قلبي على لبنان الذي يقع في عين العاصفة
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات….
لا يمكن فصل مجريات الصراع في مخيم عين الحلوة الأسبوع الماضي عن مجمل تسارع وتطورات الأحداث ألتي تشهدها الساحه اللبنانيه على وجه التحديد والشرق الأوسط على وجه العموم ، فان شغور الموقع الرئاسي لها تداعيات على المكون السياسي اللبناني وأن عدم التوافق بين القوى اللبنانية على إسم رئيس للبنان يزيد من حالة الإحتقان ، حيث يتمترس كل فريق من الفرقاء المسيحيين حول مرشح دون التوافق على إسم مرشح لغاية الآن، حيث يدعم الثنائي الشيعي أمل وحزب الله ترشيح الزعيم سليمان فرنجيه في ظل تحفظات قوى مسيحيه فاعله ونافذة.
عولت الكثير من القوى السياسية اللبنانية على زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت للحلحة عقدة إنتخاب رئيساً للجمهورية، لكن كشف عن عطلة ستبعده قسرياً عن حلحلة الملف اللبناني، مشيراً إلى أنه سيعود إلى لبنان في أيلول المقبل.
تأجيل زيارة وزير الخارجية الفرنسي لبيروت ، أغضب بكركي، وعد ذلك إهمالا ً متعمداً للملف الرئاسي في لبنان، من دون الألتفات إلى تبعاته وتداعياته الكارثية على الواقع اللبناني السيء من جهة، والواقع المسيحي في الشرق الأوسط من جهة أخرى.
بحسب مصادر مقربة من موقع “ الجريدة ”، فإنه في زيارات لودريان ما قبل الأخيرة إلى لبنان، دعا الأطراف التي ترفض إنتخاب رئيس تيار “ المردة ” الزعيم سليمان فرنجية، إلى تحديد هواجسهم من وصوله إلى بعبدا، واعداً إياهم بتقديم الضمانات التي يطلبونها لتأمين إنتخاب فرنجية رئيساً.
إلّا أن أمراً ما طرأ على الموقف الفرنسي، أدى إلى تغيير موقف لودريان خلال زيارته الأخيرة، فتوجه إلى رئيس مجلس النواب دولة الأستاذ نبيه بري، طالباً منه ذكر الضمانات ألتي يريدها هو و ” حزب الله ” لإنتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيساً للجمهورية، وفوجئ لودريان أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أكد له أن “الثنائي” لا يضع فيتو على أحد، ولكنه يؤمن أن الحوار هو الحل الوحيد لتقريب وجهات النظر والأتفاق على رئيس لكل اللبنانيين.
التأجيل الفرنسي يضع علامات إستفهام وتساؤلات عديدة؟؟ في ظل تفجر الأوضاع في مخيم عين الحلوة الأسبوع الماضي لذا كان التأجيل مرتبط بمخطط تفجر الأوضاع في المنطقة أثر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ومحاولات أمريكية للسير في عملية التطبيع بين السعودية وإسرائيل وبات الشغل الشاغل للرئيس الأمريكي بإيدن والذي يرفض السير بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان دون إيجاد خارطة طريق واضحة وشاملة لحل مجمل للقضية الفلسطينية.
أعلن بيان للرئاسة الأمريكية أن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلتقى في جدّة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ولي العهد وكبار المسؤولين العسكريين والأمنين السعوديين، وأوضح البيان أن سوليفان وبن سلمان بحثا في ” الشؤون الثنائية والإقليمية بما في ذلك مبادرات لبلورة رؤية مشتركة لشرق أوسط أكثر سلاماً وأمناً وازدهاراً واستقراراً وترابطاً مع العالم “، وأشار البيان إلى أن سوليفان تطرّق إلى ” منافع الهدنة التي تم التوصل إليها في اليمن ” و ” رحّب بالجهود التي تقودها منظمة الأمم المتحدة لوضع حد للحرب “.
