فلنتكلم قانون دولي ولنبتعد عن العواطف والمشاعر

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات …. 

 

هل صحيح إستغلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية المادة 51 لتغطية هجومها على إسرائيل …؟ أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية إستغلت المادة 51 لتغطية هجومها على إسرائيل، وردت بأقل من حرب وبرسالة أممية تكرس الإلتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية، حيث نصت تلك المادة على أنه من الحق الطبيعي للدول الدفاع عن نفسها، وعلى التدابير ألتي إتخاذها الأعضاء إستعمالاً لحق الدفاع عن النفس أن تبلغ إلى مجلس الأمن فوراً، وأن رد إيران على إسرائيل لم يخرج عما نصت عليه القوانين والمواثيق الدولية ألتى شرعتها الأمم المتحدة في معاهداتها الجماعية، الرد الذي جاء نتيجة قصف إسرائيل الإرهابي على قنصلية إيرانية مجاورة لسفارتها في حي المزة الدمشقي وسط العاصمة دمشق والذي أفضى لأستشهاد عدد من القياديين الإيرانيين البارزين في الحرس الثوري مطلع الشهر الجاري، وكانت إيران قد أستندت في هجومها على دولة الإحتلال الإسرائيلي أولاً وأخيراً على المادة51 من القانون الدولي والمرتبطة بحقوق الدفاع عن النفس وحق الدفاع والرد على الإعتداء مشروع، وعلى رغم أن ما بين إيران والكيان الغاصب أكبر بكثير من الأحتكام لمعاهدة دولية أو قرارات أممية، فإن الدول عموماً تلجأ في حالات معينة للأحتكام إلى القوانين الدولية المرتبطة بالحروب لتأمين غطاء يبرر تصرفاتها ويجنبها غضباً دولياً وتحالفات عالمية متزايدة ضدها، فما هي تلك المادة السحرية …؟.
يمنع القانون الدولي عامة وفق المواثيق المبرمة تاريخياً في الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي من الإفراط في إستخدام قوتها وصرف نفوذها العسكري لتحقيق أهداف عدوانية تتخطى مقدار المسموح به في إطار رد إعتبارها ودرء العدوان عن أراضيها، لكن ذلك ظل كلاماً عاماً وغير مفهوم في سياق تحقيق متى وكيف وأين يسمح للدول بإستخدام قوتها، لتأتي المادة 51 قانون دولي وتوضح الأمر بأكمله، وكانت قد نصت تلك المادة على أنه من الحق الطبيعي للدول الدفاع عن نفسها، وجاء في متن المادة على التدابير ألتي إتخذها الأعضاء إستعمالاً لحق الدفاع عن النفس أن تبلغ إلى مجلس الأمن الدولي فوراً، وألا تؤثر تلك التدابير بأي حال في ما للمجلس، بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق، من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لأتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه، وفي هذا الإطار، يبدو أن إيران ألتزمت المادة بصورتها النصية، وظهر ذلك جلياً من تحديد ليلة الهجوم على إسرائيل، إذ كان التصريح الإيراني الرسمي الأول الذي خرج على لسان مسؤوليها صادراً عن بعثتها الدبلوماسية في مجلس الأمن الدولي والتي قالت : هجومنا إنتهى الآن، وبدا ذلك التصريح على رسميته الدبلوماسية، غريباً إذ إن المعركة لم تكن تبدأ حتى فوق إسرائيل، بل كانت في حينها تسمع أصوات الإنفجارات العنيفة في سماء سوريا والأردن، إذ كانت تتصدى طائرات أميركية وبريطانية وأستطلاعية فرنسية وعربية أحياناً للمسيرات المقبلة من طهران، طهران ألتى حددت موعد الهجوم وآليته وطريقته وتعداد القوة المشاركة به من مسيرات وصواريخ باليستية وصواريخ أرض ــــ أرض وبمعزل عن النتيجة النهائية للمعركة ألتى لم يعرف العالم حقيقة إن كانت بدأت أم انتهت، وإن حققت أهدافها أم كانت إستعراضاً موسعاً لما بقدرة إيران من إستخدامه في حروب مقبلة، والحرب كان أول ما فيها خسارة مالية لا تذكر لإيران وخسارة مليارية لإسرائيل ألتي أستخدمت مضادات باهضة في الكلفة المالية حتى كانت النتائج النهائية هي إعتراض 99 في المئة من