بعيداً عن «الفتنة».. قريباً من حواف «الاستقلال»: الشارع الأردني مهتم بـ«أما بعد» … «إنعاش» سياسي و«إنقاذ» اقتصادي

الشرق الأوسط نيوز : مراقبة تفاعل عموم الأردنيين مع احتفال عيد الاستقلال يؤشر مجدداً إلى شوق الشعب وحنينه للتغير واستعداده الفطري للتحلق حول المؤسسات والقيادة وتجاهل كل «السرديات السلبية» شريطة أن «يمضي الجميع إلى الأمام».
خلافاً لما توقعه معارضون حانقون في الخارج، تفاعل الشارع بحماسة مع احتفالات الاستقلال، وبدا أن الدولة وهي تحتفل بمناسبة وطنية، يقف خلفها «أصدقاء وحلفاء كثر» راغبون حتى برأي شخصيات سياسية ونقابية متعددة بالتأشير على أن كل ما له علاقة بـ»ضلال الفتنة» لا بل بالفتنة نفسها «لا يعني» الأردنيين أصلاً؛ لأن «سيناريو الفتنة» برمته إشكال داخل الدولة وليس وسط الناس.
عيد الاستقلال اختلطت فيه بعض المشاعر السياسية، لكن في المسألة الوطنية لا خلط إلا من جهة نخب القرار التي تحترف التحريض وتزرع، على حد تعبير السياسي مروان الفاعوري، قصداً، بذور الفرقة بين الدولة والناس حتى تستأثر بامتيازات مصالحها.
قبل عيد الاستقلال بقليل، يندفع المشهد الختامي أو آخر مشهد في ملف الفتنة الأردنية التي تدحرجت لأكثر من عام، وانتهت برسالة مهمة وتاريخية فيها حسم ملكي من قبل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني باتجاه الإجابة على سؤال له علاقة بفرضية ما الذي يمكن أن يحصل لاحقاً، خصوصاً على صعيد الملفات الداخلية الملحة.
ينتظر المراقبون جميعاً في عمان حصول ترتيب ما أو انطلاقة ما على صعيد البرنامج السياسي أو اتخاذ خطوات لاحقة لإغلاق ملف أي خلافات داخلية بموجب الاستحقاق القانوني والدستوري وبطريقة رحب بها كثيرون في المجتمع الأردني، لكنها في الوقت نفسه أثارت الكثير من التساؤلات حول المستقبل.
والمقصود هنا مستقبل العملية السياسية والإصلاح الاقتصادي وحزمة التعديلات التشريعية وما بعد ورشة عمل مهمة ومثيرة تحت عنوان تحرير الإمكانات الاقتصادية، أو بمعنى آخر مستقبل الخطوات البيروقراطية والحكومية التي ينبغي أن تنصرف الآن باتجاه العمل على ترتيبات البيت الداخلي، وإظهار قدرة تتجاوز التشخيص، والانتقال فعلاً إلى مسار تحديث المنظومة السياسية، وتحرير الإمكانات الاقتصادية بناء على وثائق حظيت بإرادة سياسية وبغطاء ملكي.
على حواف عيد الاستقلال، وعد القصر الملكي الشعب بإطلاق رؤية اقتصادية فعالة توازي تحديث المنظومة السياسية. واحد من أهم التجليات التي برزت بعد رسالة الملك الأخيرة هي محاولة جميع القوى في الخارطة الداخلية الإجابة على سؤال ما هي الخطوة التالية.
منطقياً، يمكن القول بأن مراكز وأوساط القرار السياسة المحلية معنية برؤية تغييرات مهمة على صعيد بعض المواقع والمناصب تناسب مرحلة ما بعد الحسم الملكي وإغلاق الملف، بمعنى لا يريد الشارع الآن الإصغاء إلى مزيد من الحديث عن ملف الفتنة الذي حسم في الإطار المرجعي والقضائي والملكي.
لكن الشارع معني بعدم عودة مظاهر الاحتقان الشعبي وسط قناعة جميع الأطراف بأن عودة المعترضين إلى الشارع لأسباب سياسية مسألة معقدة وصعبة جداً في الأردن، لكن المخاوف متاحة دوماً من العودة لأسباب تتعلق بالاحتقان الاقتصادي، أو لأسباب اقتصادية، وهو أمر يختلف بكل المعايير عن كل المقايسات السياسية في الماضي. ولا يريد الأردنيون بوضوح شديد ووفق رصد محدد الاستماع لأي شيء جديد له علاقة بالفتنة، ويصرون على أن هذه المسألة وراء ظهرهم.
لكن يطرحون أو يستمرون في طرح أسئلة لها علاقة بملف الفساد وبعدم وجود خطة حكومية للمسارعة والاحتواء ما دامت المخاطر الاقتصادية والمالية متاحة، والحديث يتوسع عن الرغبة في حالة إنعاش سياسية وإنقاذ اقتصادية؛ لأن قناعة القطب البرلماني صالح العرموطي راسخة بأن ما جرى مؤخراً من عملية تسريع في تشريع بعض القوانين ذات العلاقة بملف التنمية السياسية وبشكل غريب وغامض قد لا يؤدي فعلاً إلى الانتقال إلى مستوى حكومة برلمانية حزبية في المستقبل القريب.
لدى العرموطي وغيره شكوك في اتخاذ خطوات إصلاح سياسي ووطني حقيقية بالرغم من كل ما قيل حول الاحتقانات السياسية الإقليمية، أو حتى حول ملف الفتنة.
تلك شكوك تحتاج إلى تبديد الآن. والطريقة الأفضل والأسرع هي الانتقال إلى مستوى الاشتباك مع التفاصيل بعد وضع خطط تنفيذية، حيث الخزانة الرسمية والحكومية مليئة ومفعمة بالوثائق المتعلقة بالتحديث، والمطلوب فقط الإسراع إلى اتخاذ خطوات يبدو أنها غائبة حتى الآن تقنع الرأي العام بأن الدولة والمؤسسات الحكومة بصدد استعادة ثقة المواطن وبصدد القراءة المعمقة لكل تفاصيل ما بعد مرحلة الفتنة.
الشارع عملياً حفل بأنواع وأصناف المعارضات ومظاهر الاحتقان خصوصاً مع موجة ارتفاع الأسعار والمخاوف من ارتفاع أسعار الخدمات الأساسية في ظل محيط إقليمي ملتهب وتقلبات دولية مفتوحة على الاحتمالات هي سيدة الموقف.
ولا بد من خريطة إجراءات لا تقف عند تحفيز الاقتصاد، ولكن عند طمأنة المواطنين واستعادة يقينهم بوجود خطة على أقل تقدير، وهي خطة قال مبكراً لاعب سياسي مخضرم من وزن الدكتور طالب الرفاعي، إنها ينبغي أن تبدأ بتشكيل حكومة وطنية تعمل على استعادة ما سمّاه الدولة.
لكن مثل هذا الخطاب لا يسمع في أروقة القرار، والاعتقاد سائد بأن خطوات مرحلية موضوعة على الأجندة الآن، وستسارع السلطات الرسمية لاعتمادها وتفعيل حلقات نشاط تعيد مسار التنمية والمنظومة الاقتصادية.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا