هل يأخذ ليفربول وصلاح بثأرهما المزدوج من ريال مدريد؟

الشرق الأوسط نيوز : أوفت جولة إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا بكل الوعود، بعدما استمتعنا جميعا باثنتين من أروع المباريات وأكثرها إثارة في البطولة الأكثر مشاهدة وشعبية في كل أرجاء العالم، بدأت بريمونتادا ليفربول أمام مضيفه فياريال في سهرة ثلاثاء «لا سيراميكا»، التي انتهت بفوز عملاق البريميرليغ بثلاثية مقابل اثنين، واختتمت بريمونتادا أخرى «لا يُنصح بها لأصحاب القلوب الضعيفة»، دونها نادي القرن الماضي ريال مدريد في قلعته «سانتياغو بيرنابيو»، بقلب الطاولة على مانشستر سيتي في الأمتار الأخيرة، من تأخر بهدف نظيف إلى انتصار سيُحكى عنه في التاريخ وصل قوامه لثلاثة أهداف مقابل هدف، ليضرب الميرينغي بقيادة مدربه كارلو أنشيلوتي، موعدا مع ليفربول بذكريات انتقامية مزدوجة، تعود جذورها لمنتصف العقد الأول في الألفية الجديدة، وليس في نهائي كييف 2018 كما يعتقد البعض.

العراب العجوز

عندما أعلن رئيس الريال فلورنتينو بيريز، تعيين السيد كارلو أنشيلوتي، مدربا لمشروع العقد، بعد اعتذار زين الدين زيدان عن عدم استكمال العام المتبقي في عقده، لم يخطر في أضغاث أحلام أكثر المتفائلين من جمهور وعشاق النادي الملكي في كل قارات العالم، أن يأتي شهر مايو / أيار، ويكون العراب الإيطالي وفريقه في هذه الوضعية، كأبطال للثنائية المحلية (الكأس السوبر الإسباني والليغا رقم 35). وقبل هذا وذاك، انتزع بطاقة اللعب على الكأس ذات الأذنين الرابعة عشرة، بعد رحلة شديدة الوعورة، تخطى خلالها الملكي طرق وحواجز تفوح منها رائحة اللغم الكروي، بداية من اللحظة الأولى الفارقة، في ما تُعرف بفضيحة شيريف تيراسبول المولدوفي، ذاك النادي المغمور، الذي وضع علامة اللوس بلانكوس على المحك في ثاني مواجهات مرحلة المجموعات، التي خسرها الميستر ورجاله بنتيجة 2-1، وعلى عكس الموجة الساخرة، التي كانت تروج لفكرة انتهاء هيبة وكبرياء النادي على الصعيد القاري، ليس فقط لضعف الإنفاق واستمرار السياسة التقشفية، بالاكتفاء بضم ديفيد آلابا وكامافينغا وإعادة بعض المعارين، بل أيضا لانخفاض معدل الجودة في جُل المراكز، إما لخروج أو تقدم نجوم العاشرة في السن، أو عدم استبدالهم بأسماء حتى بنصف الجودة، جاء الرد العملي، بسلسلة من الانتصارات لم تتوقف إلا مع صافرة نهاية الدور الأول، قبل أن يُرسله القدر إلى الطريق الذي لا يتمناه ولا يُريده أحد، بمقارعة صفوة المرشحين للفوز بالبطولة، كان أولهم باريس سان جيرمان المرصع بالنجوم والأساطير، إثر قرار نادر، بإلغاء نتائج القرعة الأولى، التي أسفرت في حينها عن وقوع الريال أمام بورتو البرتغالي، نتيجة لأخطاء فنية في اختيار وتوزيع الكرات في المراسم.
ورغم أن أغلب التوقعات والمراهنات كانت تصب في مصلحة الفريق الباريسي، خاصة بعد افتراس كريم بنزيمة ورفاقه في ذهاب «حديقة الأمراء»، الذي كان من الممكن أن ينتهي بحفلة أهداف وليس بهدف نظيف، لولا بسالة رجل اللحظات الفارقة تيبو كورتوا، لكن في الأخير، طغت شخصية وهيبة الملوك في إياب «البيرنابيو»، في ما عُرفت بعد ذلك بليلة الملك بنزيمة، بعد توقيعه على ثلاثة أهداف (هاتريك) في غضون ربع ساعة في الشوط الثاني، لتأتي مواعيد تسديد الديون القديمة، بأخذ الثأر الأول من تشلسي، بهاتريك آخر لكريم في معقل تشلسي «ستامفورد بريدج» في ذهاب دور الثمانية، ثم بالإطاحة بحامل اللقب في ليلة الثاني عشر من أبريل / نيسان، التي شهدت تقلبات وإثارة قلما نعيشها في عالم المركولة المجنونة، من اكتساح وهيمنة وتقدم بالثلاثة للبلوز، إلى قمة الجنون والإثارة، بعودة ماركة «روح الأسطورة خوانيتو»، بنفس سيناريو الانتقام الوحشي من مانشستر سيتي، في المحطة الأخيرة قبل الحصول على تأشيرة اللعب في نهائي «سان دوني» يوم 28 الشهر الجاري، ليتحول كارلو من ذاك المدرب الذي وصفه الإعلام والشامتين في «السوشيال ميديا»، بالعجوز الفقير فنيا وتكتيكيا، الذي تجاوزه الزمن، إلى «عراّب» الرابعة العشرة، وقاهر فلاسفة الكرة الحديثة ماوريسيو بوتشيتينو وتوماس توخيل وبيب غوارديولا، في انتظار ما سيفعله مع رابعهم يورغن كلوب في النهائي الانتقامي.

خطايا الفيلسوف

بالنظر إلى الأسباب الجوهرية التي قلبت المباراة والنتيجة رأسا على عقب مساء الأربعاء، سنجد أن أبرزها، القراءة غير الموفقة لبيب غوارديولا لأحداث الشوط الثاني. وبعبارة أخرى لم يتعلم من أخطاء البوش وتوخيل، بحشد القوة الضاربة والحفاظ على تركيز اللاعبين في الدقائق الأخيرة، وليس بالمبالغة في استعراض القوة والجودة على لاعبي الريال في أضعف لحظاتهم، بدليل ما فعله في الدقيقة 72، بإشراك إلكاي غندوغان على حساب كيفن دي بروين، مضحيا بالعقل الأكثر ذكاء والخيار القادر على معاقبة الملكي في أوقات الاندفاع إلى الأمام، وكان ذلك، في الوقت الذي أخذ فيه أنشيلوتي المخاطرة، بتعزيز خياراته وحلوله في الهجوم، بالدفع بالبديل الموفق رودريغو على حساب توني كروس، ثم ماركو أسينسيو وكامافينغا بدلا من الثنائي المخضرم لوكا مودريتش وكاسيميرو، هنا حدث الانقلاب أو التحول الكبير في سيناريو المباراة، بتحرر مدريدي أعاد إلى الأذهان ما حدث أمام «بي إس جي» والبلوز، قابله انكماش وتراجع سماوي، خاصة في الدقائق التي تلت هدف رياض محرز السينمائي، وما زاد الطين بلة، ما فعله الفيلسوف في الدقيقة 85، بالاستغناء عن صاحب الهدف، لتأمين الوسط بالبرازيلي فيرناندينيو، ليدفع ضريبة باهظة الثمن، تجلت في عجز السيتيزنز وعدم قدرته على الخروج بالكرة من منتصف ملعبه، أمام غارات وضغط الريال في أوقاته المفضلة. الاستثناء الوحيد كان في اللقطة التي وُصفت بـ«منعرج المباراة»، بإبعاد تسديدة البديل غريليش من على خط المرمى، ليضرب الريال ضربته على طريقة «إذا هبت رياحك فاغتنمها»، بزيارة الحارس المغلوب على أمره إيدرسون مرتين في الوقت المحتسب بدل الضائع، باستغلال مثالي لتراخي لاعبي السيتي ولحظات عدم استيعابهم لما يحدث على الأرض، كأننا نشاهد ذهول ليونيل ميسي وكيليان مبابي ونيمار جونيور وفريقهم يستقبل الهدف تلو الآخر في ليلة «ريمونتادا» إياب ثمن النهائي، وربما لو امتدت المباراة لدقائق أكثر كوقت محتسب بدل ضائع، لما اضطررنا لمشاهدة نصف ساعة إضافية، بعد انحصار اللعب والكرة والتصوير والأعين وكل شيء داخل منطقة الجزاء منذ الدقيقة 90، بالأحرى منذ زلزال هدف رودريغو الأول مرورا برأسية التعادل في نتيجة المباراتين، نهاية بتصدي إيدرسون لانفراد نفس الكابوس في آخر لحظات الوقت المحتسب بدل الضائع، لكن في الأخير، كنا محظوظين بالاستمتاع بنصف ساعة من أرقى وأجود فنون كرة القدم، وشهود عيان على صدق الأسطورة القديمة، التي تخبرنا أن كل شيء قابل للتغير في دوري أبطال أوروبا، إلا غياب هيبة وتقاليد ريال مدريد مع هذه البطولة منذ ظهورها للنور في منتصف خمسينات القرن الماضي وحتى وقت كتابة هذه الكلمات.

