شحادا وقحا ولكنه مليونيرا

بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي .……

 

الكل يعرف أننا في هذا الشهر الذي هو يعتبر من افضل شهور السنة دينيا وإجتماعيا وإقتصاديا وحتى تاريخيا من حيث الفتوحات والإنتصارات في الغزوات والمعارك التي سجلتها أُمتنا العربية والإسلامية.

شهر رمضان شهر الخيرات والصدقات والزكاوات وهو أيضا شهر الشحادين والشحادات والنصابين والكذابين
والمحتالات الذين هم يجمعون ثروات هائلة بدون أيّ جهد أو عناء ودون أيّ كلفة مادية أو مخاطرات مالية ، فكل ما عليهم سوى أن يلبسوا اوسخ وأردى الثياب والإنتشار امام أبواب المساجد والبنوك والمطاعم و الكوفي شوبات ، واستخدام عناصر من النساء والأطفال وتعليمهم محفوظات التسول ومعها بعض الأدعية وقليلا من ثقالة الدم ولصقات جونسون .

النماذج كثيرة من هؤلاء الذين مروا علينا في حياتنا ، ومثال على ذلك كان في يوم أمس حيث ذهبت لأشتري بعضا من المواد التموينية من بقالات الحارة حيث قمت بإعطاء أول تاجرا ورقة نقدية من فئة الخمسين دينارا ، فاعتذر التاجر مني عن عدم توفر الفلوس لدية لإرجاع باقي الخمسين ، فذهبت إلى بقالة أخرى وكانت أيضأ تتكرر نفس الحالة، اما عند صاحب البقالة الثالثة فإنه باعني وأرجع لي باقي المبلغ ، واخبرتة مستغربا من ما حدث معي في البقالات الأخرى، فقال لي بأن هناك كسادا كبيرا في الأسواق وانخفاضا كبيرا أيضا في القوة الشرائية عند المجتمع والتي لا تظهر إلا فقط بيوم واحد من أيام الشهر ، ألا وهو يوم نزول الرواتب حيث تنعدم باقي أيام الشهر ، قم تابع هذا التاجر الثالث وطلب مني أجلس وان يحكي لي سبب قدرته على صرف ورقة الخمسون دينارا وقال : حضر إلى عندي متسولا بحوالي الساعة الثانية ظهرا وقام بتوريد أول وجبة من الصدقات والتحسُنات عن عمل 6 ساعات شِحادة حيث كانت قيمتها ثمانون دينارا من العملات المعدنية والأوراق النقدية ذات الدينار ونصف الدينار ، فكان هذا المتسول وعلى لسان التاجر يكسب أضعاف أضعاف ما اكسبه أنا ، ولا يوجد عند ألمتسول أي running cost (كُلَف تشغيلية ) ولا ضرائب ولا مسقفات ولا فواتير كهرباء ومياه ولا مخالفات صحية أو تنظيمية ، ونصحني قائلا بأنه اذا تقدم لأبنتك ثلاثة عرسان وكان أحدهم طبيبا والأخر مهندسا والثالث محتالا ونصابا ، فاظفر بالثالث تربت يداك ، وسبب ذلك هو أنه الوحيد المقتدر وهو القادر على تأمين إحتياجاتها المالية لأنه يملكها وأيضا فإنه سوف يورثها المال والعقار بعد وفاته ، ثم قال لي اذا أردت ان تصرف أي ورقة نقدية بالسوق مهما علت قيمتها فعليك بالشحادين او النصابين المحتالين فإنهم هم الوحيدون الذي يملكون النقود دائما ولديهم القدرة أيضا على تحريك عجلة السوق وتغيير أحواله.

