أوقاف الخليل تحث على نقل عقارات في البلدة القديمة إلى “الوقف الإسلامي” لحمايتها من التسريب للمستوطنين
ويكرر في كل أحاديثه شكره لكل من وقف مع العائلة ولم يصدق أنها باعت منزلها في البلدة القديمة من أجهزة أمنية ومواطنين وعائلات.
وبعد أسابيع من المرارة والتعب والتفكير بما جرى مع منزل العائلة، الذي يقع في مقابل بركة السلطان في البلدة القديمة بالخليل، أخذت العائلة تشعر بالراحة قليلا، تلك الراحة لم تحصل عليها بسبب اكتشاف الأجهزة الأمنية الفلسطينية مجموعة قامت بتزوير معاملات بيع المنزل بهدف تسريبه للمستوطنين، بل لكون العائلة اتخذت قراراً شجاعاً بتحويل المنزل القديم، والذي يقع في طابقين إلى وقفية إسلامية يتبع دائرة الأوقاف الإسلامية في الخليل.
وينظر مسؤولون فلسطينيون إلى أن هذا الإجراء، الذي تحول إلى مبادرة أو حملة أطلقتها مديرية الأوقاف الإسلامية في الخليل، على أنه ترياق لسم التسريب ومحاولات تزوير أوراق عقارات البلدة القديمة والأراضي القريبة من المستوطنات بهدف بيعها للمستوطنين.
عقار على شكل قلعة
يشرح وسام الكرد قصته قائلا: “نملك عقارا ورثناه من والدنا بالبلدة القديمة، بجانب منطقة تحمل اسم بركة السلطان، وهو عبارة عن قلعة مكونة من طابقين”.
ويضيف: “هناك فئة ضالة قامت بتزوير أوراق بيع المنزل بأسماء أخي بسام ووالدي وزياد الكردي عبر أوراق مزورة، وهو أمر تم الكشف عنه من الأجهزة الأمنية قبل أن يتعرض العقار للتسريب”.
ويؤكد الكرد أن البيت بالنسبة للعائلة هو بمثابة الحرم الابراهيمي الشريف، وأن مسألة بيع العقار القديم مسّ بسمعة العائلة، ورغم أن القصة تخص عائلة الكرد إلا أن مسألة تسريب منازل وأراضي الخليل تعتبر مسألة تمس كامل محافظة الخليل، بحسب الكرد.
ويضيف: “الجميع مؤهل ليعيش نفس التجربة التي عاشتها عائلتي، فالناس نائمة، ولكنها ما تلبث أن تجد أن هناك من طعنها بتسريب عقارها”، والسبب، بحسب الكرد، يتمثل في أن أغلب عائلات الخليل تمتلك عقارات بالبلدة القديمة، وهو أمر يجعلها معرضة لمثل ما تعرضت له العائلة”.
ويشدد على أنه لولا ظهور الحقيقة، بعد أسابيع من التحري والتدقيق، لدُمرت سمعة لعائلة نهائيا. “لقد ظهر الحق أخيرا”، يقولها براحة كبيرة.
وأعلنت الأجهزة الأمنية الفلسطينية أنه، وبالتعاون ما بين جهازي الاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة في محافظة الخليل، تم إحباط محاولة التزوير والتسريب لعقار يعود لعائلة الكردي في البلدة القديمة من مدينة الخليل وحمايته، وتم اعتقال متورطين قاموا بعملية تزوير وثائق للعقار.
وجاء في تصريحات المسؤولين أن عملية الإحباط تأتي بعد جهود كبيرة ومضنية استمرت لعدة أسابيع، تم خلالها اعتقال عدد من المتورطين بمحاولة التسريب والتزوير للعقار المذكور، وقد أقروا بذلك، وتم حماية العقار وتسجيله لصالح الأوقاف الاسلامية في الخليل.
كما تبين خلال التحقيقات بأن عائلة الكرد لا علاقة لها بالتسريب وقد تم تزوير الأوراق باسمهم.
عائلة الكرد، التي يعود أصلها لمدينة القدس، ومن أجل قطع الطريق على أي محاولة تزوير وتسريب قادمة، قامت جعل العقار وقفا إسلاميا: “نريده صدقة جارية لروح الوالد والوالدة”، بحسب تعبير وسام الكرد.
وتحمد عائلة الكرد الله على المصاب وظهور الحقيقة، وتؤكد أن هناك واجبا دينيا ووطنيا نحو الخليل، فوجود الخطر على عقارات المواطنين تجعل من المسؤولية البحث عن أي فرصة لإيقاف ذلك الخطر الذي يعني سرقة العقار وتسريبه.
ويرى الكرد أن هناك جهات رسمية فلسطينية تورطت في تسريب الوثائق الرسمية للمنزل، وهو ما جعل إمكانية التزوير ممكنة. “فبعض أوراق العائلة كانت لدى الجهات التي قامت بفعل التزوير، وهو الأمر الذي سهل العملية”.
يقدم الكرد نصيحته لأهل الخليل، ولكل من يمتلك عقارات في البلدة القديمة التي ينظر إليها على أنها مناطق حساسة أن ينتبهوا ويقوموا بتحويل العقارات إلى وقف خيري للحماية، معتبرا ذلك طريقا لعدم فتح المجال لأصحاب النفوس المريضة.
موقف محترم وحاسم
وبحسب مدير مديرية أوقاف الخليل نضال الجعبري، فإن عائلة الكرد في الخليل سجّلت موقفا محترما وحاسما بجعل منزل العائلة في البلدة القديمة وقفا إسلاميا، معتبرا أن هذا الموقف يعبر عن مسؤولية عالية جدًا أملا في أن تحذوا بقية العائلات حذوها.
وبحسب الإعلامي من مدينة الخليل محمد الأطرش فإن هذه القصة تبيّن أن الاحتلال لا يستغل فقط ضعاف النفوس، إنما يلجأ للتزوير حتى يتمكن من تملك متر واحد في هذه المدينة.
ويقول: “تخيّل، أن تكون نائمًا في بيتك، وفجأة، تجد أن اسمك يتم تداوله في قضية تسريب خطيرة”.
ويرى الأطرش أنه أمام وجود مجموعة من المتهمين بهذه القضية وغيرها، بضرورة أن يتم تجريمهم بكل الوسائل المتاحة، حتى يكونوا عبرة لغيرهم.
ويضيف: “الأهم لمن يملك منزل في البلدة القديمة، أن يدرك أنه معرّض لحادثة مشابهة، وإذا أدرك أنه غير قادر على حماية منزله، فالطريقة الوحيدة وقفه لدى وزارة الأوقاف كما فعلت أكثر من عائلة اليوم، على رأسها عائلة الكرد”.
ويشدد الجعبري على أن الحملة جيدة حتى اللحظة، ولكن الأوقاف تتطلع إلى أن تصبح ممتازة لتعكس موقفا وطنيا ودينيا للمواطنين.
يقول الجعبري: “نعم هناك إقبال، لكن شعارنا الجيد لا يكفي ونسعى للممتاز والأفضل”.
ويضيف: “حماية البلدة القديمة مسؤولية جماعية، فالخطر داهم والهجمة الاستيطانية أصبحت في أعلى درجاتها، وهناك حرب أدمغة وصراع إرادة مع فارق القوة والغطرسة والدعم الدولي للمستوطنين”.
وتابع الجعبري قائلا إن الفلسطيني عبر التاريخ لم يعدم الوسيلة لحماية تراثه الديني والإسلامي والموروث الحضاري.
وأكد أن عائلات الخليل تتنافس في وقف عقاراتها في البلدة القديمة والأراضي في محيط المستوطنات رغم قيمتها المالية العالية.
وتتعرض البلدة القديمة في الخليل والحرم الإبراهيمي إلى محاولات تهويد محمومة، حيث منع الاحتلال الإسرائيلي رفع الأذان في الحرم الإبراهيمي 47 وقتاً خلال الشهر الماضي، كما اقتحم أكثر من 353 جنديا مصلى الإسحاقية في الحرم الإبراهيمي.
وتواصل سلطات الاحتلال بناء المصعد الكهربائي التهويدي، فيما يقتحم مئات المستوطنين بحماية قوات الاحتلال ساحات الحرم، ويقيموا الحفلات الاستفزازية الصاخبة، ويرفعوا خلالها أعلام الاحتلال ويرددوا الهتافات العنصرية ضد المواطنين.
يذكر أنه قبل أكثر من شهر قامت مجموعة كبيرة من المستوطنين بالاستيلاء على أحد المنازل الفلسطينية في حي قيطون بالبلدة القديمة من مدينة الخليل، وقاموا تحت حماية جنود الاحتلال بنقل أثاث للمنزل.
وبحسب مصادر محلية، فإن المنزل مكون من 3 طوابق وهو مبنى قديم، يقع خلف مسجد قيطون- زاوية الشويكية- على مقربة من مقربة من المدرسة الابراهيمية، وقام المستوطنون بتركيب سلم حديدي كبير للوصول الى المنزل. وقد أخبر المستوطنون السكان في المنطقة بأنهم قاموا بشراء المنزل من أصحابه.
واعتبر عماد حمدان، مدير عام لجنة إعمار الخليل، بأن هذه العمل هو محاولة للسيطرة على كل البلدة القديمة ومحيطها، والمباني التي يتم الاستيلاء عليها موزعة توزيعا جغرافيا يهدف لمحاصرة البلدة القديمة.
وأكد حمدان، في حديث صحفي، أن منطقة الاستيطان الجديدة تقع في المنطقة الجنوبية من البلدة القديمة بهدف وضع إسوارة وسياج للبلدة القديمة، وهو موقع استراتيجي بالقرب من المدرسة الإبراهيمية والمحكمة الشرعية لاستكمال الدائرة حول سيطرتهم على البلدة القديمة”.
وتقع البلدة القديمة من مدينة الخليل تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، ويسكن بها نحو 400 مستوطن، يحرسهم نحو 1500 جندي إسرائيلي. وقُسّمت المدينة بحسب اتفاق الخليل (بروتوكول) في 17 يناير/كانون الثاني 1997، بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، إلى منطقتي H1 وH2، أعطيت إسرائيل بموجبه سيطرة كاملة على البلدة القديمة وأطرافها.
المصدر : القدس العربي
