نجيب ليان: الفساد استشرى بعد استلام أزلام الحكام مراكز في لبنان ولا نتيجة لمليون تدقيق جنائي
الشرق الأوسط نيوز : يبدو أن القاسم المشترك في برنامج معظم المرشحين إلى الانتخابات النيابية في 15 أيار/مايو هو بند محاربة الفساد، فيما التباين الرئيسي هو على مواجهة مشروع حزب الله حيث تنقسم اللوائح بين من يرفع راية الدفاع عن المقاومة وسلاحها وبين من يرفع راية بناء الدولة والسيادة وحصر السلاح بيد الشرعية وحدها.
واذا كان العديد من المرشحين التغييريين الجدد الذين يتبنون شعار محاربة الفساد غير ملمين بأكثر من هذا العنوان، فإن قلة من بينهم أجرت دراسات معمقة حول هذه المسألة وسبق أن قدمت دراسات حول مفهوم الفساد وكيفية الوصول إلى تطبيق استقلالية القضاء، وبين هؤلاء المرشح عن المقعد الكاثوليكي في دائرة بيروت الأولى المحامي نجيب ليان الذي يصف الفساد حسب تعريف البنك الدولي بأنه “شكل من أشكال خيانة الأمانة يرتكبها شخص أو منظمة يُعهَد إليها بمركز سلطة من أجل الحصول على منافع غير مشروعة أو إساءة استخدام تلك السلطة لصالح الفرد ويؤدي إلى هدر للمال العام إن عن طريق الاختلاس أو انخفاض الكفاءة في عمل المشاريع الحكومية”. ويحدد ركائز دولة القانون بالآتي:
العدالة (محاكم تفسر القوانين)
اليقظة (شرطة تطبق القوانين)
الشفافية (إدارة تخضع للقانون)
المساءلة (مواطنون يلتزمون بالقوانين)
ويحدد ركائز الفساد الممأسس كالآتي:
الظلم (يحل محل اللجوء إلى المحاكم)
التراخي (شرطة لا تطبق القوانين)
التعتيم (موظفون عموميون يستغلون مواقعهم الإدارية)
عدم المساءلة (مواطنون لا يخضعون للعقاب)
وقد أجرت “القدس العربي” حواراً مع المحامي ليان حول قضايا الفساد وجدوى تأليف هيئة لمكافحة هذه الآفة اضافة إلى رأيه في رفع السرية المصرفية والملاحقات القضائية ومخاطر إقرار “الكابيتال كونترول” على الشكل الآتي:
*نسمع تبادل اتهامات حول الفساد في لبنان، أين تكمن مجالات الفساد وما هي القطاعات التي استنزفت خزينة الدولة اللبنانية؟
– بعد توقيع اتفاق الطائف، دخل أمراء الحرب إلى الدولة وجلبوا معهم طريقة تفكير تبدي المصالح الخاصة الحزبية والفئوية والطائفية على المصلحة العامة وباتوا يستعملون موارد الدولة لتلبية حاجات بيئاتهم الخاصة. وقد عزز ذلك النظام الطائفي ونظام الإقطاع، فاستشرى الفساد في القطاع العام بعد أن استلم أزلام الحكام مراكز في الدولة لم يكن لهم الكفاءة لاستلامها. مع الوقت، فقدت دولة القانون ركائزها الأربعة وتحول الفساد من فساد عادي إلى فساد ممأسس (corruption institutionalisée) طال كافة شرائح المجتمع. والفساد الممأسس هو نقيض دولة القانون ويقوم أيضاً على 4 ركائز هي عكس ركائز دولة القانون. وهذا ما شل جميع مرافق العمل في البلد وكانت أقصى نتائجه وجود نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت وانفجاره والأزمة المالية والاقتصادية التي نشهدها.
أما الهدر فهو أكبر من الاختلاسات. ويوجد عدة أسباب أدت إلى الهدر أهمها:
قطاع الكهرباء
سياسة تثبيت سعر الصرف (peg) التي لم ترتبط بمؤشرات أداء اقتصادية (indices de performance)
سلسلة الرتب والرواتب التي طالت أشخاصاً خارج الملاك.
الحرب في سورية.
*شكل مجلس الوزراء هيئة وطنية لمكافحة الفساد هل بالهيئات وحدها نحارب هذا الآفة؟
-إن المجالس وتعددها هي أفضل وسيلة لإغراق الملفات وحجب دور القضاء وحرمان الناس من الوصول إلى العدالة والحقيقة، يجب الركون إلى قرارات المحاكم.
*إلى أي مدى يساهم رفع السرية المصرفية في كشف الفاسدين والإثراء غير المشروع؟
– صفر، لأنه يمكن تأمين الشفافية دون رفع السرية المصرفية كما يمكن العمل في الظلام ومخالفة القوانين بالرغم من رفع السرية. إن عناصر تأمين الشفافية لا ترتبط بالسرية المصرفية إن كانت غير مطلقة.
*هل كل من شارك في السلطة هو فاسد وأين أنت من شعار كلن يعني كلن؟
-معظمهم، ويجب احترام قرينة البراءة والركون إلى قرارات المحاكم.
*كيف نظرت إلى التحقيقات التي أجرتها القاضية غادة عون والادعاءات بحق حاكم مصرف لبنان وعدد من أصحاب المصارف وشركة مكتف؟
-سياسية بامتياز، ويجب على هيئة التفتيش القضائي أن تقوم بواجبها.
*ما هي الطريقة لاسترداد الأموال المنهوبة أو لاسترجاع الأموال المحولة إلى الخارج؟
– لقد تقدمت بمشروع قانون مفصل لذلك وهو موجود حالياً أمام لجنة الإدارة والعدل. لكن مجلس النواب الحالي لن يمرر قانوناً ينقل أكثرية النواب من ساحة النجمة إلى سجن رومية.
*ماذا عن التدقيق الجنائي ما هي ملاحظاتك عليه؟ وكيف ترى المسار الذي يسلكه؟
– إن أي تدقيق كفيل بكشف المخالفات في دولة القانون، لكن مليون تدقيق لن يأتوا بنتيجة في ظل الفساد الممأسس لأنه يطال الكل ويحصل بمشاركة الجميع.
*في النقاش الدائر حول الكابيتال كونترول وضمان الودائع تحت 100 ألف دولار ما هي نظرتك إلى المسألة وهل أنت واثق من ضمان حقوق المودعين؟ وكيف يجب توزيع الخسائر؟
– إن الكابيتال كونترول سوف يقضي على دور لبنان الخدماتي في الشرق الأوسط، بالأخص بعد التطبيع مع دولة إسرائيل. إن فكرة الكابيتال كونترول بحد ذاتها تؤدي إلى انعدام الثقة التي هي أساسية للنهوض الاقتصادي. لبنان ليس دولة صناعية أو زراعية. بوجود الكابيتال كونترول سوف تهاجر إلى بلاد أخرى في المنطقة العربية جميع المؤسسات التي تقدم خدمات دولية مميزة.
*في موضوع تفجير مرفأ بيروت كيف تنظر إلى تحقيقات المحقق العدلي القاضي طارق البيطار ولماذا برأيك تأخر صدور القرار الظني؟
– إن القضاء اللبناني غير مجهز للتعامل مع الفساد الممأسس الذي كانت أحد نتائجه انفجار المرفأ. حتى وإن وصل التحقيق إلى خواتم إيجابية، إدانة الفاعلين الحقيقيين ليست بمتناول اليد.
*ما تعليقك على الاتهامات التي تُساق في حقه حول تسييس الملف وعدم التركيز على من جاء بالنيترات إلى مرفأ بيروت وتركيزه على جانب الإهمال الوظيفي؟
– طارق بيطار هو من أشرف الشرفاء، وهو مستقل وخارج منظومة الفساد الممأسس ويعمل في الاتجاه الصحيح. وعمله هذا أدى إلى تهديده والتهويل ومحاولات الضغط عليه من قبل فريق سياسي هو المسؤول النهائي عن الانفجار مع منظومة الفساد الممأسس.
*أي مشروع لديك لتأمين استقلالية القضاء وإجراء التشكيلات القضائية؟ وهل وصل الفساد إلى القضاء نتيجة علاقة قضاة بمرجعيات سياسية؟
– لدي مشروع متكامل لمنح الحصانة المطلقة للقضاة وتأمين سرعة وشفافية المحاكمات، لكنه يحتاج إلى بضع ساعات للشرح التفصيلي. إن الفساد الممأسس يطال كافة شرائح المجتمع ويصبح حالة مجتمعية (phénomène de société) والقضاء لا يشكل استثناء عن باقي مؤسسات الجمهورية. من أجل الخروج من هذا الوضع يجب إعادة هيكلة النظام القضائي وتأمين حصانة القاضي أولا من ثلاثة جوانب:
حصانة شخصية
حصانة مالية
حصانة المركز (inamovibilité)
*ما هي نظرتك إلى الاستدعاءات التي تطال أشخاصاً بسبب تعبيرهم عن آرائهم سواء أكانوا إعلاميين أم أصحاب رأي؟
-هذا مخالف للدستور وعلى القضاء التحرك لردع المخالفين، وإن كل التجاوزات التي تحصل تدخل في نفس حلقة الفساد الممأسس.
المصدر : القدس العربي