طلاسم حكومية في تبريرات جنائية
بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي……..
ما أعجب شأن حكوماتنا! تتقن فنون التبرير والتمويه، حتى كأنها تنسج من المصائب أغطية تحجب بها أعين الناس عن حقيقتها. إذا ما حدثت كارثة نتيجة إهمال أو تقصير من موظفيها، بادروا إلى صياغة الحجة وابتداع الأعذار، كأنما هم في مسابقة لتجميل القبح وتزيين الخلل.
القانون، ذلك الميزان العادل، قد عرّف القتل بأنه كل فعلٍ أو امتناع عن فعل يؤدي إلى زهق روحٍ بريئة. فالفاعل هنا ليس فقط من حمل السلاح أو غرس السكين، بل من أهمل واجبه وتغافل عن مسؤوليته حتى أزهقت الأرواح. ومع ذلك، فإن حكوماتنا العجيبة تجيد حياكة “الطلاسم” التي تلغي الجريمة وتبرئ المجرم إذا كان من موظفيها. فها نحن نشهد التبرير بدلاً من العقاب، والتلميع بدلاً من المساءلة.
ألم يكن من العجب أن تُرد مصيبة انقطاع الكهرباء ذات يوم إلى طائر صغير؟ أو أن يُلام “ظبع” على انتشار وباء كورونا؟ أو أن تُقدم لنا تبريرات عجيبة عن “عنق الزجاجة” الذي خنق الناس بالضرائب، حتى باتت حياتهم أقرب إلى المأساة؟
ثم تأملوا مأساة البحر الميت، حيث غرق أطفال أبرياء في لحظة إهمال مروعة، فكان الجزاء تعيين أحد المسؤولين المتسببين سفيراً في بلاد الشمس المشرقة، ليعود بعد ذلك وزيراً للسياحة وكأن شيئًا لم يكن. أما المسؤول الآخر، فكانت “عقوبته” تكليفًا بحقيبة التربية والتعليم، كأنما يُجازى المقصر بالرفعة والمناصب.
وما أعجب شأن تلك الطلاسم التي جعلت من نقص الأكسجين في المستشفيات مأساة تتكرر، دون أن يحاسب المقصرون. بل زاد العجب حين رأينا من يهتف بإسقاط النظام، ينتهي به المطاف وزيراً للاستثمار، كأنما انقلبت الموازين وتحولت الأخطاء إلى جسور تعبر بها إلى المناصب!
أما الكارثة الأخيرة، فحكاية دار المسنين شاهدةٌ على إهمال فاضح. إذ لم يُكتشف مرض الجاني النفسي إلا بعد أن زهقت الأرواح البريئة. واليوم، نتوقع من حكوماتنا الماهرة في “صناعة الطلاسم” أن تُعاقب وزيرة التنمية الاجتماعية بإرسالها إلى فرنسا سفيرة، لتعود إلينا بعد ذلك حاملة حقيبة وزارية ثقيلة.
إنها طلاسم حكومية، ما رأينا لها نظيرًا في بلاد العالمين، قد بلغت حدًا يضيق به الصبر، ويُوجِب قولنا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.