بعد الهجوم الصاروخي الإيراني الليلة هل أصبح اليوم الشرق الأوسط على عتبة حرب شاملة

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات ….

 

بعد التهديدات الإسرائيلية والأميركية الليلة رداً على الهجوم الإيراني المفاجيء للأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل بالصواريخ، فاليوم هناك خوف كبير من إنزلاق الشرق الأوسط إلى حرب شاملة إذا تعرضت إيران لهجوم من قبل إسرائيل كرد على هجومها، الأمر الذي يدل على مدى القلق الذي ينظر به الغرب وحلفاؤه في المنطقة إلى التصعيد الأخير في الشرق الأوسط أن تصدر جميع دول مجموعة السبع ومجموعة من الدول الأخرى دعوة مشتركة لوقف إطلاق النار في لبنان لمدة 21 يوماً، على أمل تمهيد الطريق لإجراء محادثات، وبالطبع كانت هناك مصادفة أن عديداً من قادة الدول قد أجتمعوا في نيويورك لحضور إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام، مما سهل عقد إجتماعات رفيعة المستوى في وقت قصير، ولكن كان لا بد أن تتوفر الإرادة، وقد كانت موجودة الفعل كما كان هناك أيضاً بعض الدبلوماسية المبدئية ألتي بذلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وألتي أسفرت عن بيان مشترك مع الرئيس الأميركي جو بايدن، يدعو إلى تسوية تمكن المدنيين من العودة إلى ديارهم وهو الهدف المعلن للحملة الإسرائيلية، لكن المناشدات لم تلقَ آذاناً صاغية، وما إلا ساعات حتى ردت إسرائيل بأنها لم تنتهِ من مهمتها بعد، وأمر المجرم النتن ياهو قوات بلاده بمواصلة القتال ” بكل زخمها “، وبما أن الحملة ألتي بدأت بتفجير أجهزة البيجر وأجهزة الإتصال أللاسلكية قبل أسبوع تسير حتى الآن على ما يرام بالنسبة إلى إسرائيل، فلماذا لا تستمر ..؟ ويبقى أن نرى ما إذا كان ما هو مخطط له هو كما تقول إسرائيل، عملية محدودة تهدف إلى تأمين الحدود وضمان عودة السكان الإسرائيليين، أو ما إذا كانت الهجمات الصاروخية، ألتي أمتدت إلى وادي البقاع وأدت حتى الآن إلى مقتل ما يقدر بـ600 شخص، قد تكون مقدمة لغزو بري كما جرى الحديث عنه، يهدف إلى نزع سلاح المقاتلين المدعومين من إيران والمعروفة باسم “حزب الله” أو حتى إستئصالها بصورة نهائية، ومهما كان الهدف وقد لا يكون تقرر بعد، فالحقيقة هي أنه مع قتال إسرائيل الآن على جبهتين من الغرب والجنوب في غزة، ومن الشمال في لبنان، والهجوم بالصواريخ الليلة من إيران، فإن المنطقة أقرب إلى حرب شاملة مما كانت عليه منذ سنوات عديدة، ومع إمتداد الحرب إلى جنوب لبنان، لا يمكن لأي عمليات إلا أن ترخي بثقلها عليها أطياف كثيرة من التاريخ القريب لم تصب كلها بأي حال من الأحوال في صالح إسرائيل، وقد مر 24 عاماً على إنسحاب إسرائيل من جنوب لبنان بعد إحتلال دام أكثر من عقدين من الزمن، تاركة حزب الله في مكانه من الأنتشار والقوة إلى حد كبير، وبعد ست سنوات، إشتعلت حرب دامت شهراً بعد سلسلة من التوغلات ألتي قام بها حزب الله، ولكن مرة أخرى، لم يكن هناك حسم حقيقي، ويعود التاريخ الصعب إلى أبعد من ذلك، إلى المذبحة ألتي أرتكبتها القوات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت عام 1982، وإلى التفجير الأنتحاري الذي استهدف الثكنة الأميركية في بيروت في العام التالي، والذي أودى بحياة أكثر من 250 من جنود المارينز الأميركيين، وإلى