الهجوم الإيراني، واستناداً إلى ذات المادة القانونية المكتسبة صفتها التشريعية من الميثاق الدولي كان يحق لإيران ” كدولة ” أن تستخدم أراضيها لأول مرة تاريخياً في توجيه هجوم موسع نحو إسرائيل، في سابقة لم تحدث من قبل على رغم إغتيال إسرائيل سابقاً عشرات القيادات الإيرانية، ولم تكن متوقعة حتى أسابيع قليلة ماضية على رغم إشتعال الإقليم ما بعد 7 تشرين أول/أكتوبر الماضي، وكانت إيران قد أستخدمت تقريبا 300 مسيرة وصاروخ متقدم في هجمتها، كما أطلقت بعد إنتهاء هجومها تهديداً بأن أي أعتداء إسرائيلي آخر سيكون الرد عليه أقسى، بعد أن أبلغت إيران سويسرا وقطر وتركيا بذلك لتوصله إلى الأميركيين الذين لم يخفوا دعمهم لإسرائيل في صد أي هجوم، لكنهم في الوقت ذاته صرحوا بأنهم لن يدعموا إسرائيل هذه المرة إذا ما أرادت شن هجوم كرد فعل، معللة، أي الولايات المتحدة الأمريكية أنها لا تريد إشتعال حرب مفتوحة في الشرق الأوسط، لا يستطيع أحد السيطرة على مجرياتها، لذا يبدو أن التصريح الأميركي منطقياً ومنطلقاً من معرفة دقيقة بمآلات الأمور إذا ما تطورت وإمكانية خروجها عن السيطرة كلياً لتصبح قواعدها في المنطقة تحت دائرة النار، تحديداً تلك ألتى في سوريا والعراق والمحاطة بداعمي إيران، فضلاً عن أن أميركا تعد عرابة المادة51 حيث طوعتها في إطارات متعددة قلبت موازين المنطقة غير مرة ضمن الفصل السابع الأممي، ولم تجد أميركا أفضل من المادة51 غطاءاً لإرسال قواتها مع التحالف الدولي أواسط عام 2014 لمساعدة الحكومة العراقية ألتي تقدمت إليها بطلب رسمي لمساعدتها في مواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي، الذي أحتل أراضي عدة في غربي العراق، يومها تريثت إدارة الرئيس باراك أوباما حتى قررت أن المبرر الشرعي هو الإستناد للمادة إياها أمام المجتمع الدولي، وأدخلت معها في الحرب فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا، بمباركة أممية دستورية، هذا وفي شباط/ فيبروري من عام 2015 أعدم تنظيم داعش الإرهابي 21 مواطناً مصرياً في ليبيا، فنفذت مصر هجمات واسعة بسلاح الجو على مواقع يعتقد أنها تابعة للتنظيم في ليبيا، حينها أكدت مصر حقها الأصيل والثابت في الدفاع الشرعي عن النفس وحماية مواطنيها في الخارج ضد أي تهديد وفقاً لنصوص ميثاق الأمم المتحدة ألتى تكفل للدول فرادى وجماعات حق الدفاع الشرعي عن النفس مشيرة بذلك إلى المادة51، وكذلك حينما أستخدمت الأردن هذا الحق المشروع بالهجوم بطائرات سلاح الجو الملكي على معاقل تنظيم داعش في سوريا عندما إستشهد الطيار معاذ الكساسبة في 24 ديسمبر من عام 2014، وايضاً حين دخلت سوريا نفقها المظلم عام 2015 إثر سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على أكثر من 70 في المئة من مساحة البلاد، لم تجد حلاً إلا بالأستعانة بدولة روسيا الأتحادية ألتي تدخلت سريعاً مستندة أيضاً إلى مواثيق الأمم المتحدة والمادة ذاتها، وحتى بعد التدخل الروسي الواسع من جهة والتدخل الغربي من جهة أخرى، ضمن الهدف المشترك للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي داعش، تمكن الجميع من دحر التنظيم وتعزيز نفوذ المادة51 دولياً كسبيل لتحقيق إنجازات كبرى، ولعل من أبرز إستخدامات تلك المادة كانت إغتيال الجنرال الإيراني الشهيد قاسم سليماني والقيادي في الحشد الشعبي أبومهدي المهندس في العراق في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبررت الإدارة الأميركية ذلك بضرورات الأمن القومي والدفاع عن النفس في مواجهة التعديات والأعتداءات وبما لا يخرق مواثيق الأمم المتحدة ألتى تغطي درء الخطر المباشر بنص المادة51 قانون دولي، ويعتقد بأن إيران أستخدمت حقها الدستوري والشرعي التام، الذي وقعت هي نفسها عليه بصفتها عضواً في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وذلك على إعتبار أن توجيهها تلك الضربة لإسرائيل لم يكن يحمل أي خروج عن الميثاق المعمول به في التصدي للعدوان الخارجي الذي طال أمد أستهدافه لإيران خارج أراضيها، لكن ثمة مشكلة خطرة في المادة 51 وهي في نهايتها ألتي تقول : يتاح للدولة المعتدى عليها أن ترد الإعتداء حتى يتحرك المجتمع الدولي ويتخذ التدابير اللازمة، فلو إستمر الهجوم الإيراني واشتعل الشرق الأوسط حينها ماذا كان يمكن للمجتمع الدولي أن يفعل قبل أن يقضي أشهراً في الإدانات تزامناً مع سقوط آلاف القتلى ودمار دول في المنطقة أبعد من إسرائيل وإيران، هذا ويقال الآن بأن إيران ومن خلال وزارة الخارجية والخبراء القانونيين بها وعلى رأسهم البروفسور الدكتور سيد علي الموسوي والذي أعرفه شخصياً نجحت هذه المرة في قراءة المواثيق الدولية مدركة أن ما هي مقدمة عليه يجب أن يحظى بغطاء واسع إذا ما تفلت الأمور في أي لحظة وخرجت عن السيطرة، ولو كان ذلك مستبعداً نسبياً، لكن في هجمات كتلك كل شيء جائز، خاصة وأنه كان أول قرار منطقي ومدروس من إيران هو إستبعاد سوريا وفصائل العراق وحزب الله والحوثيين وبقية المقاتلين المتحالفين معها في المنطقة وضمناً حماس عن المشهد بشكل عام، ليتخذ الأمر صبغة دولة تواجه ” دولة ” في إطار إسترداد حق مسكوت عنه لسنوات، وبما يكفل لها الحجة الواسعة أمام مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة في أنها كانت تتحرك في إطار حماية مصالحها القومية وبأن صواريخها لم تكن لحرب شاملة بل لإيصال رسالة مفادها : رد الإعتداء عن دولتنا حق مكفول ومصان، وحق الدفاع عن دولتنا أيضاً مشروع كما أن حق الدولة في الدفاع عن نفسها ينطلق من حق الإنسان الفطري في الدفاع عن نفسه، وكلا هذين الدفاعين منظمان ومعتمدان في القوانين الدولية، وإيران تريثت قرابة أسبوعين قبل شن هجومها، وأعلنت عنه قبل 72 ساعه وهو وقت كاف واصفة عدته وعديده، ومبلغة دول العالم المهتم بآليته، فكانت تبحث عن رسالة وليس تأديباً وإلا كان الرد خرجاً من مواقع أخرى أقرب من إيران نفسها، لكنها أختارت ذاتها لتضع العالم أمام مسؤولياته مع حقها في الدفاع المشروع عن النفس، وبمعزل عن المواقف الشخصية من إيران والمواقف العربية والدولية، ولو كانت هناك دولة أخرى غير إيران فلن يتغير شيء، فالقوانين الدولية ملزمة للجميع بالتساوي نفسه وبغض النظر عن المزاجية المطبقة عليها أحياناً، لكن إيران تصرفت عسكرياً ضمن القانون الجامع مدركة جيداً ما تفعله وكيف يمكنها أن تدافع عن نفسها بأقل الأخطار، وهكذا تكون إيران عملت على الإلتزام بالتشريع القانوني الذي نشأ وتبلور كمفهوم بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، إذ كان يسعى الفرقاء الدوليون حينها لإيجاد صيغة توقف الحروب لكنهم إصطدموا بعقبة إستحالة إنعدام وجود نزاعات مسلحة بين منطقة وأخرى، وهناك من يقول بأن المادة51 وميثاق الأمم المتحدة ضيقان للغاية ولا يجيزان خوض حرب مفتوحة بأي شكل في ما خلا السماح برد العدوان والدفاع عن النفس وأي أمر يتعدى ذلك يتطلب قراراً من مجلس الأمن الدولي طبعا وفق معاهدة فيينا الدبلوماسية والمواثيق الأممية، فإن سفارة جمهورية في جمهورية أخرى هي أرض مستقلة تتبع للحصانة الدولية وتعود ملكيتها للدولة صاحبة السفارة وألتي ترفع علم دولتها، أي إن القنصلية الملحقة بالسفارة الإيرانية المستهدفة في سوريا هي أرض إيرانية وليست سورية، بالتالي فإن الإعتداء وقع على أرض إيرانية داخل أراض سورية، ومن هنا جاءت شرعية الرد المستند على المادة 51 ، ومع هذا تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الهجوم الإيراني على إسرائيل فشلاً ذريعاً ومحرجاً.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.