الضربة الإسرائيلية لإيران والمواجهة البرّية في لبنان مسألة وقت

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات ….

 

بالرغم من الحراك الدبلوماسي في المنطقة والزيارات الدبلوماسية لوزير الخارجية الإيراني الدكتور عباس عراقجي لأكثر من ثمانية عواصم عربية للبحث في وقف ضربة عسكرية إسرائيل لإيران، فما من شيء يوحي بإمكانية خفض مستوى التصعيد قريباً، لا بل على العكس تماماً، فالإشارات الميدانية تشي بالتحضير لمرحلة جنون جديدة قد تكون أعنف مما شهدناه سابقاً، ومع إحتمال إنزلاق الأوضاع في إتجاه سعي إسرائيل لتنفيذ تهديداتها لجهة إقتحام الجنوب، والعمل على السيطرة على شريط بعمق 5 كلم، وهذا ما يفسّر تراجع الحركة الديبلوماسية الدولية، بعدما أصطدمت بحواجز عدة وبرفض إيراني، ما دفع للإعتقاد بأنّ الظروف المطلوبة لم تنضج بعد، لا لجهة تحقيق شروط وقف إطلاق النار ولا لجهة إنجاز تسوية لبنانية داخلية يشكّل الإستحقاق الرئاسي مدخلها الطبيعي.
وجاءت الإشارة الأوضح من الولايات المتحدة الأميركية بالذات، وألتى عمدت إلى إرسال نظام الدفاع الجوي الأكثر تطوراً في العالم «ثاد» الى إسرائيل، ومعه نحو 100 جندي أميركي متخصص، وهو ما أعطى الإنطباع بأنّ الضربة الإسرائيلية على إيران ستكون قاسية وموجعة، ولو أنّ الإدارة الأميركية دأبت على توزيع معلومات حول إنتزاع التزام من رئيس الحكومة الإسرائيلية المجرم النتن ياهو بعدم إستهداف المنشآت النووية والنفطية الإيرانية، لكن الجميع يدرك أنّ الإدارات الأميركية تكون شبه مشلولة الحركة والإرادة أمام جموح إسرائيل الجنوني خلال الأسابيع القليلة ألتى تسبق موعد الإنتخابات الرئاسية، وآخر ما تريده الإدارة الأميركية توسّع دائرة التصعيد في الشرق الأوسط بين اسرائيل وإيران، ولكن من الطبيعي أن يتصاعد مستوى القلق والخوف الإيراني، فالمجرم النتن ياهو نفسه سارع الى الإعلان عن حرّية القرار الإسرائيلي في تحديد الأهداف، واستطراداً فإنّ إسرائيل ووفق الظروف الإنتخابية الأميركية قابلة لأن تنحرف عن تفاهماتها مع البيت الأبيض وتذهب بعيداً، وبالتالي أن تسدّد ضربة مزدوجة مرّة في إتجاه برنامج إيران النووي ومرّة أخرى في إتجاه حظوظ المرشحة الديموقراطية، في حال أدّت الضربة الى ذعر في أسواق النفط وبالتالي إرتفاع مجنون لأسعاره، ولكن ما يقلق طهران أكثر، هو تصاعد الدعوات داخل الولايات المتحدة الأمريكية إلى السعي لإسقاط النظام الديني القائم في إيران، صحيح أنّ إدارة بايدن كانت قد التزمت بعدم التشويش على الإستقرار الداخلي لإيران، لكن الجناح المعادي لها أصبح أكثر جرأة في دعوته للإطاحة به حتى ولو أدّى ذلك إلى تفتيت إيران من الداخل، لكن الواقعية تفترض الإقرار بأنّ هذه الدعوات لا تزال في إطار المواقف وليس القرار، خصوصاً أنّ الدولة العميقة في واشنطن ترى أنّ التوازنات خصوصاً في مناطق آسيا الوسطى، تفترض إضطلاع إيران بنظامها القائم حالياً بدور كبير لاحقاً.
كمراقب ومتابع لما يجري في المنطقة فالحسابات مختلفة، فإسرائيل تسعى لإزالة الخطر عنها من خلال هزّ ركائز الإستقرار الداخلي لإيران، وقد تكون بعض الدول العربية الخائفة من طموحات إيران تؤيّد ذلك سراً، واستطراداً، فهي ترى في الظروف الحالية فرصة ذهبية للإندفاع في هذا الإتجاه، فمن جهة تجد أن «أذرع» إيران في المنطقة تلقّت ضربات قوية إن على مستوى حركة «حماس» أو على مستوى «حزب الله» أو حتى على مستوى الحوثيين ولو بنحو محدود جداً، لذلك تبدو طهران قلقة لا بل متوترة، وهو ما عكسته الحركة الديبلوماسية الناشطة لوزير خارجيتها الدكتور عباس عراقجي لأكثر من سبع عواصم عربية أخرها الأردن أمس والذي مزج في زياراته الخليجية بين الكلام الدبلوماسي المنمق والتحذير المبطن، ومن هذه الزاوية فسّر المراقبون مضمون الرسائل ألتي حملها الى بيروت، وفي هذا الإطار أيضاً تمّ وضع التصعيد الكبير والنوعي من جانب «حزب الله» خلال الأيام الماضية، فالمسيّرة التي ضربت لواء غولاني في بنيامينا وأوجعته جداً هي مسيّرة متطورة جداً، وألتى واكبها إطلاق صواريخ باليستية طاولت تل أبيب وحيفا. وثمة مقولة رائجة بأنّ هذا النوع المتطور من المسيّرات والصواريخ والموجود لدى «حزب الله» يخضع لأوامر إيرانية، ما يعني وفي حال صح ذلك، بأنّ طهران أرادت تحذير النتن ياهو بالنار من أي تهور في ردّه على إيران.
