قضية رياض سلامة ألتي تشغل الرأي العام في لبنان
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات …
منذ أيام وأثناء وجودي بزيارة عمل لهذا البلد الجميل لبنان وأنا أتابع الأخبار شأني شأن جميع اللبنانيين، حيث خبر توقيف رياض سلامه الحاكم السابق لمصرف لبنان يتصدر الأخبار، وأن فرنسا قد أصدرت مذكرة دولية بحق الحاكم السابق للمصرف المركزي رياض سلامه وعممتها على الإنتربول الدولي أيضاً في مقدمة نشرات الأخبار ووسائل الإعلام، يواجه سلامة الذي تولى حاكمية مصرف لبنان لثلاثة عقود إتهامات عديدة، ويشكل محور تحقيقات محلية وأوروبية تشتبه في أنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية بصورة غير قانونية، وأساءة إستخدام أموال عامة على نطاق واسع خلال توليه حاكمية مصرف لبنان، عدا عن تحويله الأموال إلى حسابات في الخارج والإثراء غير المشروع، وهي إتهامات ينفيها جميعها، وفي سجن قوى الأمن الداخلي في الأشرفية يقبع الحاكم السابق لمصرف لبنان المركزي رياض سلامة بأنتظار تحديد موعد جلسة إستماع من المرجح أن تنعقد في القريب العاجل، ليقرر في ضوئها القاضي المعني إذا ما كان سيبقيه قيد الإحتجاز أم لا، وكان قد شكل توقيف رياض سلامة مفاجئة على الساحة اللبنانية وخبر توقيفه تصدر الأخبار في كل وسائل الإعلام اللبنانية حتى تطغى على أخبار ما يجري في غزة والجنوب والعمليات البطولية للمقاومة ضد إسرائيل، إذ إن المصرفي رياض سلامه نجح على مدى أكثر من ثلاثة أعوام في البقاء حراً طليقاً على رغم ملاحقته في عشرات الدعاوى القضائية داخل لبنان وخارجه، وأثار هذا التوقيف شكوكاً في شأن توقيته ودوافعه بعدما حظي الحاكم السابق بحماية سياسية أبعدته عن القضبان لأعوام، فماذا تغير ..؟؟ هل يحمي هذا التوقيف سلامة من الملاحقات الأجنبية أو تسليمه للخارج ..؟ وكان قد توجه سلامة إلى قصر العدل في بيروت من دون محام للخصوع لأستجواب ظل أمره سرياً حتى وصول الحاكم السابق إلى المكان، وبعد الأستجواب أمر النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار بتوقيف رياض سلامة في شأن قضية إختلاس أموال، وتبيّن بأنها مرتبطة بجمع أكثر من 110 ملايين دولار من خلال جرائم مالية تتعلق بشركة أوبتيموم إنفست عبر عقود بيع وشراء مشبوهة بينها وبين مصرف لبنان، وبعدما ختم القاضي الحجار تحقيقاته الأولية وأمر بتوقيف رياض سلامة وأحالته إلى النائب العام، ومن جهتها قالت شركة أوبتيموم إنفست اللبنانية للوساطة إنها تتعاون مع السلطات القضائية في هذه القضية، وإن تعاملاتها مع المصرف المركزي ” تتم في إطار الإلتزام الكامل بالقوانين واللوائح المعمول بها، وأنه منذ الأنيهار الإقتصادي الذي عصف بلبنان أواخر عام 2019 وأسفر عن إنهيار الليرة اللبنانية واحتجاز الودائع المصرفية في البنوك التجارية ألتى فرضت سقوفاً على عمليات السحب النقدي، يواجه رياض سلامة الذي تولى حاكمية مصرف لبنان لثلاثة عقود إتهامات عديدة، ويشكل محور تحقيقات محلية وأوروبية تشتبه في أنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية بصورة غير قانونية، وأساء إستخدام أموال عامة على نطاق واسع خلال توليه حاكمية مصرف لبنان، عدا عن تحويله الأموال إلى حسابات في الخارج و” الإثراء غير المشروع “، وهي إتهامات ينفيها جميعها، وفي بداية عام 2022 طلبت النيابة العامة الفيدرالية في سويسرا مساعدة القضاء اللبناني للتحقيق في هذه القضية، وفي فرنسا كذلك تم فتح القضاء المالي في عام 2021 تحقيقاً في ثروة سلامة أفضى إلى توجيه اتهامات له في ديسمبر من عام 2023 بتبيض أموال وإحتيال ضريبي، كما فتح القضاء الألماني تحقيقاً يطاول الحاكم السابق لمصرف لبنان، وصدر قرار في مارس 2022 بتجميد فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية ألتي يشتبه في أنها تعود لسلامة وأقاربه، كما أصدرت كل من باريس وبرلين مذكرتي توقيف في حقه جرى تعميمهما عبر الإنتربول الدولي، وأشارت النشرتان الحمراوان الصادرتان بناءاً على طلب البلدين إلى بعض الإتهامات ومنها تبيض الأموال، وفي ضوء مذكرات التوقيف هذه قرّر القضاء اللبناني منعه من السفر ومصادرة جوازي سفره اللبناني والفرنسي، وفي شهر أب الماضي ألغت النيابة العامة في ميونيخ مذكرة التوقيف بحق سلامة لأنه لم يعد يشغل منصب حاكم مصرف لبنان المركزي، وبالتالي لم يعد هناك أي خطر بإتلاف أدلة، لكن من الناحية القانونية وهذا يبقى رأي الشخصي كمحامي دولي هذا القرار لا يعني أن التحقيق الألماني قد إنتهى بل هو مستمر، في لبنان يلاحق رياض سلامة قضائياً، وقد طلبت النيابة العامة في عام 2022 الأدعاء عليه للأشتباه في جرائم إختلاس أموال عامة والتزوير وتبييض الأموال وتهريب أموال إلى الخارج والتهرب الضريبي والإثراء غير المشروع، وفي نفس العام أمر النائب العام غسان عويدات على نحو منفصل، بتوجيه تُهم تبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتزوير والتهرب الضريبي إلى سلامة، علماً أن تلك الاتهامات صدرت في قضايا منفصلة عن ملف شركة ” أوبتيموم إنفست ” الذي أوقف في شأنه، السؤال الذي يطرح نفسه اترى ماذا سيقول القانون اللبناني ..؟ في خضم كل هذه الملاحقات ومذكرة التوقيف الفرنسية ألتي لا تزال سارية المفعول، وبعد توقيف سلامة في بيروت، فهل يمكن أن يسلم إلى باريس لمحاكمته هناك ..؟ كمحامي دولي وخاصة أنني كنت أتابع قضية دولية قبل زيارتي إلى لبنان الجميل والذي أعشقه مكثت 8 أشهر وأنا أتابع ملف لأسترداد مطلوب من جنسية عربية وتسليمه إلى القضاء الأردني والأحتكام إلى إتفاقية الرياض، وأقول بصدق أن قضايا إسترداد وتسليم المواطنين من المسائل الأكثر تعقيداً في القانون الدولي بسبب تداخل المعايير القانونية والسياسية فيها، وأوضح أكثر أنه ” لا يتم الأسترداد أو التسليم إلا أستناداً إلى إتفاق أو معاهدة دولية تجمع لبنان بالدولة طالبة الأسترداد، وبالتالي يتعيّن أولاً التحقق من وجود هكذا إتفاق بين بيروت وباريس أو أي جهة أخرى قد تطلب تسليم رياض سلامة، لدرس تفاصيلها إن وجدت، وفي إطلاعي على قانون العقوبات اللبناني أن المادة الـ 32 من قانون العقوبات اللبناني تنص على أنه ” يمكن رفض طلب الأسترداد أو التسليم في حال تبين أن الجرائم الملاحق بها الشخص المطلوب الأسترداد من أجله، لأنها جرائم تدخل ضمن اختصاص الشريعة اللبنانية، وبالتالي فإذا كان هذا الشخص لبنانياً، وإذا كان يلاحق بجرائم حدثت في لبنان، ففي الأصل والمبدأ يطبق القانون اللبناني عليه وعلى الأفعال المدعى بها، كما أن القضاء اللبناني هو صاحب الأختصاص المكاني للنظر في هذه الجرائم، وهو الأولى للبحث في أي جريمة من هذا النوع بحق شخص لبناني “، أما إذا كان الشخص الملاحق يحمل جنسية أخرى، كحال رياض سلامة الذي يحظى بالجنسية الفرنسية، ” فطالما هو ملاحق في لبنان أيضاً فيمكن أن يشكل ذلك سنداً أو حجة قانونية لتأخير البت في طلب تسليمه، وأن أي طلب إسترداد اليوم يرفع إلى النائب العام التمييزي الذي يدرس الملف ويبحث في مستنداته والقرائن والوقائع والذرائع والأسباب القانونية، وفي ضوئها يرفع تقريراً إلى وزير العدل الذي بدوره يضع تقريراً، واستناداً إلى هذه التقارير يصدر مرسوماً إما بقبول الأسترداد أو رفضه “. ولذلك تعتبر هذه المسألة قانونية في العنوان العريض مبدئياً، لكن أموراً وجوانب تكميلية أخرى تتداخل فيها مثل السيادة والسياسة العامة اللبنانية، ومن خلال متابعتي لهذا الملف لوجودي على هذه الأرض اللبنانية الجميله وبين هذا الشعب اللبناني الطيب والكريم والمضياف، هناك من يستبعد تسليم رياض سلامة للخارج لأن القوانين اللبنانية لا تسمح بتسليم المواطنين عند طلبهم للملاحقة القضائية الأوروبية، إلى أنه عندما أستدعى القاضي عماد قبلان رياض سلامة لإبلاغه بطلب الإنتربول قال حينها إنهم أبلغوا الدول الأوروبية أن لبنان لا يسلم مواطنيه، وأن هذه الملفات ستكون منفصلة عن بعضها بعضاً، والتحقيقات الأوروبية ستكون بعيدة قليلاً من التحقيقات اللبنانية إلا إذا تشابهت الملفات مع بعضها، وأنه في حال قرر أي قاضي لبناني مع كل الأحترام والتقدير للقضاء اللبناني إصدار مذكرة توقيف وجاهية بحق رياض سلامة فسيدخل الحاكم السابق في مسار قضائي طويل ومعقد جداً، وعندها يمكن القول بأن إخلاء سبيله بسند إقامة جبرية أو كفالة مالية سيكون بعيداً ولن يخرج من السجن بين ليلة وضحاها.
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
بيروت / لبنان
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.