فادي السمردلي يكتب: استحوا على شيبتكم

*بقلم فادي زواد السمردلي* …. 

 

عبارة “استحوا على شيبتكم”، فلا يقصد بها الإساءة بقدر ما هي دعوة إلى الوعي الذاتي إنها تذكير لأولئك الذين بلغوا مرحلة متقدمة في العمر والخبرة بأن التمسك بالمكانة أو المنصب دون تحقيق نتائج ملموسة قد يكون مصدرًا للسخرية وليس للفخر فالشيب لا يعني مجرد التقدم في العمر، بل هو رمز للحكمة والرزانة، ويجب أن يكون مقرونًا بالقدرة على اتخاذ قرارات صائبة تصب في مصلحة الجميع وإن لم يكن الشخص قادرًا على ذلك، فمن الأفضل أن يتراجع بثقة، مانحًا الفرصة لغيره ممن لديهم الحماسة والقدرة على القيادة في زمن متغير.

ففي مجتمعاتنا اليوم، حيث يتسارع التغيير والتطور بشكل لم يسبق له مثيل، نجد أن بعض الأفراد الذين تقدم بهم العمر، سواء في المناصب أو في المكانة الاجتماعية، لا يزالون متشبثين بأساليب تفكير وتصرفات عفى عليها الزمن فهؤلاء الذين كان يُفترض أن يكونوا رموزًا للحكمة والنضج، أصبحوا في بعض الأحيان عقبة أمام مسيرة التطوير والتجديد فبعضهم يتشبث بالمناصب القيادية، سواء في مجال العمل أو في الحياة العامة، دون قدرة على مواجهة التحديات الحالية، أو إدراك أن الأساليب القديمة لم تعد مناسبة لهذا العصر.

في حين أن المتوقع من هؤلاء القادة أن يستثمروا خبراتهم الواسعة في دعم الأجيال الجديدة وتسهيل مسارهم، نجد في كثير من الأحيان العكس. فبدلاً من أن يكونوا مصدرًا للإلهام والتوجيه، يتحولون إلى عائق يعترض طريق التقدم. المؤسف أن بعضهم يتمسك بموقعه القيادي بدافع شخصي أو خوف من الاعتراف بأن دورهم الفاعل قد انتهى، وأنه قد حان الوقت للتجديد أو حتى للتنحي.

مثل هذه المواقف تعكس عدم تقبل التغيير الطبيعي في الحياة المهنية والاجتماعية فالتنحي عن المناصب لا يجب أن يُنظر إليه كخسارة شخصية أو نقصان في المكانة، بل كجزء طبيعي من دورة الحياة فمن الضروري أن نفهم أن القيادة الحقيقية لا تقتصر على مدة الجلوس في المنصب، وإنما تتعلق بقدرة الشخص على التكيف مع متغيرات الزمن، وإدراك متى يكون الوقت قد حان لترك الساحة لغيره ممن يملكون رؤى جديدة وطاقة متجددة قادرة على مواجهة التحديات الحديثة.

القيادة الناجحة تتطلب وعيًا ذاتيًا، وإدراكًا بأن الجمود على الأساليب التقليدية قد يضر بالمصلحة العامة ويعطل عجلة التقدم فعلى القائد أن يعرف متى يجب أن يتراجع، ويفسح المجال لمن يملك القدرة على تقديم الأفضل فالتمسك بالمناصب دون تقديم فائدة حقيقية هو في نهاية الأمر عبء، وليس شرفًا.

في نهاية المطاف، يجب أن ندرك أن التمسك بالقيادة دون القدرة على تقديم الأفضل ليس مدعاة للفخر، بل هو عبء يثقل كاهل المحيطين فالقيادة ليست امتيازًا دائمًا، ولا هي شرف يستحقه الجميع في كل الأوقات فإذا لم يكن بإمكانك القيادة بكفاءة تليق بالتحديات الراهنة، فإن المسؤولية تحتم عليك أن تفسح المجال للآخرين والتنحي في هذه الحالة ليس ضعفًا، بل هو شجاعة تدل على رؤية ناضجة ووعي عميق بتقلبات الحياة.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.