“اشتم أمك وانشد هاتكفا”.. أسرى فلسطينيون يروون مشاهد من “جهنم”

هاجر شيزاف  ……

عشرات الشهادات التي جمعتها منظمة “بتسيلم” من الفلسطينيين الذين احتجزتهم إسرائيل في سجونها ومعتقلاتها منذ بداية الحرب، تصف واقع التعذيب والاعتداءات الجنسية والعنف والإهانة والتجويع والحرمان من العلاج. تحدثت “بتسيلم” أمس عن وجود سياسة ممنهجة أساسها التنكيل والتعذيب المتواصل للسجناء الفلسطينيين في السجون التي أصبحت “شبكة معسكرات، هدفها الأساسي هو التنكيل بالأشخاص المحتجزين فيها”، وفقاً لسياسة وزير الأمن الوطني بن غفير. وحسب المعطيات التي قدمتها مصلحة السجون لـ “موكيد” للدفاع عن الفرد، فإنه حتى 1 آب تم احتجاز 9881 فلسطينياً في السجون في إسرائيل، بينهم 3432 معتقلاً إدارياً بدون لوائح اتهام أو محاكمة، و1584 معتقلاً احتُجزوا بقوة قانون “المقاتلين غير القانونيين”، بدون تقديم لوائح اتهام ضدهم، مع منع التقائهم مع محام لفترة طويلة.

كجزء من التحقيق الذي سبق كتابة التقرير، جمعت “بتسيلم” شهادات 55 فلسطينياً تم احتجازهم في السجون والمعتقلات، من بينهم 30 من سكان الضفة وشرقي القدس و21 من قطاع غزة و4 من مواطني إسرائيل. حسب “بتسيلم”، تم إطلاق سراح معظمهم بدون تقديم للمحاكمة. ويحصي التقرير أيضاً 60 حالة وفاة لسجناء فلسطينيين منذ بداية الحرب، من بينهم 48 من سكان قطاع غزة، الذين ماتوا في منشآت الاعتقال التابعة للجيش، و12 ماتوا أثناء وجودهم تحت مسؤولية مصلحة السجون، وبعضهم ماتوا في ظروف تثير الشك بحدوث تنكيل وحرمان من العلاج بشكل متعمد.

شهادات كثيرة في التقرير تتطرق لوحدة “كيتر” (قوة التعزيز الأولية)، التابعة لمصلحة السجون، التي تعمل كقوة خاصة من أجل السيطرة على أعمال شغب السجناء. حسب الشهادات، رجال هذه الوحدة يرتدون الملابس السوداء وبدون بطاقات تعريف، وهم ملثمون. حسب “بتسيلم”، فإن “تراكم الشهادات يشير إلى المهمة الرئيسية لهذه الوحدة: التعذيب والتنكيل الجسدي والجنسي والنفسي للسجناء”.

إحدى الشهادات الصعبة في التقرير تناولت الاعتداء الجنسي لسجين في سجن “كتسيعوت” [سجن النقب] في تشرين الأول الماضي، بالاستناد لشهادة هذا السجين، ع.هـ (لم يذكر التقرير اسمه ومعلوماته الشخصية)، وهو أب لطفل من الخليل. رجال الوحدة أمروا ذات مساء سجناء آخرين في غرفته بالخروج من الغرفة بعد سكب المياه على الأرض لتنظيفها. “قاموا بتكبيل يدي كل سجين إلى الخلف، ثم تم جرهم إلى الممر بالقوة. سمعت من الغرفة أصوات بكاء وصراخ المعتقلين الذين أخذوهم قبلي وتم ضربهم”، كتب في شهادته. “عندما وصلت إلى غرفة الطعام، رأيت الأسرى من غرفتي، كانوا عراة تماماً وينزفون. رموهم الواحد فوق الآخر”.

حسب أقوال ع.هـ، فإن السجانين أجبروا السجناء على شتم أمهاتهم وشتم حماس ورئيسها في القطاع السنوار، وتقبيل علم إسرائيل وإنشاد نشيد “هتكفا”. بعد ذلك، قال إن “اثنين من السجانين قاما بخلع ملابسه، ثم رموه على السجناء الآخرين. أحضر أحدهما جزرة وحاول وضعها في شرجه. في الوقت الذي حاول وضع الجزرة، بدأ بعض السجانين تصويري بهواتفهم. صرخت بسبب الألم والرعب. استمر هذا ثلاث دقائق تقريباً”.

التقرير الذي عنوانه “أهلاً وسهلاً بالقادمين إلى جهنم” تضمن شهادات أخرى تصف اعتداءات جنسية، من بينها الضرب على الأعضاء الجنسية للسجناء واستخدام العصي وأدوات معدنية تسبب الألم في الأعضاء التناسلية، وتصوير السجناء وهم عراة، وتفتيش أجسادهم وهم في هذه الحالة.

سامي خليلي (41 سنة) من نابلس، الذي تم احتجازه في سجن “كتسيعوت” [النقب] وصف في التقرير حالة من الحالات: “نقلونا إلى غرفة وخلعوا ملابسنا، وأجروا تفتيشاً بجهاز يدوي للكشف عن المعادن، وأجبرونا على فتح أرجلنا، بعد ذلك بدأوا بضربنا بالجهاز على الأعضاء التناسلية. ضرب بلا توقف، ثم أمرونا بأداء التحية للعلم الإسرائيلي الذي كان معلقاً على الحائط”.

أما ثائر حلاحلة، وهو سجين آخر من سكان قرية خاراس (45 سنة)، فشهد بأن “السجانين حرضوا الكلاب على السجناء أثناء طريقهم إلى الحافلة. كل شخص في الوحدة أمسك بسجين، وسجان آخر كان يمسك بكلب وسمح له بمهاجمتنا. كانت في رقبة الكلب سلسلة معدنية، أطلقه السجان، ثم جره إليه. كان مخيفاً جداً. في كل مرة حاولت فيها الابتعاد عن الكلب يبدأ السجان بضربي على قدمي بقوة”.    

إما بتر القدم أو الموت

من شهادات التقرير تتكرر شكوى رئيسية، وهي الحرمان من تقديم العلاج للسجناء من قبل السجانين أو الطاقم الطبي في السجن. ثمة شهادة قاسية من أحد سكان غزة، هو سفيان أبو صلاح (43 سنة) وأب لأربعة أولاد، كان معتقلاً في منشأة “سديه تيمان”. لقد وصف حال قدمه التي تضررت من عنف الجنود، ثم تم بترها بسبب عدم تقديم العلاج.

أبو صلاح اعتقل في القطاع ثم نقل في البداية إلى منشأة اعتقال ارتجالية. “لقد أجبرونا على الانحناء في حركة سجود على الأرض حتى المساء. بعد ذلك أخذونا إلى منشأة تحقيق. أثناء التحقيق، ضربونا بالعصي وركلونا، لا سيما على الظهر والرقبة، كنا هناك 80 شخصاً تقريبا، أبقونا حتى الساعة 12 ليلاً بنفس الوضعية ونحن عراة. كان الطقس شديد البرودة. ثم أركبونا في شاحنة، كنا نحو 80 شخصاً. كان محظوراً علينا التحدث أو الحركة. حسب قوله، شعر بأن قدمه اليسرى أصيبت. ثم كبلوه ونقلوه إلى مركز تحقيق في إسرائيل.

في اليوم الأول، تم تكبيل أيدينا وأرجلنا طوال اليوم. في الليل نمت ساعتين فقط”، قال أبو صلاح. بعد يومين، شعر بألم في قدمه وانتفاخ، وطلب من السجان أن يأتي أحد لفحصه. جاءت مجندة وصورت قدمي مرتين كي يراها طبيب. ولكنها لم تحضر لي أي رد. عانيت من الألم أسبوعاً وكانت حرارتي مرتفعة. حسب قوله، تم نقله بعد ذلك إلى مستشفى في “سديه تيمان”، وهناك انتظر الطبيب ساعتين وهو ملقى على الأرض ومكبل، وبعد ذلك فقد الوعي. عندما استيقظ، قيل له بأنه تم إجراء عملية له. لم يعرف من المتحدث ولم يتم تقديم تفاصيل له عن العلاج. كانت عيناه معصوبتين.

بعد ذلك، تم نقل أبو صلاح إلى المستشفى، وهناك قال له الطبيب بأنه يجب بتر قدمه وإلا سيموت. “كان هذا القرار الأكثر قسوة في حياتي، تقرير بتر قدمي. كنت في حالة قلق، لا سيما أنني وحدي ولا أحد من العائلة يمكنني التشاور معه”، قال. وقال إنه أدخل إلى العملية وعيناه معصوبتان. وبعد العملية أعيد إلى “سديه تيمان”، وهناك تم احتجازه في المستشفى خمسة أيام، تم فيها تغيير الضمادة مرة واحدة. في النهاية، في نيسان، تم إطلاق سراحه وعاد إلى القطاع.

إذا اشتكيت للقاضي فستدفع الثمن

معظم الشهود قالوا إنهم لم يلتقوا مع محام طوال فترة الاعتقال. تحدث بعضهم عن استخدام العنف ضدهم أثناء الذهاب إلى المحكمة، التي عقدت بشكل افتراضي. وتحدثوا عن تهديدات من السجانين بأن لا يشتكوا في الجلسة عن العنف الذي استخدم ضدهم وعن ظروف اعتقالهم. “نقلونا إلى غرفة شاهدنا فيها الجلسة عبر “زوم”، قال فراس حسان (50 سنة) من قرية هندازة في الضفة، الذي كان معتقلاً في سجن عوفر. “في الطريق، قام رجال وحدة كيتر بضربنا بصورة شديدة، لكمات على الصدر. كان في الغرفة سجان يتحدث اللغة العربية، وسمع كل المحادثة بيني وبين القاضي والمحامي. وقد هددنني بأنه إذا اشتكيت، فسأدفع ثمن ذلك. قال لي المحامي قبل الجلسة بأن القضاة يعرفون كل ما يحدث في السجن وأنه لا فائدة من التحدث عن ذلك. ومع ذلك، سألني في الجلسة: هل تعرضتم لعنف في السجن؟ لم أتجرأ على الإجابة لأنني خشيت من أن ينتقم السجانون مني ويضربونني بشكل وحشي. في كل مرة أخذوني إلى الغرفة التي شاركنا فيها في النقاشات القانونية عبر “زوم”، مررت بنفس مسار التعذيب والضرب والإهانة”.

 قدم السجناء المحررون شهادات أيضاً عن الحرمان من النوم بطرق مختلفة، منها ترك الضوء مشتعلاً ليلاً، أو اسماع موسيقى صاخبة. آخرون تحدثوا عن عدم النظافة في أعقاب مصادرة أدوات الغسيل ومواد التنظيف وقطع المياه وتقييد الذهاب إلى الحمام. “شعرنا أن أجسادنا تعفنت من كثرة القذارة. لا نظافة، لا صابون أو شامبو أو فرشاة شعر أو مقص أظافر. بعد شهر ونصف، حصلنا على الشامبو للمرة الأولى”، قال محمد سرور، وهو من سكان نعلين قرب رام الله عمره 34 وأب لولدين، وكان معتقلاً في سجن نفحة.

 شاهد آخر من شرقي القدس، لم يذكر اسمه في التقرير، قال إن المياه الجارية عملت لساعة في اليوم. لذلك، كان يمكن استخدام الحمام في تلك الساعة. أحياناً، لم يتمكن الأشخاص من التحمل، وكان هذا مقرفاً وتسبب برائحة كريهة وظروف نظافة صعبة”.

 رداً على ذلك، جاءنا من مصلحة السجون بأن “مصلحة السجون جزء من جهاز الأمن وإنفاذ القانون التابع لدولة إسرائيل، وهي تعمل وفقاً للقانون وتحت رقابة دائمة لمراقب الدولة ومراقبين رسميين كثيرين آخرين. جميع السجناء يتم احتجازهم حسب القانون، وجميع حقوقهم الأساسية تعطى بالكامل من قبل الجنود في السجن ومن قبل قادة مهنيين ومدربين”.

 وجاء أيضاً أن الادعاءات المقتبسة لم تطرح بشكل رسمي أمام مصلحة السجون. وحسب معرفتنا، هي ليست مختلقة. إضافة إلى ذلك، هناك حق لكل سجين ومعتقل في تقديم شكوى رسمية من خلال الطرق السائدة، وسيتم فحص ادعاءاته من قبل المسؤول عن ذلك. نذكر بأنه منذ اندلاع الحرب، بتوجيه من وزير الأمن الوطني بن غفير، تم تشديد ظروف السجناء الأمنيين. وحسب سياسة الوزير، فقد تم وقف تحسين ظروفهم التي حصل عليها المخربون في السابق. ونؤكد أنه يجب التوجه إلى الجهات ذات العلاقة في كل ما يتعلق بالإجراءات القانونية وما يحدث في منشآت الاعتقال العسكرية.

هآرتس 6/8/2024

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.