في مقدمتهم الأردن ومصر: هل يمكن أن يتحرّك العرب؟!

كمال ميرزا  ….
هل هناك حدّ ما أو خط أحمر معيّن إذا اجتازه الكيان الصهيونيّ في إبادته للشعب الفلسطينيّ فيمكن للأنظمة العربيّة ساعتها أن تتحرك؟!
السؤال هنا عن تحرّك حقيقيّ وفعليّ وناجز، وليس مجرد شجب وندب واستنكار وتحذير وإطلاق تصريحات واستصدار بيانات ومطالبة المجتمع الدولي بتحمّل مسؤوليته!
لماذا لا تأخذ الأنظمة العربيّة المبادرة، وتعلّق الجرس، وتتحمّل هي مسؤوليّتها وتتحرّك (بحق الشُفعة) ليتحرّك وراءها بقيّة المجتمع الدوليّ؟!
أم أنّ مصطلح “المجتمع الدولي” في وجدان الأنظمة العربيّة يعني فقط أمريكا، وما تسمح به وما لا تسمح به أمريكا؟!
الأسئلة أعلاه ليست استنكاريّة، وليست تهكّميّة، بل هي أسئلةاستفهاميّة بحتة!
بِحَق، ماذا ينبغي أن يقترف الكيان الصهيونيّ أكثر من الجرائم التي يقترفها الآن وتوّاً وهذه اللحظة شمال غزّة حتى يتحرّك العرب؟!
الأسئلة أعلاه تسري من حيث المبدأ على جميع الأنظمة العربيّة (والإسلاميّة) دون استثناء، ولكن تمّ خصّ الأردن ومصر بالذكر في العنوان بحكم أهميّتهما البالغة في السياق الحالي قياساً ببقيّة الدول:
ـ فالأردن ومصر هما فعليّاً البرّ العربيّ الذي ينغرس وسطه الكيان الصهيونيّ كالخنجر.
•⁠  ⁠والأردن ومصر هما تباعاً خطّ المواجهة الأطول مع الكيان الصهيونيّ.
ـ والأردن ومصر بحكم التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا هما الأقرب إلى الشعب الفلسطينيّ وقضيته من أيّ شعب عربيّ آخر.
ـ والأردن ومصر هما في قلب المخطّطات الصهيونيّة التوسعيّة المزمعة في حال نجاح الكيان في القضاء على المقاومة الفلسطينيّة، واستكمال تهجير الشعب الفلسطيني عن ترابه التاريخيّ وتصفية قضيّته.
ـ والأردن ومصر هما أكثر حليفين مُفترضَين للغرب و(الناتو) يتمّ ابتزازهما وابتزاز شعبيهما بسيف المديونيّة والضائقة الماليّة والعَوَز الاقتصاديّ والاعتماديّة وضنك العيش (وما يصاحب ذلك من برامج إصلاح وتحوّل وإعادة هيكلة اقتصاديّة مزعومة) من أجل ارغامهما على القبول بأي تنازلات أو إملاءات أو صيغ تقتضيها مشاريع التوسّع والهيمنة  الصهيو – أمريكيّة في المنطقة.
ـ والأردن ومصر هما أكثر بلدين يضمّان “كمبرادور” و”نخباً مُتغرّبةً” ربطت مصالحها وامتيازاتها وأحلامها ووجدانها بالصهيونيّ والأمريكيّ، ولا ينافسهما في ذلك سوى بعض الدول العربيّة حديثة التطبيع مع الكيان.. وتحجيم هذه النخب وكفّ يدها وتقييد حركتها من شأنه الضغط على الكيان كثيراً من حيث حضوره ونفوذه وخياراته وبدائله ومريديه وأعوانه على مستوى المنطقة.
 ـ والأردن ومصر، بالإضافة إلى التحرّك العسكريّ المباشر، هما أكثر بلدين عربيّين يمتلكان أوراقاً للضغط على الكيان الصهيونيّ، مثل تجميد العمل بمعاهدتي السلام أو إلغائهما، وقطع كافة أشكال العلاقات الدبلوماسيّة والتبادل التجاري والتنسيق الأمنيّ مع الكيان.
