نظرات فذة مشرقة لسمو الأمير الحسن بن طلال
شرفت بحضور محاضرة علمية مميزة للأمير الحسن بن طلال ، في مدرج دائرة قاضي القضاة، وأمام حشد كبير من القضاة والمفكرين وأصحاب الرأي، وقد تعرض سموه لجملة من القضايا والأمور التي يعمل على انجازها، ومتابعة تنفيذها، وتبنيها المستمر لمردودها العظيم على الأمة وفوائدها الكبيرة للوطن، وقد رأيت أن أسلط مزيداً من الضوء على فكرها الرشيد وتصور سموه السديد، والتي كان في طليعتها مشروع سموه المبارك: القدس في الضمير، والمؤسسة العالمية للزكاة والتكافل، والمؤسسة الوقفية وأثرها المنقطع النظير في سد الحاجات التنموية وغيرها للأمة.. وفيما يلي كلمة موجزة عن كل مشروع من هذه المشروعات الكبرى، كما عرضها سمو الأمير، مساهمة في التعريف بها، والدعوة إلى الاهتمام بها، ودعمها بكل الوسائل الممكنة.
أولاً: القدس في الضمير: عنوان بارز لقضية كبرى ملحة الأبعاد يجب على الأمة الاهتمام بها، وجعلها في مقدمة القضايا المصيرية كيف لا؟ وهي تفرض نفسها، يومياً بما يقوم به الصهاينة من أعمال ماكرة خبيثة، لإنهاء الوجود العربي والإسلامي فيها، هذه القضية التي يجب أن تظل حية في ضمير الأمة ووجدانها، لا يضعف تعلق العرب المسلمين بها، والسعي الجاد المتواصل لتحريرها والمحافظة على درتها المسجد الأقصى المبارك، ودعم الموقف الأردني في التأكيد المستمر على الولاية الهاشمية عليها، ولإبراز كل المعاني الكبيرة التي تؤكد على تعلق الأمة والتمسك بها بكل ما يرمز إليه ويقدمه من معاني كبيرة، فالمسجد الأقصى أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، وثاني المسجدين، مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السموات العلى.
فلابد أن يستمر العمل ليلاً ونهاراً لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف. ولا بد من إبقاء شعلة القدس في ضمير كل مسلم على هذه الأرض ليعمل على تحريرها واستنقاذها من براثن العدوان، ومن هنا كان الاهتمام بزيارة المسجد الأقصى، وتأكيد تمسك المسلمين به، فلا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى.
ثانياً: المؤسسة العالمية للزكاة والتكافل: لقد حمل سمو الامير عبء الدعوة لإنشاء هذه المؤسسة مبيناً أسباب الدعوة لتأسيسها، وواجباتها، والأهداف التي تسعى لتحقيقها، مسلطاً الحديث على دور الزكاة التنموي والاجتماعي شارحاً دورها الفاعل في النهوض بالمجتمع الإسلامي، بخاصة والمجتمع الإنساني بعامة.. وقد كان لي شرف إعداد دراسة وافية عن إنشاء هذه المؤسسة العالمية للزكاة والتكافل، كما دعا إليها سمو الأمير الحسن ، وتابعت اعتماد نظامها الأساسي في عدد من مؤتمرات الحوار التي نظمتها مؤسسة آل البيت في المملكة الأردنية الهاشمية، وعرضت فكرتها على مؤتمر وزراء الدول الإسلامية؛ وعلى مجلسه التنفيذي في أكثر من اجتماع له، وقد كان قرار المجلس التنفيذي لوزراء الأوقاف الذي انعقد في القاهرة قد دعا إلى إنشاء مؤسسة أو صندوق للزكاة في كل البلاد العربية والإسلامية لتكون كل هذه الدول مشتركة في المؤسسة العالمية عندما تنشأ.
وفي المؤتمر الدولي الإنساني الذي عقد مؤخراً، في اسطنبول كان النظام المالي الاجتماعي الإسلامي من الموضوعات التي أوليت كل عناية، ومنها موضوع الزكاة، وكان من المخطط بحث موضوع المؤسسة العالمية للزكاة والتكافل، وقد أعددت بحثاً تفصيلياً، وسوف أقدم هذا البحث في مؤتمر الإسلام والتحديات المعاصرة الذي سينعقد قريباً في عمان.
