تهديدات واشنطن لتل أبيب بوقف السلاح “رصاص فارغ”.. ونتنياهو يواصل استدراجها لـ”الارتطام العظيم” مع إيران

شبكة الشرق الأوسط نيوز : بالرغم من الثرثرة والتضليل والمواقف المعلنة في الإعلام، تواصل إسرائيل، بقيادة نتنياهو، الاستخفاف بالإدارة الأمريكية وتهديداتها، بل سيعمل نتنياهو على توريطها في ما لا تريده الآن، الانتقال للمشاركة الفعالة المباشرة في حرب إقليمية بصدام مباشر مع إيران، وهذا ما دفعه للتركيز عليها في خطابه أمام الكونغرس قبل شهور.

فيما يحرم أهالي شمال غزة من شربة الماء وحبة الدواء، ضمن حصار مطبق يفرضه الاحتلال، تطبيقاً لخطة التدمير والتهجير المعروفة بـ “خطة الجنرالات”، تنذر الولايات المتحدة حليفتها وربيبتها إسرائيل، فتشترط مواصلة تحويل السلاح باستمرار وصول المساعدات الإنسانية للقطاع.

في بيان مشترك، أصدر وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان بلينكن وأوستين إنذاراً مفاده أنه إذا لم تتوقف إسرائيل خلال ثلاثين يوماً عن تشويش دخول المساعدات الإنسانية للقطاع سنوقف السلاح.

محللون إسرائيليون: أولمرت ضرب منشآت نووية سورية في دير الزور، وبيغن ضرب مفاعل تموز النووي في بغداد، فهل يكتفي “سيد الأمن” المسكون بـ “جنون العظمة” بضربة خفيفة غير إستراتيجية لإيران؟

وضع الإنذار في قالب زمني يساوي الشهر يحوّله لنكتة سوداء، ففي ثلاثين يوماً تكون إسرائيل قد استكملت التدمير والتهجير، وطبّقت “خطة الجنرالات” التي تقوم بها فعلياً، وتنكرها رسمياً، كما تؤكد مصادر إسرائيلية، منها صحيفة “هآرتس”، اليوم، على لسان محللها العسكري عاموس هارئيل.

 “الإنذار” كلام أمريكي جميل، وصورة أمريكية جميلة، فهو يحمل تهديداً واضحاً وإنذاراً خطيراً، لكنه فارغ، فالأفعال على الأرض تتناقض مع الأقوال في الهواء، كما تدلل تجربة الحرب الإسرائيلية التي قتلت داخل القطاع، بسلاح أمريكي، منذ عام، 40 ألفاً، وأصابت 100 ألف، معظمهم مدنيون.

 بلينكن وأوستين يهدّدان بوقف السلاح في بيانات للإعلام، وفي التزامن تصل منظومة الدفاع الأمريكية المتطورة للبلاد تحت عنوان أنها دعمٌ دفاعي، لا مشاركة هجومية، مع العلم أن تعزيز الدفاع يعني دعم الهجمات أيضاً.

وبخلاف تقارير صحفية عن تناقص صواريخ القبة الحديدية، تنفي مصادر إسرائيلية لصحيفة “هآرتس”، نهار اليوم، الأربعاء، ما يسلّط الضوء على حجم الفجوة بين القول والفعل في الموقف الأمريكي. هذا ليس التهديد الأول للولايات المتحدة، فقد سبق أن هدّدت، في الربيع الماضي، وعشية اجتياح رفح وجنوب القطاع، بإبطاء ووقف السلاح لإسرائيل إذا ما استمر النزيف وقتل المدنيين في غزة، فقال رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ساخراً مستخفاً: “سنقاتل بأظفارنا وأسناننا، كما حصل في 1948عندما تعرضنا وقتها أيضا لحصار في السلاح”.

هددّت واشنطن، مسددة ضرائب شفوية لتخفيف احتجاجات المعارضين في الحزب الديموقراطي، وفي أمريكا، وخارجها، لكن شحنات السلاح ظلّت تتدفق لإسرائيل. وهكذا تقصف الطائرات الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، الضاحية الجنوبية في بيروت، رغم “التزام نتنياهو بعدم التعرّض للعاصمة اللبنانية”.

كذلك الأمر حيال إيران، ففي الأمس، قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إن نتنياهو أبلغ واشنطن بأن إسرائيل لن تضرب منشآت نفطية ونووية في إيران، بل أهدافاً عسكرية فحسب رداً على صواريخها الباليستية. وبعد النشر، سارع نتنياهو للتعقيب بالقول إنه “بعد اجتماع في مقر وزارة الأمن تَقرّرَ أن نصغي للولايات المتحدة، لكن القرارات سنتخذها على أساس مصالح إسرائيل القومية“.

الارتطام العظيم

هذا دليل إضافي على أن حكومة الاحتلال تتجه لإشعال حريق أكبر في المنطقة، رغم تحفّظ الإدارة الأمريكية، ورغم أن ذلك من شأنه أن يعود كيداً مرتداً على إسرائيل، من ناحية توريطها في حرب استنزاف طويلة وخطيرة، خاصة أن إيران باتت محشورة في زاوية هامش مناورتها قد ضاق، ولن تقوى على عدم الرد على الرد. نتنياهو لن يكتفي بضربة رفع عتب يمنح إيران فرصة لامتصاصها ووقف التراشق مع إسرائيل، فهو نجل المؤرخ المسكون بهاجس صورته وإرثه في التاريخ، صاحب “الأنا” المنتفخة الذي رفع شعار ضرب إيران، منذ اعتلى الحكم عام 1996.

خلال هذه الفترة، عبّر نتنياهو فقط عن موقفه المبدئي الداعي لضرب منشآت إيران النووية، ونشرت تقارير صحفية عبرية، في الماضي، أن إسرائيل كادت تشن هجمة كبيرة عليها لكن الولايات المتحدة تحفّظت، والآن يبدو نتنياهو أقرب إليها، طامعاً بتوريط الولايات المتحدة في الحرب، وجرّها للارتطام المباشر بإيران.

مثلما أن هامش إيران قد ضاق، فإن نتنياهو أيضاً، صاحب القرار الأخير في إسرائيل، الذي يستفيد من أغلبية إسرائيلية، بما في ذلك المعارضة، تؤيد ضرب “رأس الأفعى” في طهران، سيستصعب التراجع عن وعوده وتصريحاته بهذا الخصوص.

فزّاعة إيران

 ليس سهلاً أن يجد نتنياهو مبرراً للاستنكاف عن ضربة شديدة جداً في إيران، بعدما ملأ الدنيا صراخاً وترهيباً من “محور الشّر”، وصنعَ من إيران “فزاعة” لترهيب الإسرائيليين والدفع للاصطفاف خلفه بصفته “الزعيم القائد القوي”، ولصرف الأنظار عن القضية الفلسطينية، ومواصلة خطاب الضحية الذي ما زالت إسرائيل تسوقه وتستثمره في العالم دجاجة من بيضها السمين تأكل. طريق التراجع أمام نتنياهو شبه مسدودة، لأن هناك مزاودات داخلية عليه من اليمين تهدّد شعبيته وهيبته ومستقبله السياسي، وهو الأهم بالنسبة له، كما تجلّى في تصريحات خصمه نفتالي بينيت، الذي دعا لاستغلال الفرصة التي تعود على نفسها مرة كل خمسين سنة، وكذلك خصمه الثاني أفيغدور ليبرمان، الذي قال ينبغي إعادة إيران 100 سنة للوراء.

يضاف لذلك؛ هناك من يذكّر نتنياهو أن هناك رؤساء وزراء سابقين من قبله لم يكتفوا بالأقوال، منهم إيهود أولمرت، الذي ضرب منشآت نووية سورية في دير الزور عام 2007، ومناحم بيغن الذي ضرب مفاعل تموز النووي في بغداد عام 1981، فهل يكتفي “سيد الأمن” المسكون بـ “جنون العظمة”، ويعتبر نفسه تشرتشل الإسرائيلي، بضربة خفيفة غير إستراتيجية؟

كذلك، فإن مثل هذا التصعيد يعطي نتنياهو فرصة لإطالة أمد حالة الحرب، التي تستبعد لجنة تحقيق رسمية، وتبعده عن السقوط من الحكم، وتمكّنه من التهرّب من صفقة تبادل مع “حماس” لا يريدها هو وزبانيته وشركاؤه في الائتلاف.

وفي مقاله اليوم ينقل المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل عن مصادر أمنية إسرائيلية عليا قولها إنه لا شك لديهم بأن نتنياهو ترك مسألة المخطوفين وهجرها تماماً.

 تلميحات بن غفير

واستبطنت أقوال وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير للإذاعة العبرية العامة، أمس، تلميحات غليظة بأن إسرائيل تتجه لضربة تتعدى أهدافاً عسكرية في إيران، أو ضربة محتملة بالنسبة للأخيرة، فقد قال إنه شارك في المشاورات الأمنية الأخيرة، وإن نتنياهو يعرف أننا أمام فرصة نادرة لقطع رأس الأخطبوط.

ينقل عاموس هارئيل عن مصادر أمنية إسرائيلية عليا قولها إنه لا شك لديهم بأن نتنياهو ترك مسألة المخطوفين وهجرها تماماً

بن غفير، الذي منع من المشاركة في مشاورات أمنية طيلة الحرب، بسبب اتهامه بالتسريب وخلط الحسابات، قال متباهياً رداً على سؤال ماذا سنضرب في إيران: “كل شيء. هناك فرصة للنجاح والحسم بـ نوك أوت”.

هل نفعل ذلك مع أم بدون أمريكا؟ جواباً على هذا السؤال قال: “نتنياهو يدير علاقات ممتازة مع أمريكا. هذه حرب فرضت علينا، ونستطيع التفوق على إيران. هناك تقدم كبير بما نفعله. محتاجون، وقادرون على الردّ. منذ خروج غانتس، ودخولنا، قبلوا الكثير من مواقفنا ومقترحاتنا في الكابنيت”.

على خلفية ذلك، يواصل بعض المراقبين التحذير من الرهان على القوة العسكرية فحسب، ومن حالة النشوة وسكرة القوة ومن حرب لا تنتهي فيرجّح عاموس هارئيل، على سبيل المثال، اليوم، أن إسرائيل موجودة بحالة دوار( فيرتيغو) إستراتيجي، وصورة النهاية لا تبدو في الأفق في أي واحدة من جبهات الحرب.

ويتابع، محذراً من مقولة العيش على حدّ السيف وللأبد، كما يزعم نتنياهو: “من يسعى لإدارة حرب أبدية هنا يحتاج كل الوقت للانتباه لمدى دافعية الإسرائيليين على مواصلة العطاء والقتال”.

كذلك المحلل العسكري في موقع “واينت” رون بن يشاي يوجّه تحذيرات بهذه الروح: “الإستراتيجية السياسية الأمنية تستند اليوم على منجزات عسكرية في لبنان وغزة من المفترض أن تدفع العدو للموافقة على تسوية بشروط اسرائيل. يتم تطبيق هذه الإستراتيجية بنجاح نسبي فقط على يد الجيش، لكن المستوى السياسي لم يقم بواجبه بعد”.

ابتزاز نتنياهو للإدارة الأمريكية

بيد أن نتنياهو، المتعجرف، المطّلع على واقع حال الولايات المتحدة، كما يعرف إسرائيل، سيواصل الاستخفاف بكل الانتقادات والمحاذير والإمعان بابتزاز الإدارة الديموقراطية، في ظل حالة تعادل شديد بين هاريس وترامب، ويعتقد أن أي تراخٍ لها في دعم إسرائيل الآن، كإبطاء السلاح مثلاً، وعدم مساندتها في اشتباك خطير مع طهران، يعني دخولاً شبه مؤكد لترامب للبيت الأبيض، ولذا فهو الذي يديرها، ويجرّها حيثما ما تشتهي سفنه، وليس العكس.

الحسابات الأمريكية حيال النار والدمار في الشرق الأوسط ملوّثة باعتبارات داخلية انتخابية، من شأنها أن تؤدي لنتيجة مأساوية من جهة الحزب الديموقراطي تعني الخروج خاسرة في كل الجبهات، بما فيها الجبهة الداخلية (خسارة هاريس)، وخسارة في الجبهة الخارجية (صورة الضعف والتردد والتعرّي من الأخلاق، وتهديد مصالح حقيقية في المنطقة.. الخ).

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.