ما أصبح ينظر إليه على أنه النهاية المخزية للوجود العسكري الأميركي في لبنان، عندما أتخذ الرئيس ريغان قرار سحب القوات الأميركية في العام التالي، وبعد التفكير واستعادة مع جرى يمكن النظر إلى هذا القرار على أنه بداية أنحسار النفوذ الأميركي في المنطقة، وينظر إليه أيضاً كما جاء في الفيلم الوثائقي الأخير الذي بثته قناة بي بي سي أخيراً بعنوان ممرات القوة أو قنوات القوة على أنه أسهم في إتخاذ باراك أوباما قراره بعد 30 عاماً بعدم تطبيق الخطوط الحمراء ألتي أعلنها في سوريا فما الذي يمكن أن يتحقق بالفعل كما ذهبت حجته ..؟ هذا وعلى الرغم من كل الأدلة ألتي تشير إلى أن المنطقة قد تكون على شفا حرب شاملة، فإن هناك أسباباً مقنعة لعدم حدوث ذلك، بكل بساطة، هناك كثيراً بل معظم من هم داخل المنطقة وخارجها ممن لا يريدون حدوث ذلك، ويبذلون قصارى وخاصة جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه جهدهم لدرء ذلك، وأكثر هذه الأسباب وضوحاً هو لبنان الشقيق نفسه، إذ لا تزال ذكريات الحرب الأهلية ألتي إستمرت 15 عاماً ماثلة في الأذهان، وحيث التوازن السياسي والديموغرافي هش للغاية لدرجة أن أي خلل في هذا التوازن قد يعجل بالفوضى، إنه وضع إستثنائي إذ لا يخضع جزءاً من البلاد وجزءاً من حدودها لسيطرة الحكومة المركزية، لكن إستيعاب ” حزب الله ” عزز نوعاً غريباً من الإستقرار، وأن المخاوف من أن يستغل ” حزب الله ” حرب إسرائيل ضد “حماس” بعد السابع من تشرين أول/ أكتوبرمن العام الماضي لتكثيف هجماته على شمال إسرائيل لم تتحقق، سواء بسبب إفتقار المسلحين للقدرة أو بسبب تقييد قادتها الإيرانيين يدها، وتراجعت دول عربية أخرى بعد السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي، فقد بادرت قطر ودول خليجية أخرى بمحاولات وساطة مختلفة دون جدوى، وبقيت مصر والأردن، ربما لأسباب تتعلق بضعفهما بسبب الأتفاقيات الموقعة مع هذا الكيان الصهيوني، أو لأسباب تتعلق بمخاوفهما من ” حماس “، على حدة بينما كانت إسرائيل تدمر غزة، أما الدول الأوروبية في معظمها فلا مصلحة لها في أي حرب شاملة في الشرق الأوسط، فهي ليست فقط منشغلة بحرب أقرب بكثير إلى ديارها، بل إن عديداً منها يجد صعوبة أكبر من أي وقت مضى في إقناع ناخبيها بضرورة الحفاظ على سياسات شد الأحزمة من أجل أوكرانيا، فالأرتفاعات الجديدة في أسعار الطاقة ألتى قد تسببها حرب الشرق الأوسط هي ما لا يرغبون فيه، والحرب الشاملة في الشرق الأوسط هي كذلك ما لا يرغب فيه أبداً الرئيس بايدن في هذه المرحلة، كانت هناك تقارير في الأسابيع ألتي تلت السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي تفيد بأن الإدارة الأميركية ربما تتطلع إلى عملية سلام جديدة مع دول الخليج، على أمل إستخدام حالة عدم الإستقرار الجديدة في المنطقة كذريعة لمحاولة صياغة سلام إقليمي أوسع نطاقاً، لكن أي جهود لتحقيق هذه الغاية تبدو الآن أثر بعد عين والأكثر من ذلك، بعدما تخلى بايدن الآن عن طموحاته لولاية ثانية، فإن شاغله هو إرثه وربما بصورة ثانوية إحتمالات فوز الديمقراطيين في إنتخابات نوفمبر القادم، ولن يصب في مصلحة أي منهما إندلاع حريق في الشرق الأوسط، مما قد يكون الكلمة الأخيرة في رئاسته ويحكم على الديمقراطيين بالهزيمة، ومن منظور ضيق لدى المملكة المتحدة أيضاً كل الأسباب لمحاولة الحيلولة دون إنتشار الحرب في المنطقة، لن يصرف ذلك الإنتباه عن أوكرانيا فحسب، فلا حاجة إلى حرب أخرى في معظم الأوقات بل يمكن أن يحيي الخلافات بين نواب حزب العمال حول سياسة بريطانيا تجاه إسرائيل، في وقت لم يمر فيه دخول حزب العمال إلى الحكومة بالسلاسة ألتي كانوا يأملونها، وتشير الأستعدادات العلنية لإجلاء المواطنين البريطانيين من لبنان إلى وعي في مكان ما بالأنتقادات ألتي وجهت لحكومة حزب العمال السابقة حول ما أعتبرته عملية غير كافية لإجلاء الرعايا البريطانيين من البلد نفسه عام 2006، كما أن مفتاح أي تصعيد أو لجمه للصراع الحالي في يد طهران، فالمؤشرات حتى الآن وبعد الهجوم الصاروخي المفاجيء والمحدود على إسرائيل، تشير إلى أن إيران تتحفظ عن أي إنتشار للصراع مثلها مثل أي دولة في المنطقة وهذا على الرغم من وجود أستفزازات، بما في ذلك الهجوم على مبانيها الدبلوماسية في دمشق وإغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران، غير أن التعبير الأكثر وضوحاً عن حرص إيران على عدم التورط في حرب في الشرق الأوسط جاء هذا الأسبوع فحسب، في الخطاب وكأنه ألقاه الرئيس الإيراني الجديد أمام الأمم المتحدة، وفي حين شن مسعود بزشكيان الهجمات المعتادة على إسرائيل وعلى الغرب بسبب العقوبات ألتي أفقرت بلاده إلى حد كبير، فإن بقية ما قاله وكيف قاله بدا وكأنه مصمم لإرسال رسالة مختلفة إلى حد ما حيث كان قد ظهر بزشكيان بالزي الغربي، وأكد إنتخابه وعلى برنامج الإصلاح الذي ترشح على أساسه، وقد حرص على القول إن إيران تريد أن تكون لاعباً دولياً، وعلى خلاف ما هو معروف عن أحد أسلافه في الأقل، فقد أقر صراحة بحق إسرائيل في الوجود، وقال مقترحاً إجراء إستفتاء لجميع الفلسطينيين حول تقرير المصير : نحن واثقون أنه من خلال هذه الآلية يمكننا تحقيق سلام دائم، إذ يعيش المسلمون والمسيحيون واليهود جنباً إلى جنب في أرض واحدة في هدوء وأمن وسلام، ومثل غصن زيتون أخير بادرة سلام ، أقترح أن تعود إيران إلى الأتفاق النووي مشيراً إلى أن دونالد ترامب هو من أنهى الأتفاق الأخير مقابل تخفيف العقوبات، وختم بالقول إنه يأمل في أن تكون رسالته “مسموعة بعناية”، وينبغي أن تكون كذلك، وقد تثار إعتراضات بأن الرئيس الإيراني ليس المرشد الأعلى السيد خامنئي، وأن كلمته في هذا الموضوع قد لا تكون بالضرورة هي الفصل والأخيرة، لكن أياً من النقاط ألتي طرحها لا توحي بأن إيران تحاول الأنغلاق على نفسها ناهيك بالأستعداد للحرب، فإذا كانت إيران وكل دولة أخرى في المنطقة عملياً ولها مصالح هناك تعارض بصورة واضحة حرباً أوسع نطاقاً، فإن هذا يترك إسرائيل وحماس حيث بدأ هذا الصراع، وفي مثل هذا الوضع المحفوف بالأخطار، لا يمكن إستبعاد إحتمال إندلاع حرب أوسع نطاقاً عن طريق الخطأ، أو أن تستفز إيران أستفزازاً يتجاوز قدرتها على الصبر، ولكن مع وجود إجماع في الآراء كما هي الحال، وإيران جزء منه، الفرصة سانحة لتجنب حرب شاملة، ومع رفض إسرائيل وقف إطلاق النار مع لبنان والهجوم الإيراني المفاجيء الليلة بالصواريخ على إسرائيل أصبح مستقبل المنطقة مرة أخرى على شفير الهاوية ولكن هذه المرة مفتاح أي تسوية سلمية يكمن بمكان آخر.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.