكي-تاكا» والمتمثلة في التمريرات السريعة القصيرة، خصوصاً في المساحات الضيقة للخروج من ضغط الخصم. لكنه قدمها بصورة أكثر عصرية لتتماشى مع أسلوب الكرة الحديثة في الملاعب الأوروبية بحيث دمجها مع نظرته الشمولية الجديدة وأسلوبه في رؤية أرضية الميدان، وابتعد الفريق عن الأسلوب الممل وأصبح ينوع في طرق مفاجأة الخصم. كما عمل على الضغط على حامل الكرة بهدف استرجاعها بأقصر فترة ممكنة، عاكساً بذلك تركيزه على الكرة الشاملة واللعب بنسب استحواذٍ عالية.
كل هذه الخطوات انعكست بالإيجاب على أداء الفريق الذي أصبح لا يهاب المواجهات خارج ميدانه، ويقلص النتيجة عند التعثر، ويقدم أداءً مقنعاً ومميزاً تحت الضغط وأمام الفرق الكبيرة. حيث كان آخرها النتيجة التاريخية في العاصمة المدريدية في ملعب «سنتياغو بيرنابيو»، حين تغلب برشلونة على غريمه التاريخي ريال مدريد 4-0. كما تستمر الإدارة في محاولة إصلاح الوضعية المالية للنادي، إذ أُعلن مؤخراً عن اتفاق رعاية طويل الأمد مع شركة «سبوتفاي» لقميص وملعب النادي، يبدأً من الموسم المقبل، بقيمة 280 مليون يورو لأربعة مواسم، وبنحو 70 مليونا في العام الواحد. كل هذه الإنجازات التي حققتها الإدارة الجديدة في زمن قياسي، رغم أخطائها في بعض المحطات، تبشر بمستقبل مضيء للفريق الكتالوني الذي أعلن الشهر الماضي أنه عاد بالفعل للواجهة الأوروبية وعن جهوزيته لمقارعة كبار القارة مع بداية الموسم المقبل.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا