ناجون من مجزرة مدرسة «المنفلوطي» يبكون أقاربهم
شبكة الشرق الأوسط نيوز : رائحة الدماء لا تزال تملأ أزقة مستشفى شهداء الأقصى وسط قطاع غزة. فمن ودع شقيقه ينتظر أن يطمئن على الآخر في غرف العمليات، إثر المجزرة الإسرائيلية التي كان ضحيتها عدد من النازحين كانوا قرب سور مدرسة “المنفلوطي” شرقي دير البلح، قبل أن تستهدفهم غارة جوية.
وقال زياد الحرازين لـ “القدس العربي”: “أجبرنا على الإخلاء منذ ثلاثة أيام، خرجنا دون أمتعتنا، لا نعلم إلى أين نذهب، وبقينا بالطريق لثلاثة أيام. لشدة سوء الظروف التي نعيشها فقد نمنا بالشارع دون خيمة لثلاثة أيام، نمنا على الأرض دون أغطية، دون طعام أو شراب، لم يكن لدينا ما نُلبسه لابنتنا، فقررنا الذهاب إلى مدرسة “المنفلوطي” حيث كنا نقيم لأجلب بعض الأمتعة لزوجتي وابنتي، ولكن لم نمض سوى سبع دقائق في المكان حتى جاءت طائرة استطلاع وقصفت المكان”.
الحرازين، يقف أمام سريري زوجته وابنته في قسم الطوارئ ويداه ترتجفان، ولا تزال آثار الدماء على جسده. كان يحمل زوجته على كفيه وركض بها مسرعا من المدرسة التي تبعد مسافة نحو600 متر عن بوابة المستشفى، فلم يخاطر أحد بالذهاب إليهم لمساعدتهم وإسعافهم خوفا من معاودة الاستهداف، فالجميع يقول “الإسرائيليون ما إلهم أمان لو ذهبنا لنسعفهم سنقصف ونحتاج من يسعفنا”.
وأوضح أنه كان يوجد في المكان نازحون آخرون من أقربائه وبعض من جيرانه يجمعون ما تبقى من مقتنياتهم ليأخذوها لعائلاتهم، وبشكل مفاجئ حدث الاستهداف لخيمة النازحين.
نزوح رقم 17
ووفق قوله، طائرة جيش الاحتلال كان قريبا جداً من الأرض والمكان كان ظاهراً فيه وجود الطفلين والنساء والصورة واضحة لنازحين يحزمون أمتعتهم، مشيراً إلى أنهم رفعوا رؤوسهم للسماء مندهشين من شدة قرب الطائرة من الأرض فقد شاهدوا أجراء منها.
وأضاف: “ما حدث لنا كان مفاجئاً، حيث نظرنا لبعضنا البعض، ووجدنا أشلاء الشهداء حولنا، ودماء المصابين”، مستنكراً “نحن مواطنون عاديون، نزحت من حي الشجاعية من مدينة غزة إلى دير البلح، هذا النزوح رقم 17 لنا، وقد نجونا من تحت الأنقاض ست مرات سابقة”.
وتابع: “استشهد أربعة من أقارب زوجتي من بينهم شقيقها، ذو الخمس سنوات والذي جلب ألعابا لأبنتي ليلعبا سوياً، فقد كان آخر ما أخبرني به أنه اشتاق للعب معها، فهم منذ ثلاثة أيام لم يلتقيا، وصديقي، الذي كنت ائتمنه على أغراضي في المدرسة”، قطعت أنفاس زياد الحرازين وهو يسرد لـ”القدس العربي”، أسماء الشهداء والجرحى من أقاربه وأصدقائه في مجزرة مدرسة المنفلوطي.
وأشار إلى أن زوجته، نائلة، لا تزال تنزف دماً، فقد أمتلأ جسدها شظايا من الصاروخ، ولا توجد أدوية أو أطباء داخل المستشفى، نتيجة أوامر الاحتلال بإخلاء المنطقة الملاصقة للمستشفى، مضيفاً: “أخشى عليها من النزيف الحاد وهي بحاجة إلى إجراء عملية جراحية لاستخراج الشظايا التي ملأت يديها وقدميها وظهرها”.
ويأمل بنقلها إلى المستشفى الأمريكي الميداني، غرب مدينة دير البلح، من أجل إنقاذ حياتها، مشيراً إلى أنه “جلب تثنين من الشهداء كانا على قيد الحياة، ولكنهما استشهدا داخل المستشفى نتيجة النزيف”.
واستذكر زياد آخر دقائق له مع الشهيد فادي جحا، وقد غرقت عيناه بالدموع: “قال لي فادي، أنا جائع، لم آكل منذ الأمس، وجلبت له بكيت (أندومي)، وقال لي بعد أن بدأ بتناوله، بدأت أشعر بالشبع، واستشهد وهو يتناول الطعام، وبداخل فمه بعض من (الأندومي)”.
على حافة الطريق تجلس مجموعة من النساء، جميعهن يبكين ويصرخن، وتحاول أخريات تصبيرهن وتهدئة لوعة الفقد لديهن، بعد استشهاد أحبائهن.
وتقول رندا أبو عويني، والدة الشهيد صقر، والتي اختنقت بدموعها أثناء حديثها مع “القدس العربي”: “قصفوا سور المدرسة، واستشهد ابني صقر (17 عاماً)، وعمه إبراهيم (33 عاماً)، أثناء محاولتهما تفقد منزلنا المقابل لسور المدرسة، وأصيب اثنان من أعمامه، في القصف”.
وحول سبب وجودهم في المنطقة، تقول أبو عويني: “عادوا لتفقد المنزل بعد أوامر الإخلاء الإسرائيلية، وجلب بعض الحاجيات من المنزل، فقد كنت أحاول أن أمنعه وكان يركض دائما قبل الكل ويقول يما بدي أروح أشوف الدار”.
كانت الأم تصرخ بطريقة هستيرية بعض الكلمات “أنا مسمحاك يما يا حبيبي وراضية عليك والله كان غلبان ومسكين، روحي راحت حرقوا قلبي من جوه، والله حاسة حالي بحلم والله نفسي أصحى، أغلى واحد بأولادي راح، والله الصبح كان معي، والله كان يقول نفسي أشتري ملابس ونفسي أكل الخوخ”.
وتعود للصراخ “كذبوا عليّ وقالوا إن الصقر أصيب إصابة خفيفة، ولكنه استشهد”.
استشهد أمامي
يقف الشاب خالد أبو عويني الذي يرتدي قميصاً أحمر نتيجة الدماء التي تلطخ بها أثناء نقله لعمه وابن عمه الشهدين إلى المستشفى، وإصابة أعمامه الآخرين ويقول “قُصفت خيمة كنا نجلس أمامها، عندما عدنا للمنطقة للاطمئنان على بيوتنا، وفوجئنا بقصف دون إنذار، الأمر الذي تسبب باستشهاد عمي إبراهيم أبو عويني (33 عاماً) وابن عمي صقر أبو عويني (17 عاماً)، وإصابة عمي عماد الذي يقبع في العناية المركزة بعد إصابته بالكثير من الشظايا التي تسببت ببتر ساقه”.
وأضاف “قلبي يؤلمني عندما أتذكر عمي إبراهيم الذي كان مصاباً بصدره وطلب أن آخذه للمستشفى، ولكني لم أكن قادراً على حمله، واستشهد أمامي، على مرأى الناس الذين كانوا يخشون المجيء إلينا خوفاً من استهداف آخر”، مشيراً إلى أنه لا يشعر برأسه من هول الصدمة.
المصدر : القدس العربي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.