إسرائيل ما بعد تشرين.. كهانية تحكم ويسار يعيد تشكيل الهزيمة وعرب من “الـ لا لا”

قالت الأغلبية كلمتها، أرادت تحولاً، تغيير الحكومة، فحصلت على ثورة وانعطافة ذات آثار تاريخية. هذه طبيعة التصويت في الانتخابات: أحياناً يحصل الناس على أقل مما أرادوا، وأحيانا أكثر، أكثر بكثير. انتصار كتلة نتنياهو لا لبس فيه. تحقق بالقانون، بلا جدال. هتافات الفرح في كتلته مبررة تماماً؛ كذا الشماتة: فما هي الفرحة في السياسة إن لم يكن فيها شماتة. أما الطرف الخاسر فيحسن صنعاً إذا ما كف عن العويل والبحث عن مذنبين. فالعويل لن يعيد ما خسره.
إذا كانت حكومة يمين على المليء هي قضاء الناخب، فمن الأفضل حكومة تعتمد على 65 مقعداً من حكومة تعتمد على 61. الحكومات الضيقة عرضة للابتزاز من جانب كل عضو هامشي في الائتلاف؛ روحها قصيرة؛ قراراتها متسرعة وهي ليست جيدة للدولة. نعم، ثورة. الحسم في 1 تشرين الثاني قد يكون صافرة بدء لمسيرة ستغير وجه الدولة. لم تعد القصة نتنياهو؛ فالمسيرة أقوى منه. قد أكون انجرفت، لكن في نظري هذه بداية النهاية لعصر الصهيونية الليبرالية، العلمانية، الإسرائيلية. عصر آخر يطل، مناهض لليبرالية، حريدي قومي، ذو نزعة قوية. قد نرسل عظام هرتسل إلى فيينا وعظام بن غوريون إلى فلونسك. لست واثقاً بأن نتنياهو الشاب كان يريد العيش في الدولة التي سيقف نتنياهو كبير السن على رأسها قريباً.
في النخبة السياسية الجديدة إرادة شديدة وأصيلة لتصفية الحساب والثأر من 75 سنة إقصاء. هم أبناء اليمين المخطوفون الحقيقيون الضحايا الخالدون لمؤسسي الدولة. عندما صعد الليكود إلى الحكم في 1977 قال تيدي كوليك، رئيس بلدية القدس: انتقلنا من حكومة معادية إلى حكومة أجنبية”. على الوزن ذاته، يمكن أن نقول اليوم: انتقلنا من حكومة وضع راهن إلى حكومة ثورة، انتقلنا من حكومة مؤقتة إلى حكومة مغرضة.
إن الموجة التي رفعت سموتريتش وبن غفير إلى 15 مقعداً، الموجة التي أعطت شاس 11 والليكود 31، ستهدأ في الأيام القادمة. الآن زمن الاحتفال. لكن في اللحظة التي يصبح فيها الجلوس حول طاولة الحكومة اعتيادياً، ليوم آخر في الوزارة، ستعود الموجة، وستعود التوقعات لتدق الباب. مسألة الأمن الشخصي تقف في مركز هم الكثير من الإسرائيليين؛ وكذا مسألة الحوكمة. لا أنباء زائفة هنا: الهموم أصيلة؛ وكذا صلتها بالعلاقات المشحونة بين اليهود والعرب. يدخل ايتمار بن غفير إلى داخل هذا الفراغ.
وعد بالحلول في حملته الانتخابية: سيعدم، يطرد إلى سوريا، يحرر الناصرة بسلاح الجنود والشرطة والمدنيين. تعليمات فتح النار ستتغير؛ الواقع على الأرض سيتغير. القوانين، النواب العامون، القضاة، القيم ستتكيف أو ستختفي.
هو ليس خطيراً، يهدئ السياسيون والصحافيون ممن يتعاونون معه. كل ما يريده هو الإعلام، الانتباه. لا أفعال من خلف أقواله. لا يدركون بأن لإدمان الإعلان آثاراً. إذا ما تمأسس، فسيفقد الإعلام الاهتمام به، وسيبحث المتابعون في الشبكة لأنفسهم عن أصنام أخرى. رجال كهانا، الدائرة المقربة له، يشكون به؛ وأعضاء الكتلة الجدد ينفخون في قذالته. لن يسمح لنفسه بأن يصبح سياسياً نزيهاً.
تعيينه كوزير للأمن الداخلي كان يعدّ قبل أسبوعين نكتة. حيلة إعلامية أخرى لمهرج سياسي. أما الآن فلا يبتعد إلا خطوة عن نشر البيان الرسمي. هو المرشح الوحيد – هو الإجماع. مجرم سابق مدان بالإرهاب يتلقى مسؤولية وزارية عن الشرطة، ولا أحد يغرد.
زملاؤه، الوزراء التالون من الليكود، فرحوا بانتخابه: لا يتورط في هذه الوزارة الملعونة إلا الوزراء؛ وسيسجل الفشل على اسمه. لم يتبق إلا أن نرى كيف سيجري نقل المسؤولية بين عومر بارليف الوزير المنصرف، والوزير الوافد عضو هيئة الأركان وعضو الكهانية. لعلهما يتبادلان الذكريات عن لقاءاتهما السابقة، في تل أبيب، في الخضيرة.

فكروا بمشكلة البدو في الجنوب؛ في التخريبات، والسرقات والخاوة من المزارعين في الشمال؛ في المظاهرات وفي ساحات العمليات المضادة، في إسرائيل و”المناطق” [الضفة الغربية]؛ ونزاع العقارات في الشيخ جراح؛ والصدامات مع مجرمي فتيان التلال؛ وفي هذه الجبهات ظهر بن غفير على الفور، وهو يصرخ، يستفز وتلتقط له الصور. ماذا سيفعل عندما يتولى منصب الوزير المسؤول.

الوحدة الآن

الأعداد مضللة. ظاهراً، يتلخص التفوق العددي لكتلة نتنياهو في شظايا الواحد في المئة، ببضعة آلاف قليلة. كانت ستكون للبيد كتلة مانعة مع بعض من الحظ؛ الانقسام في الكتلة المناهضة لبيبي أدى إلى ضياع قرابة 300 ألف صوت وربما أكثر. ميرتس والتجمع، تضاف إليهما مساهمة صغيرة من ايلي افيدار والمتدينين المعتدلين الذين صوتوا لشكيد وليس لغانتس، أتاحوا لكتلة نتنياهو اجتياز حاجز الـ 60.
لم تحسم إرادة الناخب؛ حسمت معارك الأنا (آييلت شكيد حالة خاصة. فإذا ما نشر صحيح، فقد توصلت سرياً إلى اتفاق تعهد فيه بالمواصلة حتى النهاية مقابل تلقي غفران لها في الليكود. ظاهراً، كذبت شكيد بلا خجل على ناخبيها. كانت عميلة للحزب الخصم).
عودة إلى الوسط واليسار. ظاهراً، كانت الخسارة صدفة: بضعة أعداد ترتبت بشكل غير صحيح. لكن الأحداث السياسية لا تجري على طاولة الروليتا في الكازينو. ثمة نية في التحول؛ وثمة رسالة. السؤال أين أخطأ قادة الأحزاب في المعسكر المناهض لبيبي، سؤال مهم؛ وأهم منه السؤال كيف الخروج من هذا.
نجح لبيد في “يوجد مستقبل” وفشل في الكتلة: قد لا يكون مبنياً لإدارة ائتلاف مركب من أحزاب لا يوحدها إلا معارضتها لنتنياهو؛ وربما فقد الأمل مسبقاً. السؤال هو إن لم يكن فقد القوة والثقة للوقوف على رأس معارضة قوية، مبلورة. وسؤال إضافي: ألا تشكل الإجراءات التعسفية التي اتخذها للنجاة سابقة للحكومة الجديدة وستبقى تلاحقه حتى الانتخابات القادمة؟
ينهي ميرتس الانتخابات من خارج الكنيست، وربما هي نهاية طريقه. قبل 30 سنة تأسس كائتلاف من مبام، وحزب الكيبوتسات، وراتس، وحزب شولميت الوني، ومجموعة من شينوي برئاسة امنون روبنشتاين. كان حزب معارضة نموذجياً: غني بمواضيع الكفاح، فقير بالمقاعد، محق حتى التعب.
لكنها باتت علامة تجارية فقدت نبرتها وقوة جذبها مع السنين. أبدى الناخبون القدامى ولاء، لكن الناخبين الشبان، أولئك الذين آراؤهم كآرائها، لم يأتوا. لعلهم تعبوا من حملة النجدة التي يصدرها ميرتس قبل كل جولة انتخابات. فالحزب لا يعيش على رحمة الجمهور. إذا لم يكن قادراً على البقاء على قيد الحياة بفضل نفسه فقد حان الوقت لإغلاق البسطة.
ليست زهافا غلئون هي التي أعطت ضربة الموت لميرتس، بل يئير لبيد وميراف ميخائيلي: لبيد الذي رفض تأييد تخفيض نسبة الحسم عندما كانت أغلبية لذلك في الكنيست، فتوجه فجأة يساراً بدلاً من أن يتوجه إلى اليمين الرقيق وشجع انتقال المصوتين من ميرتس والعمل إلى “يوجد مستقبل”؛ ميخائيلي رفضت توحيد القائمتين ولا حتى في كتلة فنية. كان رهانها منقطعاً عن الواقع، غبياً وعديم المسؤولية. هكذا كتب هنا. هكذا قال لها كثيرون وطيبون. في الصيف، جلس بايغا شوحط وعوزي برعام واوفير بينيس، ثلاثة وزراء سابقون، وكتبوا لها رسالة، ثم رسالة أخرى وثالثة. “لم تتأخر الصحوة”، كتب لها شوحط في الرسالة الأخيرة. “ستجلبين بيبي إلى الحكم”.
ما رفضت ميخائيلي عمله في الموعد الصحيح سيحصل الآن: العمل وميرتس سيتحدان في حزب يسار مشترك ليكون حزباً عابراً، حزب نجدة. أو كبديل، سيبيع “العمل” ممتلكاته العقارية وسيبتلع في “يوجد مستقبل” أما “ميرتس” فسينحل ويختفي. السؤال هو: ما الذي سيقوم مكانهما؟ ثمة من يأمل بإقامة حزب يسار جديد، يهودي – عربي.
العمل حزب وجد ليحكم، وهذه جيناته، ولا أمل له كحزب صغير. نجحت ميخائيلي في جلب ناخبين إلى الحزب، مسألة النسوية مهمة للنساء. كان هذا إنجازاً لمرة واحدة. والتركيز على التأنيث إلى جانب الذكور، كتابة وشفهياً، هو إرث ميخائيلي الذي تخلفه وراءها. بدأته، وبات الآن من نصيب الجميع.

