تحقيق أهداف الحرب في غزة ولبنان: الطريق لا تزال طويلة

كتب رون بن يشاي

عن “يديعوت”

دولة إسرائيل لديها استراتيجية، ووفقاً لها يتحرك الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي في خضم الحرب المتعددة الجبهات التي نخوضها، اليوم. هذا هو الانطباع الواضح الذي نشعر به من خلال الأحاديث مع كبار المسؤولين في المنظومة الأمنية والاستخباراتية، ومن خلال جولاتنا في غزة ولبنان.

ملاحظة تحذيرية: هذه الاستراتيجية ليس معناها تحقيق «النصر المطلق» في الحرب، حسبما يرغب رئيس الحكومة، عندما كان لا يزال تحت صدمة 7 تشرين الأول. لكنها يمكن أن تؤدي إلى إحداث تغيير جوهري يخدم الأمن الشخصي لسكان النقب الغربي والجليل، وخصوصاً 80 ألف إسرائيلي اضطروا إلى مغادرة منازلهم.

اللبنة الأولى في هذه الاستراتيجية هي أهداف الحرب، حسبما وضعها وصاغها «الكابينت». وعلى ما يبدو جرت بلورة هذه الأهداف بصورة غامضة لأسباب سياسية وائتلافية، ولذلك، اضطر الجيش، مثلما يجري في كل حروب إسرائيل، إلى ترجمة القرارات إلى مصطلحات ملموسة. في البداية، حدد الجيش «الهدف الاستراتيجي»، مثلما فهمه جنرالات هيئة الأركان العامة في الجيش من خلال قرارات «الكابينت»، وانطلاقاً منه جرى تحديد المهمات والوسائل والأساليب القتالية التي وضعها الجيش لنفسه.

 لقد شهدت الأهداف والأساليب والوسائل تغييرات خلال السنة التي مرت من القتال، لكن الهدف الاستراتيجي في كل قطاع من القطاعات ظل ثابتاً.

أهداف الاستراتيجية – السياسية – الأمنية: الإنجازات العسكرية التي يحققها الجيش في غزة ولبنان ستدفع الخصم في كلٍّ من هاتين الجبهتين إلى الموافقة، وحتى المطالبة بحل دبلوماسي ينهي القتال بالشروط التي تطالب بها إسرائيل، والتي تتلاءم مع أهداف الحرب، حسبما صاغها «الكابينت».

يجري الانتقال من الإنجاز العسكري إلى الإنجاز السياسي، وفق قرار المستوى السياسي، أي رئيس الحكومة، وبموافقة «الكابينت». أمّا في الساحات الخمس الأُخرى، بينها إيران، فإن هدف الحرب هو النهوض بالردع الاستراتيجي وتعزيزه، بعد انهياره في 7 تشرين الأول. والهدف خلق وضع يشعر فيه كل أعداء إسرائيل، وحتى الذين يقفون موقف المتفرج، بأنه يجب تجنُّب الدخول في مواجهة مع دولة إسرائيل، ومن الأفضل التعاون معها.

شروط مريحة في لبنان
تُطبّق هذه الاستراتيجية بسرعة في الشمال، أكثر من أيّ ساحة أُخرى. في لبنان، الجيش قريب جداً من الوضع الذي يمكن الانتقال منه إلى المفاوضات بشأن حل دبلوماسي. لقد بدأت عمليات جسّ النبض من الأطراف والوسطاء، وما سمح بذلك هو الإنجاز العسكري، قبل كل شيء. ومن دون الدخول في تفاصيل كل ما جرى، ففي الخلاصة تمكن الجيش من تعطيل ثلثَي القدرات النارية لدى «حزب الله» وجزء كبير من قدراته النارية القصيرة المدى. في الموازاة، نجح الجيش في إبعاد معظم أفراد قوة «الرضوان» ومسلحي «حزب الله» إلى مسافة 5-8 كم عن الحدود، وجزء من هذه القوة بات موجوداً شمال الليطاني.

نتيجة لذلك عبّر زعماء الطائفة الشيعية و»حزب الله»، علناً، عن استعدادهم للموافقة على وقف إطلاق النار في الجنوب اللبناني، من دون ربطه بوقف إطلاق النار في غزة. ويعتقدون في الجيش أن في الإمكان تعميق الإنجاز، لكن في المقابل، قدّمت هيئة الأركان العامة للمستوى السياسي المطالب الإسرائيلية من أجل التوصل إلى تسوية. هذا بافتراض أن كل حرب حديثة لا بد من أن تنتهي بحل سياسي ما.

ترغب المنظومة الأمنية في أن تتضمن التسوية السياسية مع لبنان التالي:
– 
إبعاد قوة «الرضوان» وقدراتها النارية المباشرة إلى ما وراء الليطاني.
– 
منع المواطنين اللبنانيين من الاقتراب من الحدود.

– حظر دولي تشارك فيه الدول الكبرى والأمم المتحدة ضد تهريب السلاح من إيران إلى لبنان.
– 
دخول الجيش اللبناني إلى الجنوب وتعزيزه وتسليحه من خلال الولايات المتحدة وأوروبا ضمن رقابة حثيثة.
– 
البند الأهم هو أن تستطيع إسرائيل بنفسها وبقواها فرض ترتيبات وقف النار، واحتفاظ الجيش الإسرائيلي في التسوية بحرية العمل الاستخباراتي والعملاني والتوغل والقيام بعمليات عسكرية في داخل الأراضي اللبنانية.

وبعكس غزة، الظروف في لبنان تسمح بتسوية لأن هناك حكومة، على الرغم من أنها غير فاعلة، لكن يمكن التفاوض معها والتوصل إلى اتفاقات. أيضاً تريد الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية والدول السّنية المعتدلة تسوية وإصلاحاً حكومياً في لبنان، ومستعدة لتمويل إعادة الإعمار في هذا البلد. وإيران، راعية «حزب الله»، تريد هي أيضاً وقف القتال في لبنان للمحافظة على «حزب الله» وإعادة بناء قواته التي تضررت. في النهاية، «حزب الله» ضعيف والطائفة الشيعية، التي أصبح مليون منها نازحين، يريدون التسوية، مثل سائر سكان لبنان.

التسوية بعيدة في غزة
مع الأسف، لا تزال دولة إسرائيل بعيدة عن تحقيق الأهداف الاستراتيجية في غزة. صحيح أن قوة «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، في معظمها، جرى تفكيكها، وأصبح هذان التنظيمان يخوضان حرب عصابات، لكن لا تزال «حماس» تملك قدرات عسكرية. بالإضافة إلى ذلك، لم يجرِ تدمير كل الأنفاق، ولا يزال هناك كتيبة ونصف في مخيمات وسط القطاع لم تتضرر، ولا تزال الحركة تجنّد مقاتلين جدداً، وتقيم مراكز قيادة وسيطرة في الأماكن التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي. وربما الأخطر من ذلك، أن «حماس» لم تتنازل عن سيطرتها المباشرة، وهي تستخدم توزيع المساعدات الإنسانية التي تحصل عليها من جهات دولية كأداة للسيطرة المباشرة، من خلال تحديد مَن يحصل على المساعدة وكيف، ومن خلال بيعها لتمويل نشاطاتها. كذلك، لا يوجد أيّ طرف يمكنه التأثير في «حماس» لإقناعها بإطلاق المخطوفين والتخلي عن الحكم في القطاع. ولم تنجح الدول الوسيطة، الولايات المتحدة وقطر ومصر، في إقناع السنوار بالعودة إلى طاولة المفاوضات في الوقت الحالي، ما يضع إسرائيل ومواطني القطاع أمام حائط مسدود.

مؤخراً، بدأ الجيش بعملية من خلال الفرقة 162 في شمال القطاع، والتي تهدف، بحسب ادعاء «حماس»، إلى تطبيق «خطة الجنرالات» التي وضعها غيورا آيلند، والتي تدعو سكان شمال القطاع إلى الإخلاء والتوجه إلى الجنوب، وفرض حصار ومنع إدخال المساعدات الإنسانية إلى الذين بقوا هناك، الذين يعتبرهم القانون الدولي «مخربين» ومقاتلين، ويسمح بمنع إدخال المساعدات إليهم. في إسرائيل، لا يعترفون بأن هذه هي الخطة، لكنهم لا يكذبونها أيضاً. وفي أيّ حال، تتركز العملية حالياً على جباليا، ولم تحقق كل أهدافها. وفي الجيش يعتقدون أن الضغط ليس كافياً، وربما هناك حاجة إلى إدخال فرقة أُخرى إلى شمال القطاع، لإجبار مئات الآلاف من المواطنين الذين بقوا هناك على الرحيل، وربما عندما تشعر «حماس» بأنها خسرت شمال القطاع، قد تبدي مرونة، وتعرب عن استعدادها للتفاوض بشأن صفقة مخطوفين وإنهاء القتال.

لكن المشكلة كانت ولا تزال في إيجاد حُكم بديل للسلطة المدنية لـ»حماس» التي لا تزال تتمسك بها، كونها مفتاحاً لبقائها في القطاع وترميم قواها. وفي الواقع، ما يسمح لـ»حماس» بالمحافظة على قوتها هي السيطرة على توزيع المساعدات الإنسانية
فيما يتعلق بحكم مدني بديل، تعترف إسرائيل بأنها لا تريد السيطرة على غزة. ويدّعي مكتب رئيس الحكومة أن السلطة الفلسطينية ليست هي العنوان، ليس فقط بسبب معارضة بن غفير وسموتريتش، بل لأن السلطة، بزعامة أبو مازن، ستوسع سلطتها إلى القطاع، وستعمل على الدفع قدماً بعملية إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. وبحسب مصادر إسرائيلية حكومية فإن السلطة الفلسطينية غير مؤهلة لفرض إرادتها على «حماس»، وستناقشها بشأن تقاسم السلطة، فتحصل السلطة على وزارتَي التعليم والصحة، وتواصل «حماس» و»الجهاد الإسلامي» فرض وجودهما في القطاع كتنظيمين مسلحين من دون أن يكونا مسؤولَين عن السكان. بالنسبة إلى إسرائيل، نشوء مثل هذا الوضع شبيه بالوضع السائد في لبنان ما بين الحكومة اللبنانية وبين «حزب الله»، وهذا غير مقبول.

على الرغم من الإنجازات العسكرية في القطاع، وسيطرة الجيش على ممرّين استراتيجيَّين، نتساريم وفيلادلفيا، فإن رئيس الحكومة والمنظومة الأمنية ليس لديهما، حالياً، خطة واضحة لتقويض السيطرة المدنية لـ»حماس»، والتي تُعتبر هدفاً مهماً من أهداف الحرب. المطلوب تفكير خلاق ومرونة غير متوفرَين لدى الحكومة الحالية، ولدى رئيسها، لأسباب سياسية وشخصية.

ردع إيران
هدف الحرب غير المعلن، والذي لم يلقَ إقرارا رسميا من «الكابينت» هو ترميم الردع الاستراتيجي الإسرائيلي تجاه كل جهات «محور المقاومة» بقيادة ايران. فالضربات التي وجهها الجيش الإسرائيلي لـ»حزب الله» و»حماس» رممت بقدر ما قسما مهما من الردع الذي فقدته في 7 تشرين الأول. لكن ايران، «رأس الأفعى»، الذي يفعل كل طوق النار حول إسرائيل، لا يزال غير مردوع وغير ضعيف. هو أيضا تلقى الضربات منذ الآن، والأثر المتراكم للدمار والخسائر التي تلقتها «حماس» و»حزب الله» مع فشل ضربات الصواريخ من ايران على إسرائيل أدت بالردع الإسرائيلي الاستراتيجي إلى ميل ارتفاع حاد، لكن الهدف لم يتحقق. سيتعلق الكثير بالأثر الذي سيكون لضربة الرد الإسرائيلي على هجمة الصواريخ الإيرانية التي وقعت علينا في 1 تشرين الأول.

عنصر مهم في الردع الإسرائيلي وفي قدرتها على تحقيق أهداف الحرب هو منظومة العلاقات مع الولايات المتحدة والشرعية الدولة. لهذا السبب، فإن سباق الانتخابات الأميركية يلزم نتنياهو، الذي يقود وحده تقريبا إلى جانب الوزير ديرمر العلاقات مع الولايات المتحدة، التصرف بحذر أقصى. من جهة، يكاد نتنياهو لا يخفي أمله في فوز ترامب في الانتخابات، لكنه يفهم أن فرص هاريس في الجلوس في البيت الأبيض ليست اقل بكثير ولهذا فهو ملزم بأن يحافظ على منظومة علاقات جيدة وسوية معها أيضا.

 هذا هو السبب الذي جعل إسرائيل كما أفادت «واشنطن بوست» تبلغ الولايات المتحدة بانها لا تعتزم ضرب منشآت النفط والنووي الإيراني في ردها، وهذا هو السبب الذي جعل إسرائيل، بناء على طلب الولايات المتحدة وفرنسا، تقلل جدا الضربات الجوية على بيروت وأساسا كي لا تمس بمواطنين أميركيين.

السطر الأخير: لإسرائيل استراتيجية ينفذها الجيش بنجاح ما، لكن الأساس لا يزال أمامنا في الأشهر القادمة. يحتمل أنه حتى نهاية السنة سنرى نتائج، لكن هنا أيضا يجدر إضافة ملاحظة تحذير: الحكومة والائتلاف الحالي غير متوقعين، وقد يظهران «كتلة مانعة» في وجه ترتيب يسمح بتحقيق أقصى لأهداف الحرب.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.