من هنا فسّرت الأوساط الديبلوماسية المعنية، بأنّ إرسال واشنطن لمئة جندي أميركي متخصص الى جانب منظومة «ثاد» المتطورة إنما هدفه الفعلي تدارك أي إنزلاق للوضع ممكن أن يحصل، وبالتالي السعي لخفض التوترات، ذلك أنّ إحتمال إصابة جنود أميركيين في حال ردّت إيران إنما سيعني إنتقال واشنطن الى مرحلة المواجهة المباشرة مع إيران، ولهذا الواقع حساباته المختلفة.
وفي الوقت عينه تستعد إسرائيل لتنفيذ خطة غزوها لجنوب لبنان، ولكن بعد أتضاح المسار الذي ستسلكه الأمور عسكرياً مع إيران، فالواضح أنّ إسرائيل تدرك جيدا أنّ إندفاعها في إتجاه ضرب البنية العسكرية لحزب الله إنما يحظى بمباركة أميركية وأوروبية تقارب التلزيم، وهو ما يعني أنّ الوقت لا يعمل ضدّها هنا، لذلك إستمرت إسرائيل في خطة تعزيز إمكاناتها الميدانية، وتعزيز الحشودات العسكرية الذي تقوم به، فهي باشرت بإزالة الألغام الأرضية في الجولان، ما يؤشر بوجود نيات لتحرك بري والتحضير لهجوم بري يبدأ من الجولان والإلتفاف لاحقاً على الجنوب من خلال البقاع الغربي، خصوصاً وأنّه كان قد سبق ذلك ضرب رادارات الجيش السوري في المنطقة، وما ضاعف من القلق إنسحاب الجيش الروسي من أعلى نقطة له في درعا المجاورة للأردن، وألتي كانت تشكّل نقطة مراقبة إستراتيجية.
وبات واضحاً أنّ إسرائيل تريد إحتلال شريط بعمق يبلغ نحو 5 كلم والبقاء فيه، وهو ما تعارضه بشدة واشنطن وكذلك العواصم الأوروبية، وعلى رغم من تحذير إسرائيل من عواقب أي تفكير في إتجاه البقاء كون ذلك سيعيد إحياء مبدأ مقاومة المحتل، وبالتالي إجهاض كل ما يجري «تحقيقه» الآن، إلّا أنّ إسرائيل تعتقد أنّها قادرة على تثبيت أقدامها، مستفيدة من دروس الماضي، وذلك بتحاشي التورط في حرب إستنزاف من خلال منع أي وجود مدني لأي مواطن لبناني في الشريط المفترض، وهذا ما يفسّر حملة التدمير ألتي تنتهجها إسرائيل للقرى والبلدات في الجنوب اللبناني وأخرها أمس الهجوم على النبطيه والقرى والبلدات المجاورة لها وأستهداف بلديتها وأستشهاد رئيس البلدية والموظفين العاملين بها.
ومن هنا يأتي التحضير المكثف لعقد مؤتمر دولي في باريس، والذي سيخصص لدعم الجيش اللبناني وللحاجات الإجتماعية والإنسانية الملحّة منعاً لتكريس أي تبدّلات ديموغرافية، وتبدو الجهات المانحة مستعدة بقوة للمساهمة، شرط أن يأتي ذلك بعد إنهاء أي وجود عسكري خارج إطار المؤسسات اللبنانية الشرعية، وأن تجرّب مواكبته بإمساك الجيش اللبناني بكل الحدود البرية وضبطها بحزم منعاً لتسرّب السلاح مجدداً الى داخل لبنان.
وفي موازاة ذلك يقود جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه حراك دبلوماسي متقدم ويجري مشاورات عربية مع أشقاءه من الزعماء والقادة العرب للبحث في فكرة إمكانية عقد مؤتمر في الأردن، بهدف الخروج بقرارات سياسية تواكب وتظلل نتائج مؤتمر باريس، وهذا الحراك الدبلوماسي المتقدم الذي تقوده الأردن يحتاج إلى كثير من التشاور خصوصاً لجهة الدول ألتي سيجري دعوتها من خارج الدول العربية مثل تركيا وإيران على سبيل المثال، إضافة الى السقف الذي ستعمل وفقه وحدود المشاركة الخليجية في الحلول المطروحة، وتحديد التوقيت الواجب اعتماده مقارنة بالتطورات الميدانية المتوقعة،
لكن قبل كل ذلك، لا بدّ من تسليط الضوء على الجنوب اللبناني والمعركة البرية والمسار الذي ستسلكه والنتائج التي ستتمخض عنها، بالرغم من كل هذا الحراك الدبلوماسي المكثف في المنطقة أقولها بكل صراحة فالكلمة لا تزال للميدان وللميدان فقط.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.