وهنا، ولتجنّب اتهامهما باتخاذ مواقف عدائيّة أو تصعيديّة من الكيان (مع أنّ هذه فضيلة وليست تهمة)، يمكن للأردن ومصر أن يتذرّعا بـ “المعاملة بالمثل”؛ فإذا قام الكيان مثلاً بمنع دخول الغذاء والوقود إلى أهالي غزّة، يقوم الأردن ومصر بمنع دخول أي مواد غذائيّة ووقود عبر أراضيهما وأجوائهما ومياههما الإقليميّة إلى الكيان. وإذا لم يسمح الكيان للمسافرين بالدخول إلى غزّة والخروج منها، لا يسمح الأردن ومصر لمسافري الكيان بالدخول والخروج إليهما وعبرهما. وإذا سمح الكيان لقطعان مستوطنيه باقتحام المسجد الأقصى وانتهاك الوصاية عليه، يسمح الأردن ومصر لجموع المتظاهرين الغاضبين باقتحام المقرّات والمباني والمرافق التابعة للكيان في عمّان والقاهرة.. وهكذا!
وحتى لو ذهبنا بكلامنا إلى المستوى المجازيّ والرمزيّ، ونظرنا إلى الخريطة نظرة “سيميائيّة”، سنجد أنّ الكيان الصهيونيّ كما رسمه الاستعمار هو عبارة عن مثلث تقريبي غير منتظم يقف على رأسه، ودون وجود ما يسند ومَن يسند هذا المثلث بشكل دائم فإنّه لن يستطيع الاستمرار بالوقوف والاتزان وسيهوي على أحد جانبيه أو سيسقط في البحر!
البديل الآخر لجميع الكلام أعلاه هو أنّ يكون التحرّك ضدّ الكيان الصهيونيّ خياراً غير مطروح إطلاقاً و”مش بالوارد” بالمرّة بالنسبة لجميع الأنظمة العربيّة والإسلاميّة، وأنّ حدود اهتمام كلّ نظام من هذه الأنظمة وانهماكه ومسؤوليّته تتوقّف عند الحدود السياسية لدولته القُطريّة (حتى وإن كان الاستعمار هو الذي رسمها)، ولا يعنيه ما وراء ذلك إلا بمقدار “التعاطف الإنسانيّ” و”الإغاثة الإنسانيّة”، وأنّ ما يجري في فلسطين المحتلّة هو “شأن داخليّ” محض!
مرّة أخرى، التساؤلات أعلاه ليست استنكاريّةً ولا تهكّميةً بل استفهاميّةً نابعةً من حيرة وحُرقة حقيقيّتين: متى يمكن أن تتحرّك الأنظمة العربيّة؟! وإذا لم تتحرّك كيف يمكن لها إقناع شعوبها بأنّها ليست موافقة ضمنيّاً أو تمنح ضوئها الأخضر للإبادة الجماعيّة والتهجير اللذين يقترفهما العدو الصهيونيّ بحق الأهل في غزّة؟! وأنّها ليست متماهية أو حتى مستسلمة للترتيبات الصهيونيّة المزمعة لـ” تغيير الشرق الأوسط كلّه” كما يتبجّح قادة عصابة حرب الكيان ليل نهار؟!
متى تتحرّك الأنظمة العربيّة ضدّ الكيان وجرائمه ومخطّطاته؟ علما أنّها إذا تحرّكت فإنّها ستكون تتحرّك من أجل نفسها في المقام الأول، ومن أجل استمرارها هي والأمن الوجوديّ لدولها وشعوبها، وبالأخص الأردن ومصر.. قبل أن يصبّ تحرّكها في مصلحة أهالي غزّة والفلسطينيّين أو أي طرف ثالث آخر!
قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.