**فادي السمردلي يكتب الشهيد وصفي التل رمز الهوية الوطنية الأردنية ومؤسس نهج الانتماء الأصيل**

*بقلم فادي زواد السمردلي* …… 

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

في كل عام، ومع حلول ذكرى اغتيال الشهيد وصفي التل، يتوافد الأردنيون من مختلف الأطياف والتوجهات إلى ضريحه، حاملين معهم مشاعر الوفاء لرجل استثنائي جسد في حياته نموذج القيادة الوطنية الصادقة إن وصفي التل لم يكن مجرد رئيس وزراء أو سياسي عابر في تاريخ الأردن، بل كان رجل دولة ذو رؤية بعيدة المدى، وضع أسسًا راسخة لفهم عميق للهوية الوطنية الأردنية، تلك الهوية التي رآها جوهرًا لاستقلال البلاد وسر قوتها في مواجهة التحديات.

رؤية وصفي التل للهوية الوطنية الأردنية كانت متجذرة في فهم عميق لتاريخ البلاد وجغرافيتها وشعبها وكان يدرك أن الهوية الوطنية ليست مجرد انتماء جغرافي أو ثقافي، بل هي انتماء شعوري وروحي يربط المواطن بالأرض التي نشأ عليها فهذه الأرض ليست فقط موقعًا للعيش، بل هي كيان مقدس تشكل وجدان الأردنيين وتاريخهم.

في فكر وصفي، الهوية الوطنية الأردنية لم تكن قابلة للتجزئة أو المساومة، بل هي خط الدفاع الأول ضد المؤامرات التي حاولت النيل من وحدة الأردن واستقراره وكان يدرك أن الهوية الأردنية ليست معزولة عن محيطها العربي، لكنها أيضًا ليست تابعة لأي أجندة خارجية رأى وصفي أن الحفاظ على هذه الهوية يتطلب التمسك بالوحدة الوطنية والابتعاد عن النزعات الإقليمية والطائفية التي قد تفتت المجتمع وتضعفه.

أحد أبرز ملامح رؤية وصفي للهوية الوطنية الأردنية كان ارتباطها الوثيق بالقضية الفلسطينية. بالنسبة له، كانت القضية الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من الوجدان الأردني، وليس مجرد ملف سياسي ولم يكن يؤمن بأن الأردن يمكن أن يكون بديلاً لفلسطين، بل كان يرى أن الأردن وفلسطين هما جزءان من نسيج قومي واحد، وأن المساس بأي منهما هو تهديد لكل الأمة.

من هذا المنطلق، كان وصفي من أبرز الرافضين لفكرة الوطن البديل التي حاولت بعض القوى الدولية والإقليمية فرضها وكان يرى أن الحفاظ على الهوية الأردنية هو السبيل الوحيد لإفشال هذه المؤامرات التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن في فكره، الهوية الوطنية الأردنية ليست فقط حماية للأردنيين، بل هي كذلك حماية للفلسطينيين من محاولات التوطين وانتزاع حقهم في العودة إلى ديارهم.

إلى جانب رؤيته الاستراتيجية، كان وصفي التل نموذجًا فريدًا في العمل السياسي. لم يكن محسوبًا على أي طرف أو تيار، بل كان شخصية توافقية تستوعب مختلف الآراء والتوجهات فهذا التوازن جعله رمزًا للوحدة الوطنية، حيث استطاع أن يضع مصلحة الأردن فوق كل اعتبار.

وصفي لم يكن يتسامح مع الخطابات التي تروج للطائفية أو الإقليمية، وكان شديد الحرص على بناء دولة مدنية حديثة تقوم على سيادة القانون والعدالة الاجتماعية وفي هذا السياق، رأى أن الهوية الوطنية الأردنية يجب أن تكون شاملة، لا تميز بين مواطن وآخر، بل تستند إلى المساواة والعدالة والاحترام المتبادل بين جميع الأردنيين.

رؤية وصفي للهوية الوطنية الأردنية كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمفهوم السيادة الوطنية. كان يؤمن بأن الأردن يجب أن يكون صاحب قراره بعيدًا عن أي تدخلات خارجية ورأى أن استقلالية القرار السياسي والاقتصادي هي الركيزة الأساسية لبناء هوية وطنية قوية قادرة على مواجهة التحديات.

من هنا، كانت سياساته تركز على تعزيز الاعتماد على الذات، سواء في المجال الاقتصادي أو العسكري، لضمان حماية الأردن من أي ضغوط خارجية وهذا النهج كان بالنسبة له جزءًا من حماية الهوية الوطنية، لأن الهوية لا يمكن أن تزدهر في ظل التبعية أو الهيمنة الخارجية.

اليوم، وبعد عقود من رحيله، يظل وصفي التل حيًا في ذاكرة الأردنيين كنموذج للزعيم الذي لم يساوم على مبادئه إنه رمز للانتماء الوطني والقومي، وشخصية تجسد روح الأردن الأصيل، ذلك الأردن الذي يقف شامخًا في وجه التحديات بفضل وحدة شعبه وتمسكه بهويته.

إن التوافد إلى ضريحه في 28 نوفمبر من كل عام هو تعبير عن التزام الأردنيين بقيم وصفي ومبادئه، ورسالة تؤكد أن رؤيته للهوية الوطنية الأردنية لا تزال حية وملهمة فالشهيد وصفي التل لم يكن مجرد قائد سياسي، بل كان روحًا تنبض بالانتماء للأردن والأمة العربية، ورمزًا لكل من يتطلع إلى بناء وطن قوي وعادل.

رحم الله الشهيد وصفي التل، وسيبقى نبراسًا لكل الأجيال التي تؤمن بأن الهوية الوطنية هي السلاح الأقوى في مواجهة أي تهديد.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.