ما الذي يعنيه نتنياهو بتغيير الواقع الاستراتيجي في المنطقة؟
أ. د. أحمد القطامين …..
المنطقة العربية التي يسميها الغرب الشرق الأوسط تدخل في مسار جديد سيحدد مصيرها لعقود طويلة قادمة. نتنياهو قال بوضوح يوم امس ان كيانه شرع في تغيير الواقع الاستراتيجي في المنطقة وهذا يعني من وجهة نظره ان الكيان سيهيمن علنا وبلا رتوش على شرق اوسط جديد تم اعادت صياغته ليصبح جزء أساسيا من امبراطورية تلمودية تقودها وتتحكم بمفاصلها الأساسية امبراطورية اسرائيل المدججة بالسلاح والمدعومة بامكانيات وقدرات وموارد غربية غير محدودة.
ان السؤال المهم هنا يتمحور حول السؤال التالي: لماذ يبدو نتنياهو واثقا من نفسه إلى هذا الحد في هذا التوقيت بالتحديد؟ والجواب انه يعتقد ان حزب الله في لبنان قد انتهى ولم يبقى من عوامل القوة في المنطقة سوى ايران التي ستتلقى المرحلة القادمة من الحرب بعد ازالة حزب الله القوة الإقليمية التي شكلت على مر الحقب الثلاثة الماضية شوكة تؤذي بشدة حنجرة الكيان وتخلق مصدات استراتيجية أمام تحويل المنطقة إلى مستعمرات صهيونية.
طبعا نتنياهو يبني موقفه الحالي على فرضية ان حزب الله تلاشى مع استشهاد قائده الكارزمي ونسبة كبيرة من قادته التاريخيين في الضربة المفجعة في الضاحية الجنوبية يوم الجمعة الماضية، متناسيا ان حزب الله ليس دولة تسقط مع احتلال عاصمتها او تدمير اركان الحكم فيها.. فحزب الله حركة مقاومة تتمتع بهيكل تنظيمي مرن جدا وهي الميزة التي تتميز بها حركات المقاومة والتي تمنحها قوة النهوض المباشر بعد تلقي الضربة حتى لو كانت ضربة موجعة جدا.
اما ايران فهي في موقف لا تحسد عليه، فالهجوم عليها اصبح امراً حتميا ولم يبق أمامها إلا واحدة من حالتين، اما ان تتهيأ لتلقي الضربة او ان تبادر إلى توجيه ضربة بالغة القوة والإبعاد للكيان، وفي الحالتين سوف يسعى الكيان إلى إلحاق دمار هائل في المدن الإيرانية ومواقع المفاعلات النووية وغيرها من المواقع ذات الصفة الاستراتيجية يقابلها بالطبع تدمير غير مسبوق لمواقع استراتيجية حيوية في الكيان.
لقد عملت طوفان الأقصى على خلخلة أسس قوة الردع الاسرائيلية مما استدعى كل هذه السلوكيات العدوانية للكيان في محاولة لاستعادة قوة الردع تلك، لكنها لم تنجح كما يجب لغاية الان مما استدعي زيادة جرعة العدوانية والقتل والتدمير فمن وجهة نظر الكيان ان استعادة حالة الردع والمحافظة عليها لعقود طويلة قادمة تتطلب خلق حالة استراتيجية جديدة في المنطقة لا يوجد من ضمن متغيراتها كحزب الله وايران.
ان فهم ذلك مهم جدا وضروري لمواجهة كل هذا الذي يجري الان في المنطقة بالرغم من قتامة المشهد وخطورة ما تقوم به اسرائيل من قتل وتدمير وفرض اجواء من الخوف والرعب وانعدام الحيلة تماما كتلك الاجواء التي سادت عندما اقتحم هولاكو وجيشة المغولي المتوحش المنطقة العربية ابتداء من بغداد وسيطرته السريعة على بلاد الشام وتوجهه الى مصر، ومع ذلك لم يتطلب الامر سوى عامين اثنين لوقف زحف هولاكو والحاق هزيمة كبرى بجيشه المتوحش وتخليص الامة من شروره..
عادة ما يعيد االتاريخ نفسه بانماط واشكال متجانسة..
* أكاديمي وكاتب أردني
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.