«اليوبيل الفضي الأردني»: ما هي الآثار المتوقعة؟
شبكة الشرق الأوسط نيوز : اجتهدنا.. نجحنا وأخطأنا… ثم حرصنا على تصويب العثرات».
تلك «عبارة مفتاحية» وأساسية ضمن الرسائل العميقة التي وردت في خطاب الملك عبد الله الثاني لشعبه بمناسبة اليوبيل الفضي للجلوس على العرش. فهم تلك العبارة ودلالاتها يؤشر على الكثير.
لكن السؤال: ما الذي ينبغي أن تفهمه النخبة السياسية والوظيفية التي اصطفت خلف العائلة المالكة في الاحتفال الوطني المثير بمناسبة اليوبيل مساء الأحد من التلميح الملكي هنا؟
واحدة من إشكالات «طبقة كبار المسؤولين» في الأردن أنهم لا يريدون الإقرار بحصول «أخطاء» ولا يحملون في خطابهم وأدائهم أي منسوب من «التواضع الأساسي» الذي تعكسه العبارة الملكية في ثلاثية» الاجتهاد والخطأ والتصويب». وهنا واحدة من مفارقات «أزمة الأدوات» في المشهد الأردني، حيث المؤسسة المرجعية تطرح بجرأة تقييماً موضوعياً يحتمل حصول «عثرات» وتراهن على أن الوطنية الحقيقية تقتضي الانشغال بتصويب تلك العثرات، فيما لا يفعل التنفيذيون ذلك لا في سلطة الحكومة ولا حتى في سلطة البرلمان.
أحد كبار السياسيين الخبراء أبلغ «القدس العربي» مساء الأحد، أن ما يريده الملك قاله بوضوح أمام شعبه في إطار «تحفيزي» للعمل والاجتهاد ومواصلة المسيرة وتجنب سلبية التوقف عن الأخطاء، لا بل تجنب التذرع بحصول أخطاء.
تلك «منشهجية متكاملة» ومدروسة أقرنها خطاب اليوبيل بـ «القدرة على تحقيق الأهداف والطموحات» عبر التصويب والتطلع للنجاح إلى ثلاثية أخرى تضمنتها ثاني الرسائل المهمة في الخطاب الملكي، حيث النجاح مستقبلاً يعتمد على «المواهب والكفاءات والقدرات البشرية».
تلك بكل وضوح نظرة نحو المستقبل في الرؤية الملكية، تخاطب القطاع الشاب حتى عندما يلاحظ المسؤول الأول في حزب جبهة العمل الإسلامي المهندس وائل السقا، في بيان له الأسبوع الماضي، بأن ما حصل مع طلاب الجامعات وانتخاباتهم «يتعاكس» مع الرؤية التحفيزية الضامنة لحريات العمل الشبابي والطلابي. وهنا حصراً، ما لامسه السقا ـ بصرف النظر عن خلفيته الحزبية والسياسية ـ هي إشارة إنذار مبكر؛ لأن خطاب اليوبيل قد يؤسس لحالة «فصل مع آلية العمل في الماضي» ليس من باب الانفصال التام عن الماضي، بل من باب التجديد في الوسائل والأولويات والأدوات، وهو بكل حال الأمر المنتظر الآن بعد الاحتفالات عند بروز الحسم الملكي بخصوص عدة ملفات عالقة.
في خطاب الملك: «اجتهدنا… نجحنا وأخطأنا وإلى التصويب»
بعض من جلسوا خلف الصف الملكي في احتفالات الأحد ستناط بهم مسؤوليات وظيفية في المستقبل القريب، والانطباعات تتزايد بأن تركيز الملك مجدداً على «مسار تحديث المنظومات في الدولة» باعتباره «المعيار المعتمد» قد يؤدي قريباً جداً إلى تقليص فرصة عدد لا يستهان به من رموز الإدارة الحاليين بالبقاء على خشبة المسرح، كما سيؤسس لفرص تخص طاقماً جديداً يمكن أن يكلف بتنفيذ مشاريع التحديث بمساراته الثلاثة.
ذلك عملياً وقبل الانتخابات المقبلة، لم يعد ترفاً بل حاجة ملحة برأي العديدين؛ لأن «معايير» خطاب اليوبيل الملكي واضحة وحادة ويخالفها في الواقع الموضوعي الكثير من الموجودين الآن على سدة الوظيفة العليا، وحيث «التعهدات الملكية» المباشرة في الخطاب والاحتفال للشعب أيضاً واضحة في المسألة السيادية التي لا يشتكي منها المواطن الأردني عموماً بقدر ما يشتكي من التنفيذيين والحكومات المتعاقبة.
ما تبدو عليه التنبؤات السياسية أن خطاب اليوبيل وضع ضمناً نمطاً لـ«مصفوفة إدارية عليا» مستجدة قد تعتمد قريباً، والتمسك في خطاب بمناسبة دستورية رفيعة بمسارات «التحديث» يعني ما صادق عليه سابقاً الخبير البرلماني الدكتور خير أبو صعليك عندما أبلغ «القدس العربي» أن «الحكومات بعد وثائق التحديث» محظوظة للغاية، فهي لن تخترع الصاروخ ولديها «مرجعيات مفصلة» والمطلوب منها حصراً الالتزام بتنفيذها.
لكن «حسن التنفيذ» مستقبلاً، وهو على الأرجح ما قصده اللسان الملكي بالحديث عن «التصويب» ليس مرتبطاً بالنصوص والتوجيهات فقط بقدر ما هو مرتبط بآلية اختيار الأدوات التي ستصعد للمسرح في المرحلة الحساسة التالية لإضفاء مصداقية على خطاب التحديث. وهنا حصراً، ثمة إشكالية إذا أديرت الخيارات مجدداً بموجب موازين المحاصصات القديمة، أو إذا عهد لـ«غير الديمقراطيين» بإدارة «عملية ديمقراطية» وفقاً للقاعدة التي ابتدعها قبل سنوات طويلة المخضرم ممدوح العبادي، وهو يقول: «الإصلاح يقوده الإصلاحيون».
وقد يعني ذلك أن «التحديث» يصنعه «التحديثيون»… أين هم الآن هؤلاء بصورة محددة؟ سؤال صغير، لكن الإجابة عليه صعبة ومعقدة ليس فقط لأن مسار التحديث «متدرج وثقافي وسلوكي» كما يفهمه لاعب بخبرة موسى المعايطة، ولكن لأن «مؤسسات التنفيذ» ليست بعد باللياقة الإيمانية المطلوبة لممارسة «التحديث» والتعامل معه كما تريده الرؤية المرجعية كاستراتيجية عمل.
يمكن القول على نحو أو آخر، إن خطاب اليوبيل على دلالاته المشحونة عاطفياً ووطنياً مال إلى «حسم الجدالات والاجتهادات» داخل مؤسسات القرار بخصوص «استراتيجية التحديث» لا بل قد يعتبر الخطاب الذي «رسم خارطة جديدة» لمضامين التحديث هو بمقياس التزامات «القيادة» هذه المرة وتعهداتها العلنية للشعب عموماً، الأمر الذي لا يبقي أمام بقية المؤسسات إلا «الامتثال» بعد تجميد خاصية «الاجتهاد بالنصوص».
الانطباع العام أن مسار التحديث لا يواجه مشكلة «أمام الشارع» بل في عمق مؤسسات وأذرع نخب الدولة، وبالتأكيد رسائل الملك في خطاب يوبيله ليس موجهاً للشعب فقط، فطابور «علية القوم» كان على مساحة واسعة في موقع الاحتفال، ولا عذر لمن قال أو ادعى أنه لم يسمع «رأس الدولة» وهو يتحدث بثلاثية «اجتهدنا.. نجحنا وأخطأنا، ونعمل على تصويب العثرات».
المصدر : القدس العربي – بسام البدارين
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.