السودان: المئات يشيعون قتيل «التعذيب» في كسلا والنيابة تحقق مع عناصر جهاز الأمن المتهمين في الجريمة
شبكة الشرق الأوسط نيوز : بعد احتجاجات واسعة شهدتها ولاية كسلا، شرق السودان، شرعت النيابة العامة في الولاية في التحقيق مع عناصر في جهاز الأمن والمخابرات، متهمين بقتل مواطن تحت التعذيب. والأحد، حاصرت جموع من المحتجين مقر جهاز الأمن والمخابرات الوطني والنيابة العامة، كما أغلقت الطرق الرئيسية وسوق كسلا، مطالبين بتحقيق العدالة للمواطن “الأمين محمد نور” الذي قتل بعد ساعات قليلة من اعتقاله من قبل قوات الأمن في الولاية.
ويتهم تجمع شباب قبائل “البني عامر” و”الحباب” جهاز الأمن والمخابرات بقتل ” نور” تحت التعذيب بعد اعتقاله في مدينة “ود شريفي” ومن ثم ترحيله إلى مدينة كسلا. وقال التجمع إن تقرير التشريح أظهر وجود كدمات على أجزاء واسعة من جسده.
وتوالى التصعيد حيث رفض المحتجون استلام جثمان القتيل حتى يتم إعفاء مدير جهاز الأمن والمخابرات في الولاية والقبض على المتورطين في الحادثة.
وفي تطور جديد، قال التجمع إنه انخرط في اجتماع مع لجنة أمن ولاية كسلا برئاسة الوالي اللواء (م) الصادق أزرق- بناء على طلبها- للكشف عن ملابسات مقتل الشاب “الأمين محمد نور” داخل معتقلات جهاز الأمن والمخابرات الوطني بكسلا.
وأقر الاجتماع تسليم المتهمين للنيابة العامة لبدء الإجراءات القانونية اللازمة، مع التأكيد على ضرورة منع تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل. وأكد التجمع بدء النيابة العامة بالفعل التحريات الأولية مع المتهمين الخمسة، وهم ضابط في جهاز الأمن وأربعة أفراد برتب مختلفة.
وأعلن المحتجون رفع المتاريس من الشوارع العامة، مشيرين إلى أنهم بهذه الخطوة يفسحون المجال أمام القانون ليأخذ مجراه الطبيعي لتحقيق العدالة.
وقال تجمع شباب قبائل البني عامر والحباب إنه سيواصل متابعة القضية حتى مثول المتهمين أمام المحكمة.
وشيع المئات من أهالي كسلا، صباح الإثنين، جثمان “نور” بمقابر الحسن والحسين، معلنين رفع جميع المتاريس وعودة الحياة إلى طبيعتها في الولاية بعد احتجاجات استمرت يومين.
وفي الوقت ذاته، ما تزال المكونات الأهلية في كسلا متمسكة بإقالة مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني بالولاية، محملة إياه مسؤولية الحادثة.
وقال والي كسلا في عهد الحكومة الانتقالية، صالح عمار، إن الاحتجاجات التي شهدتها ولاية كسلا خلال اليومين الماضيين أعادت ذكريات الثورة السودانية التي اندلعت في ديسمبر/ كانون الأول 2018 وأطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير بعد ثلاثة عقود من الحكم الشمولي.
ولفت إلى أن ذاكرة السودانيين استرجعت ذكرى مقتل الأستاذ “أحمد الخير” الذي قتل تحت التعذيب على يد جهاز الأمن في ولاية كسلا في فبراير/ شباط 2019 وما أعقبها من توحيد إرادة السودانيين ضد التعذيب والقتل.
وكانت الوثيقة الدستورية التي أسست لتشكيل الحكومة الانتقالية بعد سقوط نظام البشير قد حصرت مهام جهاز الأمن في جمع المعلومات وتحليلها ورفعها إلى الجهات العليا في الدولة دون ممارسة لسلطة الاعتقال.
وقال حزب الأمة القومي إن إعادة صلاحيات جهاز الأمن السابقة بعد حرب 15 أبريل/ نيسان 2023 جعلته يعود لارتكاب العديد من الجرائم بحق المواطنين في العديد من المناطق في ولايات السودان دون رقيب أو حسيب، مشيراً إلى أن المدخل لإنهاء كافة الانتهاكات ضد المواطنين هو إنهاء الحرب، والعودة لدولة القانون.
ورأى حزب المؤتمر السوداني أن انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 كان مقدمة لإعادة صلاحيات جهاز الأمن والمخابرات السابقة التي ألغيت في عهد الحكم الانتقالي، مشيراً إلى أن حرب 15 أبريل/ نيسان 2023 شهدت حالة “توحش كامل للأجهزة الأمنية والعسكرية”.
وأشار الحزب إلى اغتيال رئيسه في محلية القرشي صلاح الطيب متهماً الأجهزة الأمنية باعتقاله وتعذيبه حتى الموت ودفنه في 17 أبريل/ نيسان الماضي، دون إخطار أسرته في منطقة العزازي بولاية الجزيرة وسط السودان.
وفي أعقاب اندلاع حرب الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منتصف أبريل/ نيسان الماضي، تراجع العمل السياسي في البلاد، بينما تصاعدت المعارك في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور والجزيرة وكردفان وغيرها من المناطق.
وتصاعدت حملات الاعتقال وتقييد الفضاء المدني، حيث اعتقلت قوات الجيش والدعم السريع عدداً من الناشطين السياسيين والمدنيين وأوقفت عدداً من الفعاليات السياسية فضلاً عن اقتحام دور الأحزاب في عدد من الولايات.
وفي أبريل/ نيسان الماضي، أصدرت النيابة السودانية أوامر قبض في مواجهة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك وعدد من قادة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية موجهة لهم اتهامات بتقويض النظام الدستوري والتحريض والمعاونة والمساعدة والاتفاق والجرائم الموجهة ضد الدولة وجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
ورصدت مجموعة “محامو الطوارئ” الناشطة في رصد الانتهاكات ضد المدنيين 68 معتقلاً من منسوبي القوى السياسية في الفترة من ديسمبر/ كانون الأول وأبريل/ نيسان الماضي. فيما تواجه عمليات الرصد تحديات عديدة بسبب عدم استقرار الأوضاع الأمنية وانقطاع الاتصالات عن عدد من المناطق السودانية، فضلاً عن تعتيم الجيش وقوات الدعم السريع على بيانات المعتقلين، في المناطق المستقرة نسبياً ومناطق العمليات العسكرية.
وقالت مجموعة “محامو الطوارئ” إن حملات ممنهجة ومكثفة، تقوم بها مجموعات مسلحة تابعة للاستخبارات باقتحام المنازل وترويع الأطفال والنساء وكبار السن وأفراد عائلات الناشطين السياسيين، متهمة إياها بأخذ مدنيين كرهائن من أجل الضغط على المستهدفين لتسليم أنفسهم.
وقالت إن المداهمات وعمليات الاعتقال تتسم بالعنف الشديد والضرب والتنكيل والحط من كرامة المعتقلين، فضلاً عن عمليات التعقب والمطاردة وترصد الناشطين.
وفي السياق، قال الناشط السياسي مصعب أدروب الذي فر في أبريل/ نيسان الماضي ضمن عدد من منسوبي لجان المقاومة في سنار لـ”القدس العربي” إن عمليات المداهمة التي نفذتها الأجهزة الأمنية تجاه الناشطين السياسيين والمتطوعين في المنطقة اتسمت بالعنف والتنكيل، حيث تداهم سيارات عسكرية بها العشرات من منسوبي الأجهزة الأمنية والملثمين الذين يرتدون أزياء مدنية منازل الماشطين وفي حال لم يجدوهم يعتقلون أفراد عائلاتهم لابتزازهم وإجبارهم على تسليم أنفسهم. وأشار مصعب إلى أن القوات الأمنية قامت باعتقال اثنين من أشقائه وهددوا باعتقال والده بعدما داهموا المنزل ولم يجدوه، مضيفاً: “لقد أفلت بأعجوبة وسبقتهم بخطوات معدودة، لقد نجوت لكنني لم أستطع حتى توديع أمي، كما أن شقيقي دفعا كلفة باهظة لنجاتي، لقد روعوا الأطفال والنساء والكبار حيث اقتحم العشرات من المسلحين منزلي وحاصرت السيارات العسكرية الحي من جميع الاتجاهات”.
المصدر : القدس العربي
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.