*فادي السمردلي يكتب: الدون كيشوت وأوهام الفروسية*
*بقلم فادي زواد السمردلي* ……
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
(دون كيشوت ) رواية إسبانية كتبها ميغيل دي ثيربانتس عام 1605، تحكي قصة رجل يدعى ألونزو كيخانو يعتقد نفسه فارسًا ويخوض مغامرات خيالية لمحاربة الظلم، ويرافقه جاره البسيط سانشو بانزا وتعد الرواية سخرية من قصص الفروسية وتمثل الصراع بين المثالية والواقع، وأصبحت رمزًا للقتال ضد الأوهام).
في بعض الاحزاب ، يبدو أن بعض قادتها يتبنون نهجًا يشبه شخصية “دون كيشوت” الشهيرة، الشخصية التي أبدعها ميغيل دي ثيربانتس في روايته التي تحمل نفس الاسم ويتمثل هذا التشابه في رؤية هؤلاء القادة لأنفسهم كفرسان عصر حديث، يسعون لمحاربة قوى الظلم والفساد، وكأنهم يملكون الحقيقة المطلقة في ساحة سياسية معقدة ومتشابكة ويعتقد هؤلاء القادة أنهم من يحملون لواء التغيير والإصلاح، ويرون في خصومهم السياسيين أعداءً أو طواحين هواء، يقفون عقبة في طريق رؤيتهم المثالية ومع ذلك، فإن هذا النمط من التفكير، الذي يعتمد على المثالية الزائدة والاندفاع الأعمى نحو الصراعات الوهمية، يُبعدهم عن فهم الواقع الحقيقي ويحول نشاطهم السياسي إلى سلسلة من المعارك غير المجدية.
تستمد هذه الفئة من السياسيين قوتها من خطابها الذي يلامس عواطف الناس، حيث يروجون لفكرة أنهم يقفون وحدهم في مواجهة فساد مستشرٍ ومؤامرات متعددة، بينما قد تكون هذه “المؤامرات” و”العداوات” التي يتحدثون عنها غير موجودة إلا في مخيلتهم فهم، كالدون كيشوت، يميلون إلى تضخيم التحديات وتصويرها كصراعات وجودية، الأمر الذي يستهلك طاقاتهم ومواردهم في معارك جانبية تفتقر إلى التأثير الحقيقي على الأرض مثلما كان الدون كيشوت يرى نفسه فارسًا مقدامًا رغم تقدمه في العمر وابتعاده عن صفات الفرسان الحقيقيين، نجد أن هؤلاء القادة يبنون هويتهم السياسية حول شعارات مثالية غالباً ما تكون غير قابلة للتطبيق، مما يجعلهم معزولين عن السياق الواقعي ويزيد من الفجوة بينهم وبين تطلعات المجتمع.
كما أن بعض هؤلاء القادة يشبهون دون كيشوت في احتياجهم لشخصية مثل سانشو بانزا، أي مجموعة من الأتباع والمناصرين الذين يصدقون أوهامهم ويشاركونهم رؤيتهم، رغم أن بعضهم قد يكون غير مقتنع تماماً بما يحدث، لكنه يجد نفسه محاصراً بين الولاء والواجب والمصلحة فهذا الولاء الأعمى من قِبَل مناصريهم يعمّق من عزلة هؤلاء القادة عن الواقع، إذ يصبحون محاطين بأشخاص يدعمونهم دون تفكير نقدي، ويشجعونهم على الاستمرار في معاركهم الوهمية.
ورغم أن بعض القادة لبعض الأحزاب يروجون لأنفسهم كمدافعين عن العدالة والإصلاح، إلا أن أساليبهم المتكررة وشعاراتهم الخاوية تجعلهم في كثير من الأحيان عاجزين عن التأثير في النظام السياسي بفعالية فالتمسك بالأفكار المثالية، من دون خطة واضحة لتحقيقها، قد يفضي إلى نتائج عكسية، بحيث يتحول الحماس إلى فقدان للاتجاه، ويصبح الجهد ضائعاً على قضايا غير مثمرة وهكذا، قد يجد هؤلاء القادة أنفسهم معزولين سياسياً، غير قادرين على بناء تحالفات أو تحقيق تغيير حقيقي، إذ إنهم يستنزفون طاقاتهم في صراع عبثي، ويغفلون عن أولويات الإصلاح الأساسية التي يحتاجها الوطن.
في نهاية المطاف، يعكس سلوك هؤلاء القادة انصرافاً عن الواقع نحو عالم من الوهم، حيث يُضفون على أنفسهم صفات بطولية ويمارسون نشاطهم السياسي من منطلقات مثالية، غير مدركين أن الحياة السياسية تتطلب أحيانًا مرونة واستعدادًا للتفاعل مع الواقع بدلًا من محاربته ومن هنا، يمكن القول إن التشابه بين هؤلاء القادة وشخصية دون كيشوت، بما فيها من سذاجة وإصرار على محاربة طواحين الهواء، يحرمهم من فرصة أن يكونوا قادة فاعلين ومؤثرين، ويجعلهم أشبه برموز عبثية لا تحمل سوى صدى لأفكارهم المثالية، التي تبقى بعيدة كل البعد عن التغيير الواقعي والمستدام.
ورسالتنا إلى من يعيش وهم “دون كيشوت” الوطن لا يحتاج فرسانًا يحاربون طواحين الهواء بخطابات فارغة وأوهام البطولة فالسياسة ليست ميدانًا للمثالية العمياء، بل للعمل الواقعي المدروس فكفوا عن استنزاف الطاقات في معارك عبثية، وافهموا أن التغيير يحتاج أفعالًا ملموسة، لا شعارات جوفاء فالوطن بحاجة لقادة حقيقيين، لا رموز عبثية.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.