قبل أيام شاهدت أيضا رجلا مُسِناً كان يحلف أغلظ الإيمان ويقسمُ على الله بأنه مُحتاج للمساعدة من أجل الإفطار والمواصلات ، فقمت بإعطائه ورقة نقدية من فئة ال 5 دنانير ثم غبتُ عنه حوالي الساعة وعندما عدت أوى نفس المكان وجدته يطلب نفس الطلب ووجدت أيضا مثلي هبايل يعطونه، ومتسولا أخر دخل على الجامع مكسور الرِجِل مِعوَج الرقبة خافِت الصوت تشعر بأن حالته تحتاج إلى دخول لقسم العناية الحثيثة ، ولكنه فجأةً صارَ خيالا ومتسابقا في ماراثون الهروب من فِرَق مكافحة التسول التابعة لوزارة التنمية الإجتماعية.

كل ما تقدم لا يُنسينا ما يحدث على الإشارات الضوئية من ثقالات دم وزناخات ووقاحات من متسولات أو من بياعين مناديل ورق أو مخدات علكات والذين هم مدربون على أن يتقمصوا صفات ذباب الغور بحيث لا تستطيع الفرار منه إلا بإعطائه ، وعليك أن تتحمل بعد ذلك افواج أخرى تجعلك مرغما على التعامل معها وإرضائها أيضا .
روى لي صديقي الذي يعمل مديرا لإحدى الشركات بأنه في أحَد المرات دخل عليه متسولا اغبرا اشعثا مُتحودب الظهر مكسورَ العينين مُرّتَجف الأطراف ، يطلب مني المساعدة المالية ليدفع إيجار وفواتير الكهرباء المتراكمة عليه منذ شهور ، وأنه يقبل أن تعطية فراطات أو فئات نقدية قليلة القيمة ، فقال لي صديقي بأنه كان في ذلك اليوم لا يحمل أيّة نقود بجيوبه ، فقام بالمناداة على مراسل الشركة (عامل البوفيه) وطلب منه أن يعطي المتسول اذا كان يحمل نقودا ، وأرسل المتسول إلى المراسل ولكن حدث فجأة بأن ظهر صوت المراسل عاليا وصارخا وغاضبا، والمتسول يترجى ويمسك بلحية المراسل طالبا منه السِتر والصمت ، فسألت المراسل عن ماذا يحدث ، فأبلغني بأن هذا المتسول هو مالك العمارة التي يستأجر هو فيها شقتة .
إلى متى سوف تبقى هذه الحالات بدون تشريعات قانونية أو إجراءات إدارية رادعة بحيث تصاحبها عقوبات مالية مضاعفة أو أن تفرض عليهم إقامات إجبارية بمكان إقاماتهم ولا يسمح لهم بالتنقل من مدينة لأخرى ومن حارة إلى حارة بحيث يخلفون ورائهم مكاره صحية مزعجة ومقرفة ، ويجب إنشاء فِرَق متابعة حثيثة مدربة ومتابعة لهم وعلى مدار الساعة في المدن والشوارع وخصوصا بين المحلات وعلى أبواب منازلنا والبنوك والمساجد وعلى الإشارات الضوئية.

ومع كل ذلك فإن علينا نحن أن لا نشجعهم على هذه المهنة وأن نتحرى في زكاتنا وصدقاتنا عن المحتاجون والفقراء والمساكين الحقيقيون الذي تأبى عزة أنفسهم أن يبسطوا إياديهم أو يكسروا خواطرهم حتى لو خوت امعائهم وتكالبت عليهم النوائب .

الحسنة بعشر أضعافها ، والله يضاعف لمن يشاء، وشهر رمضان شهر الخيرات والرحمات والمغفرات ، فتحروا قبل أن تعطوا صدقاتكم وزكاتكم لمن يحفظ الدعاء ويقرأه عليكم أمام المساجد ولكنهم لا يصلون فيها ، فإذا كنت أنت تصلي بالمسجد فما حاجتك إلى دعاء من لا يصلي ويأتي للمسجد متسولا و يجلس خارج المسجد ولا يصلي فيه .
كل عام وانتم بألف خير ورمضان كريم عليك يا وطني .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.