في أثناء الحملة سألتني شخصية عربية عامة لماذا لا يوجد مرشحون عرب في أحزاب يهودية. فأجبت بأن غيداء ريناوي الزعبي حرقت الفرصة. فاشتكى قائلاً إنكم تتهمون العرب دوماً. روى لي بأن ريناوي الزعبي توشك على أن تتلقى عملاً محترماً في جامعة حيفا. وقد اتفق على كل شيء بهدوء، وعندها سرب سياسي معروف، من قادة “العمل” سابقاً، القصة إلى الإعلام فانتهى كل شيء.

إصبع في العين

التجمع، المساهم الثاني في مخزون الأصوات الضائعة، هو حزب من نوع آخر: الكتلتان مرفوضتان في نظره؛ الدولة مرفوضة. هو ليس جزءاً من كتلة، وليس في الوسط بين الكتلتين. هو وحيد. أنتم جماعة الـ لا لا. قلت لسامي أبو شحادة رئيس الحزب، حين التقينا في أم الفحم.
تغذت حملة التجمع من إحساس المجتمع العربي بأن الحزب طرد دون ذنب اقترفه من القائمة المشتركة. وأجاد أبو شحادة في تسويق صورته كضحية. وكذا إعاقته – فهو بنظره ضعيف وعمل كثيراً من أجل المعوقين في عمله داخل الكنيست. ” المسكنة تنجح لدى العرب”، شرح لي د. ثابت أبو راس، المدير العام لجمعية عملت على تشجيع التصويت.
“سنكون مفاجأة الانتخابات”، وعدني أبو شحادة. رافقته من جولة إلى جولة: كان الناس لطفاء، بشوشين؛ السياسة متعذرة.
بمفهوم ما، كان محقاً. كان التجمع مفاجأة الانتخابات. لم يصل إلى حافة الحسم، لكنه سيواسي نفسه بالأصوات التي سلبها من الأحزاب الخصم. العداء الحاصل بين قادة الأحزاب العربية من تشهيرات متبادلة ونظريات المؤامرة، أصعب من العداء بين رؤساء الأحزاب اليهودية. إلى هذه الدرجة.
إذا قرر “التجمع” التنافس في الانتخابات التالية فسيتصدى لائتلاف آخر ومحكمة عليا أخرى. بن غفير يطالب بشطب كل الأحزاب العربية: سيكون “التجمع” أولها.
بقلم: ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 4/11/2022

قد يعجبك ايضا