**فادي السمردلي يكتب:تقشير البصل وسقوط الأقنعة واحتضار الكبرياء الزائف **
*بقلم فادي زواد السمردلي* ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
في مشهد الحياة، نلتقي بأشخاص كُثُر تجمعهم الغطرسة نفسها، معتقدين أنهم يستحقون مكانة أعلى مما هم عليه، وأن لهم في هذه الدنيا نصيبًا من العظمة والتقدير فهؤلاء الأشخاص لا يكتفون بإبراز أنفسهم بل يتسابقون في تقديم صور متضخمة لأنفسهم، متخيلين أنهم في يومٍ ما سيحتلون مواقع القيادة والتأثير، وأن الجميع سيدرك قيمتهم الفائقة التي يتصورونها في احلامهم وأعماقهم ولكنهم، على الرغم من ثقتهم بأنفسهم، يسيرون في طرق ملتوية، يتلاعبون بالحقائق ويستغلون الفرص بغية الوصول إلى القمة بأسرع ما يمكن وبأقل جهد يتبعون سراب الطموحات الكبيرة،متجاهلين قدراتهم الحقيقية، حتى يجد كلٌّ منهم نفسه في موقع مختلف تمامًا عن توقعاته، وأقل بكثير مما كان يطمح إليه.
وتأتي لحظة الانكشاف هذه حين ينتهون، دون أن يشعروا، في مواقع لا تعكس أي عظمة، بل قد تكون مجرد مهام صغيرة هامشية ولعلّ بعضهم ينتهي في مكان مثل المطبخ، حيث تكون مهمتهم اليومية بسيطة ولا تتطلب أيًا من مهاراتهم المزعومة وهنا، يُكلَّفون بعملٍ مثل تقشير البصل، مهمة تافهة في ظاهرها لكنها ثقيلة على غرورهم وبينما يقومون بهذا العمل البسيط، تبدأ الحقيقة في الانكشاف أمامهم، حقيقةً كانت مختبئة وراء قشور طموحاتهم الزائفة فتنهمر دموعهم، ليس فقط بسبب رائحة البصل النفاذة، بل لأن هذه الدموع تجسد شعورهم بالخيبة والحسرة على توقعات لم تتحقق، وعلى أوهام صنعوها لأنفسهم وتوهموا أنها واقعٌ لا محالة.
وتدور بينهم أحاديث داخلية، قد لا يجاهرون بها لبعضهم، لكنها تجمعهم في خيبة واحدة مشتركة فهم الآن ليسوا وحدهم، بل في مجتمع من المخدوعين بأنفسهم، كل منهم يرى انعكاس خيبته في الآخر وفي لحظات تقشير البصل، يبدأون بتقشير أوهامهم طبقةً طبقة، وكأن البصل هنا يمثل رمزًا لجميع التوقعات العالية التي نسجوها يومًا لأنفسهم وكل طبقة تُقشَر تذكرهم بأنهم لم يبنوا لأنفسهم طموحات حقيقية مبنية على كفاءة واقعية، بل تسرعوا في بناء قلاع وهمية لا تقف على أرض صلبة.
وهكذا، يصبح البصل الذي يقشرونه كل يوم بمثابة مرآة جماعية، تعكس حقيقة حالتهم، وتعريهم من زخرف الطموح الفارغ فهذه اللحظات المتكررة، التي تبدو عادية، تُنبههم إلى حجم التضليل الذي مارسوه على أنفسهم، وكيف ضلوا الطريق وهم يركضون خلف طموحاتٍ جوفاء فيجلسون معًا، كل واحد منهم يتجرع مرارة الخيبة ويعيش درسًا شخصيًا مؤلمًا، ليظل هذا العمل البسيط، تقشير البصل، درسًا رمزيًا يذكرهم دومًا بمكانتهم الحقيقية، وبأن الطريق للنجاح لا يمر عبر الغرور والتعالي، بل عبر العمل الحقيقي والإخلاص الواقعي، بعيدًا عن وهم العظمة الجوفاء.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.