من جهتها أفادت وكالة الأنباء السعودية ” واس ” بأن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان أستقبل في جدة الخميس مستشار الأمن القومي الأمريكي، وأوردت الوكالة السعودية أنه ” تم خلال اللقاء أستعراض العلاقات الإستراتيجية بين البلدين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، كما تم أستعراض مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية ذات الأهتمام المشترك”.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد زار الرياض في حزيران/يونيو الماضي، وسعى خلال الزيارة للدفع باتّجاه تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وسبق أن صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن لشبكة (سي.إن.إن) أوائل تموز/يوليو الماضي بأن إسرائيل والسعودية أمامهما طريق طويل للتوصل إلى إتفاق تطبيع يتضمن معاهدة دفاعية وبرنامجاً نووياً مدنياً من الولايات المتحدة، ولم يشر بيان البيت الأبيض إلى إسرائيل، لكن مسئولاً في البيت الأبيض قال إن إتفاق تطبيع محتمل مع إسرائيل كان من بين المواضيع المطروحة.
ووفق المحللين والمتابعين للشأن اللبناني وأنا واحداً منهم يتساءلون عن سبب التأجيل الفرنسي لوزير الخارجية لودريان ويضع علامات تساؤل وأستفهام كبيرة ؟؟ كما لم يكن مفهوماً تجديد التحذير السعودي مؤخراً من السفر إلى لبنان، ودعوة كل الرعايا السعوديين الموجودين على الأراضي اللبنانية إلى مغادرتها فوراً، وتبعتها الكويت والبحرين وعدة دول عربيه وأوروبية ، هذا التوجه وهذا التحذير ، خلق حالة من الأرباك والبلبة، وفيضاً من التساؤلات حول الأسباب والتوقيت، بحسب بيان السفارة السعودية في بيروت والدول الأخرى، هو تأزم الوضع الأمني في مخيم “ عين الحلوة ” للأجئين الفلسطينيين.
ما يثير الريبة في هذا الإعلان، أنه أتى بعد هدوء وهدنة في المخيم على مدى يومين، فلِمَ صدر في هذا اليوم في التحديد، ولم يصدر البيان إبّان إشتعال المخيم وجواره؟؟.
ما حدا برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يوم أمس السبت القول إن “ الوضع الأمني بالإجمال لا يستدعي القلق والهلع ”، بعد أن أصدرت ألمانيا ودول في الخليج تحذيرات جديدة من السفر في أعقاب إندلاع أعمال عنف.
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي : “ بنتيجة البحث مع القيادات العسكرية والأمنية، أفادت المعطيات المتوفرة أن الوضع الأمني بالإجمال، لا يستدعي القلق والهلع، وأن الإتصالات السياسية والأمنية لمعالجة أحداث مخيم عين الحلوة قطعت أشواطا متقدمة ”.
على ضوء التداعيات في مخيم عين الحلوة ، يمكن قراءة المشهد على الصعيد الداخلي، بأنه إيعاز خارجي بأن يتُرك لبنان لمصيره خلال شهر آب، مع تحريك عامل التفلّت الأمني الذي قد تكون شرارته المخيمات الفلسطينية، مما يؤدي إلى تأجيج الوضع أمنياً وسياسياً، في الوقت الذي تقبع فيه الدول “ المساهمة ” في إجازتها الصيفية، ما يستدعي ضبط الإيقاع سياسياً، ويصبح قائد الجيش حاجة ملحّة لضبط الأمن عبر الموقع الأول في الجمهورية اللبنانية.
هذا التصعيد بالمجمل مرتبط بالغياب غير المبرر للدور الفرنسي خلال شهر آب، تزامناً مع القرار السعودي، القديم الجديد، بالتحذير من السفر إلى لبنان، بالإضافة إلى ما سرّبه الإعلام من محاولات لتدخّل الجيش في معركة “ عين الحلوة ” لحسمها، ولكن الجيش لم يقدم على هذه الخطوة، ثم نفى وجود خطة لديه بهذا الصدد، فهل لم يحن موعد ذلك ؟؟ أم أن ثمة من حال دون إقحام الجيش في هذه “ المؤامرة ” الخبيثه ألتي تستهدف لبنان قبل المخيمات الفلسطينية حتى لا يتم الإستثمار بالنتائج لصالح الإنتخابات الرئاسية؟.
ربما تتخذ الدول “الفاعلة” في ملف رئاسة الجمهورية، تصاعد حدة الصراعات، كفرصة لممارسة كل الضغوط، وجر الأطراف اللبنانية إلى طاولة الحوار بطريقة مختلفة تتوافق والرؤيا التي تراها فرنسا وأمريكا لصالح المخطط المرسوم للمنطقة وفي أولوياته تصفية القضية الفلسطينية وإنهاء ملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ضمن مخطط يقود للتوطين وإسقاط حق العوده وتقرير المصير.
أما على الصعيد الإقليمي، لا يمكن فصل القرار السعودي بمنع السفر عقب أيام على إعلان السفير الإيراني في الرياض علي رضا عنايتي، في تصريح صحفي، أن السعودية أرجأت فتح سفاراتها في بلاده إلى موعد غير محدود، موضحاً بأن السعوديين أبلغوا بلاده بأنه سيتم فتح السفارة “ متى ما رأوا ذلك مناسباً ”.
هذا التأجيل يشير إلى أن الوضع بين طهران والرياض ليس في أحسن أحواله، وأن الخلاف قد ينشب من جديد لينهي الأتفاق الذي جاء برعاية صينية قبل أن يبدأ.
وكمتابع للشأن اللبناني أطرح التساؤل عن الدوافع التي حدت بالمملكة العربية السعودية وأطراف أخرى لمنع السفر إلى لبنان والتحذير لرعايا هذه الدول أيضاً مغادرة لبنان ؟؟.
هل لزيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان علاقة بملامح “ كبح ” تطور العلاقة بين الرياض وطهران؟؟، وهل هناك مخطط رسمته إدارة بإيدن وحليفتها فرنسا للمنطقة لإعادة تكوينها وتحالفتها ووضع حدود للتدخل الصيني والروسي ومحاصرة إيران ودعم إسرائيل؟؟.
الواضح أن زيارة الموفد الأميركي لها علاقة مباشرة بمحاولة تطبيع العلاقات بين السعودية وكيان الأحتلال الإسرائيلي، لكن هذا التطبيع لا بد أن يصطدم بالمسار الإيجابي في العلاقة السعودية ـ الإيرانية، وربما هذا ما يفسّر وقف المملكة العربية السعودية التطبيع مع الجمهورية الإسلاميه الإيرانية.
وعلى هذه الحال، ثمة من يقول المنطقة ككل، ستدخل على منعطف جديد، وبإنتظارها سخونة سياسية في العلاقات الدبلوماسية، سيكون للبنان حتماً الحصة الكبرى فيها، كونه يعد حلقة ضعيفة في الوقت الحالي، وأي تأجيل سيطرأ على الأهتمام بالملف اللبناني، سيعدّ ضربة قاضية للحلول الممكنة، خاصة في ظل الفراغ الرئاسي والفراغ في حاكمية مصرف لبنان وحسابات المصرف في آن واحد.
أحداث مخيم عين الحلوة ليس حدث فلسطيني داخلي ومؤامرة أغتيال العرموشي ورفاقه بدم بارد على أيادي التكفيرين مرتبطة بمخطط أبعد من ذلك وأن الخطر يتهدد لبنان والمنطقة بأكملها ووفق ما تشير إليه تسلسل الأحداث من تفجير على الساحة اللبنانية ومن تغول إسرائيلي واعتداءات وقتل للفلسطينيين ومخطط التوسع الأستيطاني وخطوات تمهد للتطبيع بين السعودية وإسرائيل، كل تلك الأحداث تنبئ بتفجر الأوضاع وإمكانية خروجها عن السيطرة إذا إشتعلت الحرب على الجبهة الشمالية والجنوبية مع إسرائيل، وإذا أستشعرت إيران أن الخطر يتهددها.
اللهم إحفظ لبنان وشعبها العظيم من كل سوء ومكروه.
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
الأردن – عمان 2023/8/7