المطب المعقد

يتفق مشجعو ليفربول قبل الخصوم والنقاد، أن طريق فريقهم نحو نهائي باريس، كان مفروشا بالورود، على الأقل بداية من مراحل خروج المغلوب، التي جنبته طريق الجبابرة، بمواجهة الإنتر بنسخته بعد رحيل أنطونيو كونتي وروميلو لوكاكو وأشرف حكيمي، ثم بنفيكا في الدور ربع النهائي وفياريال في نصف النهائي، لكن هذا لا يمنع حقيقة، أن يورغن كلوب وفريقه، عاشوا لحظات أكثر رعبا من أبطال سلسلة «Evil Dead»، ليس فقط لاستقبال هدفين في أول 45 دقيقة، بل للمستوى الذي ظهر عليه الفريق، مقارنة بالصورة التي بدا عليها فريق أوناي إيميري، كأنها مؤشرات الى تبخر حلم الرباعية، ولو شاهدنا بداية الشوط الثاني، سنلاحظ الفارق الكبير في هدوء واتزان لاعبي فياريال، مقارنة بتسرع وعصبية محمد صلاح ورفاقه، ووضح ذلك، بتعامل لويس دياز الكارثي مع العرضية الهدية، بتحويلها بضربة مزدوجة إلى المدرجات، بدلا من توجيهها بسهولة بالرأس في أي مكان في مرمى حامي عرين أصحاب الأرض، حتى حل الركلات الركنية والثابتة، ظل عصيا إلى أن قرر الحارس الأرجنتيني جيرونيمو رولي، اغتيال الجميع في «المادريغال» كرويا، بخطأ يفوق وصف ساذج، في تصديه لتسديدة فابينيو، في لقطة، تعكس قيمة وأهمية حارس المرمى، وتفسر لنا واحداً من أهم أسباب ترشح ريال مدريد الى المباراة النهائية، بوضع تسديدة سهلة كهذه في مقارنة بالأهداف المؤكدة التي يُبدع تيبو كورتوا في التصدي لها، معها، تنفس أبو صلاح ورفاقه الصعداء، وتدريجيا انكشفت الفوارق الفنية والفردية بين الفريقين، كما تمنى وطلب كلوب من لاعبيه بين الشوطين، باللعب بطريقتهم وأسلوبهم المعتاد، بعد الشوط الأول المأساوي، الذي خرج منه الفريق بدون فرصة واحدة بين القائمين والعارضة، وحسنا فعل الريدز، باستغلال هدايا رولي، بتسجيل هدف آخر بتعامل جيد من دياز هذه المرة، ثم بإطلاق رصاصة الرحمة الثالثة عن طريق ساديو ماني، ليحصل المدرب الألماني وفريقه على فرصة نادرة، لرد الدين المزدوج لكارلو أنشيلوتي وريال مدريد، بذكريات تحمل في طياتها ما يفوق مصطلح «المنافسة» بين فريقين على اللقب، ونتذكر بداية التاريخ الشخصي بين ميستر كارليتو وليفربول في النهائي الأشهر تاريخيا، والحديث عن نهائي اسطنبول 2005، عندما كان مدربا لميلان العظيم في حضرة باولو مالديني وشريكه في الدفاع أليساندرو نيستا وباقي أساطير ونجوم تلك الحقبة من نوعية ياب ستام وأندريا بيرلو وكلارينس سيدورف وريكاردو كاكا وشيفتشينكو وآخرين، كانوا قاب قوسين أو أدنى من معانقة الأميرة الأوروبية، بعد قتل المباراة إكلينيكيا بثلاثية نظيفة مع ذهاب كلا الفريقين إلى غرفة خلع الملابس بين الشوطين، وفي الأخير استفاقوا على معجزة الخمس دقائق، التي شهدت عودة ستيفن جيرارد ورفاقه في نتيجة المباراة، بطريقة ما زالت تُدرس ويتفاخر بها السيد رافا بينيتز إلى الآن، قبل أن تبتسم ركلات الترجيح لممثل البريميرليغ، في واحدة من «ليالي ألف ليلة وليلة» في كرة القدم، ولأنها كذلك، أسرها أنشيلوتي ورجاله في نفوسهم، إلى أن تجدد الاشتباك على مسافة لا تزيد على 1000 كيلومتر من اسطنبول، هناك في عاصمة الإغريق أثينا 2007، حين توج الروزونيري بالكأس السابعة، بفوز مستحق على رافا بينيتز وفريقه بهدفين لهدف.