ثالثاً: أهمية الوقف ودوره في تلبية حاجات النفع العام، وفاعلية دوره في تأمين الحياة الكريمة لكل إنسان في المجتمع، فما من حاجة من حاجات النفع العام، إلا ويمكن تلبيتها من خلال الوقف، والذي أدى دوراً كبيراً في تاريخ الأمة، فلم يترك شأناً من شؤون العامة للأمة، إلا ولباه وغطى كل فعالياته من المدارس إلى المستشفيات وغيرها، بالإضافة إلى العناية بالفئات المحتاجة من اليتامى والأرامل والفقراء وأبناء السبيل والجند، وطلبة العلم والمرضى والموتى وغيرهم.
وقد وقف سمو الأمير عند أوضاع الأمة المعاصرة، وبخاصة معاناتها من الإرهاب والتطرف فقال حفظه الله تعالى: (آن الأوان للانتقال من إدارة التوحش إلى إدارة الرحمة، فمن غير المعقول أن تشهد الأيام الأخيرة من شهر رمضان الفضيل تنفيذ تفجيرات إرهابية انتحارية آثمة تعبث بأمن البلاد واستقرارها وتفتك بأمن البشر وطمأنينتهم. كما تسلب الأبرياء حياتهم وتدمر حياة آخرين).
لا نحتاج إلى المزيد من الإساءة للإسلام والمسلمين باسم الدين. فالإرهاب لا وطن له، ولا ينتمي إلى أي دين أو عرق أو قومية. ولا بد من الإنصات إلى صوت العقل وحكمة الشورى، ونبذ الحقد والكراهية والفتنة الطائفية، ونشر قيم الاحترام والأخوة والوحدة، وتأكيد إنسانية الآخر.
وأضاف سموه إننا نتطلع إلى الخطاب المستنير الذي يدعو إلى الإصلاح والتقارب والالتفاف حول الثوابت والاعتصام بحبل الله والتمسك بمبدأ الشورى ـ الذي يجب ان يمثل أساساً للحوار بين أبناء الأمة: عرباً وعجماً؛ سنة وشيعة.
وركز سموه على ان وحدة الأمة العربية والإسلامية وجمع شملها من جديد سيمكنها من ان تقف سداً منيعاً في وجه آلة التوحش التي طالت حرمة الإنسان في غير مكان في شهر الرحمة والمغفرة، أما آن الأوان كي نستمع جميعاً إلى خطاب متسامح تملؤه المحبة والمغفرة والأخوة الصادقة بين أبناء الأمة على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم الثقافية والعرقية؟)
ويؤكد هذه الأفكار النهضوية حفظه الله في مقالة لسموه في جريدة الرأي بعنوان: النهضة.. فكرة وعبرة قائلاً: (ولعلنا نعود في هذا السياق إلى ولادة فكرة النهضة العربية، التي أطلقها جدي الحسين بن علي طيب الله ثراه، والتي لم تكن مجرد إعلان حرب أو تحرك جيوش تنوي فرض سلطتها على مناطق خارج حدودها، بقدر ما كانت نتيجة للبحث العربي عن الخلاص وسبل الحرية والهوية العربية، ولأنها كانت تتلمس طريقاً عربياً صائباً اشترك في صياغة مضمونة التحديثي النخبة العربية التي سعت للخلاص العربي، فان التفكير بها كحالة نهضوية بعد مائة عام يجب ان يكون بذات المستوى الذي ولدت به باعتبارها منتجاً إصلاحياً عربياً، وبكل ما لمعاني العروبة من وضوح والتي جسدها قسم الثورة العربية).
ويذهب سموه يحلل لجملة من الأحداث التي تتابعت قبل مائة سنة عندما قاد الشريف الحسين بن علي شريف مكة، الثورة العربية الكبرى، تأكيداً لنهضة العرب، ودفاعاً عن المصير والاستقلال العربي، وتأكيداً لبناء المشروع الحضاري العربي، متسائلاً عن مبررات انطلاقة عربية جديدة لبناء مستقبل زاهر لهذه الأمة مؤكداً أنها ضمن الأمم الحية، وتسعى بكل جد ونشاط لبناء الحكم الرشيد، وتحقيق مسار فاعل لحركة مجتمع متميز.
رعى الله سمو الأمير الحسن بن طلال أولاً وأخراً في ظل قيادتنا الهاشمية الرائدة.