ثأر صلاح وكلوب

«تمنيت وصولهم وقد كان، ستكون مباراة ثأرية، حان وقت الانتقام، لدينا مباريات مهمة قبل لقاء ريال مدريد في الدوري والكأس علينا حسمها أولا»، بهذه الكلمات، أطلق محمد صلاح، العنان لنفسه في حفل اتحاد كتاب كرة القدم لتسليمه جائزة لاعب العام، برسالة تحذير جديدة للميرينغي، بعد استخدام مصطلح «حسابات قديمة»، في أول تحذير بعد تجدد نهائي 2018، وفي نفس الوقت، كشف بعفوية عن العراقيل أو المشاكل، التي قد تؤثر على حظوظ فريقه قبل لحظة الحقيقة أمام الريال، ومفهوم بالنسبة للجميع، أن الفرعون يُمني النفس، بالثأر من ليلة بكائه وخروجه في أول نصف ساعة، إثر تدخل وحشي من القائد الملكي السابق سيرخيو راموس، وُصف آنذاك بالمتعمد لإيذاء نجم الريدز وإجباره على الخروج، لتنقلب المباراة رأسا على عقب بعد مشهد استبداله الاضطراري بداعي إصابته بخلع في الكتف، ويفوز عملاق الليغا بعد ذلك بثلاثية مقابل هدف في آخر ظهور للأسطورة كريستيانو رونالدو بالقميص الأبيض، ورغم أنه من ناحية المنطق والجودة والتنظيم، يبدو ليفربول الأقرب والأوفر حظا للفوز في نهائي باريس، كأفضل رد وثأر من أنشيلوتي وريال مدريد معا، لكن واقعيا، دعونا لا ننسى أن الريال سيبقى الطرف الأكثر استعدادا وجاهزية، اذ يكفي أنه لا يركز الآن سوى في ليلة الثامن والعشرين من مايو / أيار، بعد تحقيق الهدف المنشود محليا، بجمع ثنائية الكأس السوبر والليغا، على عكس منافسه، الذي سيتعين عليه بذل كل قطرة عرق في الأسابيع المتبقية على النهائي، منها 4 نهائيات في عطلة نهاية كل أسبوع، أمام منافسين بحجم توتنهام أنطونيو كونتي، وأستون فيلا نجمه السابق ستيفن جيرارد، وساوثهامبتون وولفرهامبتون، بالإضافة إلى نهائي انتقامي مع تشلسي لتحديد هوية بطل أعرق كؤوس الكرة الأرضية، بعد حصول الريدز على كأس الرابطة على حساب البلوز، وستكون هذه المعارك، في الوقت الذي سيتعامل فيه أنشيلوتي مع مباريات الليغا المتبقية، على أنها سهرات ودية وتحضيرية لنهائي الرابعة عشرة، ما يعني، أن مدرب الريال، سيحظى برفاهية إراحة أسلحته الفتاكة وتوفير طاقتهم للموعد الأهم، بينما نظيره الألماني، سيصلي كل يوم، ليتفادى خسارة أحد ركائزه الأساسية في المعارك المحلية المنتظرة قبل النهائي. وفي كل الأحوال، سنكون على موعد مع نهائي قابل لكل الاحتمالات، للتقارب الكبير في الخطوط العريضة بين الفريقين، شاملة الشخصية والعناد والحدة وثقافة الريمونتادا، بجانب العامل المشترك بينهما في الباع والتاريخ في هذه البطولة، والسؤال الآن: هل سيضرب كلوب وأسلحته الفتاكة عصفورين بحجر واحد لأنشيلوتي والريال؟ أم ستستمر انتفاضة الملكي ومسلسل تفوقه على الكبار ويرفع الكأس الرابعة عشرة في تاريخه؟ دعونا ننتظر.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا